( شهر شعبان ) خطبة منتقاة ومنسقة بتصرف من خطباء الملتقى
أنشر تؤجر
1445/08/05 - 2024/02/15 21:39PM
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَأَبْقَى فِي أَعْمَارِنَا لِنَزْدَادَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ..
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاعْلَمُوا أن أجسادكم على النار لاتقوى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن الأيامَ والشهُورَ إنما تتفاضَلُ بما فِيها من الأعمالِ الصالحةِ ، وتتمايَزُ بما تنطَوِي عليهِ من التجاراتِ الرابحةِ ، والسعيدُ من اغتنمَ الأيامَ والساعاتِ ، وعمرَ أوقاتَهُ بالقُربِ والطاعاتِ .
وإِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَامِ نعيش في أيام شَهْرِ شَعْبَانَ, وَهُوَ مِنْ أَيَامِ اللهِ التِي نَحْنُ مُتَعَبِدُونَ لِلهِ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ, وَ قَدْ جَاءَتْ لَهُ مَزِيَّةٌ ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ (قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وفي تأمل هذا الحديث - يا عباد الله - نستفيد منه دروس وهدايات منها:
أولاً: فضل شهر شعبان حيث خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام. عن عَائِشَةُ رِضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ فِي هَذَا بَعْضَ الحِكَمِ : مِنْهَا أَنَّ فِي صِيَامِهِ تَمْرِينٌ عَلَى هَذِهِ العِبَادَةِ؛ فَيَعْتَادُ الصِّيَامَ قَبْلَ رَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِي رَمَضَانَ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ، وَإِقْبَالٍ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَجِدَ فِيهِ كُلْفَةً وَمَشَقَّةً.
ثانياً من فوائد الحديث : ذم الغفلة عن الله عز وجل وعن مواسم الخيرات تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ ) وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الغفلة فقال سبحانه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}، فكان صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لربه جل وعلا مسارعاً إلى عبادته، وفي ذلك توجيه لأمته إلى البعد عن الغفل عن الله عز وجل والحذر منها.
ومن الفوائد ثالثاً: فضل العمل الصالح والعبادة في وقت الغفلة، حين يكثر اللهو، وتستحكم الغفلة، وينشغل الناس بدنياهم، فإن المؤمن لا ينسى ربه بل يكون على ارتباط وثيق بالله عز وجل .
ولذا كان عليه الصلاة والسلام يحيى وقت غفلة الناس وانشغالهم بأنواع العبادات فإذا اشغل الناس ليلهم باللهو ولذة النوم قام يصلى أكثر الليل وهو وصحابته الكرام ، كما قال تعالى :{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} وعندما غفل الناس عن شهر شعبان صام أكثره عليه الصلاة والسلام.
والعبادة في زمن الفتن والغفلة وانشغال الناس عن طاعة الله ، كالهجرة إلى رسول الله ، التي لها من الثواب جَزِيلُهُ ، ومن الأجر شريفُه ؛ فعنْ مَعقِلِ بن يسارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: العِبَادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إلَيَّ رواهُ مُسْلمٌ.
رابعاً: في شهر شَعْبَانَ تُعْرَضُ أَعْمَالُ الْعَبْدِ عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، خَلَالَ الْعَامِ، تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)
ولَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رحمهم الله يُسَمُّونَ شَهْرَ شَعْبَانَ (شَهْرَ الْقُرَّاءِ)
يقول سلمة بن كهيل -رحمه الله-: "شهر شعبان شهر القراء"، وكان بعض السلف؛ "إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن".
ومما ينبغي التنبية عليه : أن من كان عليه قضاء فليبادر بالصيام ولا يؤخر ، ولنذكر نساءنا وزجاتنا بالقضاء ولنعينهن على ذلك ؛ قالتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ).
ألا فاتقوا الله عباد الله واغتنموا الأعمارَ فإنَّ لربِّكُم في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٍ ، فتعرضوا لها وسلُوا الله من فضله .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
فَمَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ أَتَى ذَنْباً عَظِيمًا، وَجُرْماً كَبِيِراً ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ - : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » [ متفق عليه ]
عباد الله : وَإِنَّ مِمَّا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْبِدَعِ فِي بَعْضِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ: الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِيَامِ والأَذْكَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ لَهَا فَضْلَا مُعَيَّنًا عَلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ الشَّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْخَطَأِ وَالْجَهْلِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ ؛ فَلَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ، لاَ فِي قِيَامِهَا، أَوْ صِيَامِ نَهَارِهَا، أَوْ إِحْيَائِهَا بِخَاصَّةٍ ؛ وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " رواه ابن ماجة .
فقد ذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى تضعيفِ هذا الحديثِ .
قال الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيهِ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ أنَّ الاحْتِفَالَ بِهَا بِدْعَةٌ، وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي فَضْلِهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا مَوضُوعٌ.. الخ.
فنسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الاِسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم احفظ بلادنا وأمننا ، واجمع شملنا على الخير مع قادتنا وعلمائنا وعامتنا ، ووفق رجال أمننا .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .
اَللَّهُمَّ كن لإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ ، اللهم عجل لهم بالفرج يا أرحم الراحمين ، اللهم احقن دماءهم ، واشف جرحاهم ، واقبل موتاهم في الشهداء يا ذا الجلال والإكرام ،
اللهم وأنزل رجزك وسخطك وعقابك على اليهود الظالمين ، يا قوي يا عزيز .
عباد الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَأَبْقَى فِي أَعْمَارِنَا لِنَزْدَادَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ..
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاعْلَمُوا أن أجسادكم على النار لاتقوى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن الأيامَ والشهُورَ إنما تتفاضَلُ بما فِيها من الأعمالِ الصالحةِ ، وتتمايَزُ بما تنطَوِي عليهِ من التجاراتِ الرابحةِ ، والسعيدُ من اغتنمَ الأيامَ والساعاتِ ، وعمرَ أوقاتَهُ بالقُربِ والطاعاتِ .
وإِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَامِ نعيش في أيام شَهْرِ شَعْبَانَ, وَهُوَ مِنْ أَيَامِ اللهِ التِي نَحْنُ مُتَعَبِدُونَ لِلهِ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ, وَ قَدْ جَاءَتْ لَهُ مَزِيَّةٌ ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ (قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وفي تأمل هذا الحديث - يا عباد الله - نستفيد منه دروس وهدايات منها:
أولاً: فضل شهر شعبان حيث خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام. عن عَائِشَةُ رِضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ فِي هَذَا بَعْضَ الحِكَمِ : مِنْهَا أَنَّ فِي صِيَامِهِ تَمْرِينٌ عَلَى هَذِهِ العِبَادَةِ؛ فَيَعْتَادُ الصِّيَامَ قَبْلَ رَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِي رَمَضَانَ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ، وَإِقْبَالٍ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَجِدَ فِيهِ كُلْفَةً وَمَشَقَّةً.
ثانياً من فوائد الحديث : ذم الغفلة عن الله عز وجل وعن مواسم الخيرات تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ ) وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الغفلة فقال سبحانه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}، فكان صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لربه جل وعلا مسارعاً إلى عبادته، وفي ذلك توجيه لأمته إلى البعد عن الغفل عن الله عز وجل والحذر منها.
ومن الفوائد ثالثاً: فضل العمل الصالح والعبادة في وقت الغفلة، حين يكثر اللهو، وتستحكم الغفلة، وينشغل الناس بدنياهم، فإن المؤمن لا ينسى ربه بل يكون على ارتباط وثيق بالله عز وجل .
ولذا كان عليه الصلاة والسلام يحيى وقت غفلة الناس وانشغالهم بأنواع العبادات فإذا اشغل الناس ليلهم باللهو ولذة النوم قام يصلى أكثر الليل وهو وصحابته الكرام ، كما قال تعالى :{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} وعندما غفل الناس عن شهر شعبان صام أكثره عليه الصلاة والسلام.
والعبادة في زمن الفتن والغفلة وانشغال الناس عن طاعة الله ، كالهجرة إلى رسول الله ، التي لها من الثواب جَزِيلُهُ ، ومن الأجر شريفُه ؛ فعنْ مَعقِلِ بن يسارٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: العِبَادَةُ في الهَرْجِ كهِجْرةٍ إلَيَّ رواهُ مُسْلمٌ.
رابعاً: في شهر شَعْبَانَ تُعْرَضُ أَعْمَالُ الْعَبْدِ عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، خَلَالَ الْعَامِ، تأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)
ولَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رحمهم الله يُسَمُّونَ شَهْرَ شَعْبَانَ (شَهْرَ الْقُرَّاءِ)
يقول سلمة بن كهيل -رحمه الله-: "شهر شعبان شهر القراء"، وكان بعض السلف؛ "إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن".
ومما ينبغي التنبية عليه : أن من كان عليه قضاء فليبادر بالصيام ولا يؤخر ، ولنذكر نساءنا وزجاتنا بالقضاء ولنعينهن على ذلك ؛ قالتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ).
ألا فاتقوا الله عباد الله واغتنموا الأعمارَ فإنَّ لربِّكُم في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٍ ، فتعرضوا لها وسلُوا الله من فضله .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
فَمَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَقَدْ أَتَى ذَنْباً عَظِيمًا، وَجُرْماً كَبِيِراً ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ - : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » [ متفق عليه ]
عباد الله : وَإِنَّ مِمَّا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْبِدَعِ فِي بَعْضِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ: الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِيَامِ والأَذْكَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ لَهَا فَضْلَا مُعَيَّنًا عَلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ الشَّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْخَطَأِ وَالْجَهْلِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ ؛ فَلَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ، لاَ فِي قِيَامِهَا، أَوْ صِيَامِ نَهَارِهَا، أَوْ إِحْيَائِهَا بِخَاصَّةٍ ؛ وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " رواه ابن ماجة .
فقد ذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى تضعيفِ هذا الحديثِ .
قال الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيهِ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ أنَّ الاحْتِفَالَ بِهَا بِدْعَةٌ، وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي فَضْلِهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا مَوضُوعٌ.. الخ.
فنسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الاِسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم احفظ بلادنا وأمننا ، واجمع شملنا على الخير مع قادتنا وعلمائنا وعامتنا ، ووفق رجال أمننا .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .
اَللَّهُمَّ كن لإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ ، اللهم عجل لهم بالفرج يا أرحم الراحمين ، اللهم احقن دماءهم ، واشف جرحاهم ، واقبل موتاهم في الشهداء يا ذا الجلال والإكرام ،
اللهم وأنزل رجزك وسخطك وعقابك على اليهود الظالمين ، يا قوي يا عزيز .
عباد الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.