شهر رمضان تغلق فيه أبواب النار

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... شهر رمضان شهر تغلق فيه أبواب النيران ... هذه النار التي أعدها الله لأعداء دينه، ووصفها الله لنا لكي نتقيه ونخشاه ونخافه خوف الإجلال.
النار .. وما أدراك ما النار ! وما أعده الله فيها من العذاب الشديد والنكال الوجيع لمن عصاه ولم يلتزم شرعه، ذكرنا الله بها ليكون ذلك قامعا للنفوس عن شهواتها وفسادها، وباعثا لها على المسارعة إلى فلاحها ورشادها، فإن النفوس ولا سيما في هذه الأزمان قد غلب عليها الكسل والتواني، واسترسلت في شهواتها وأهوائها وتمنت على الله الأماني.
عباد الله ... كم كان صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بمواعظ تذرف منها العيون وتوجل منها القلوب وترتعد منها الفرائص، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه بكلمات يسيرات فيقول: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله))، فما هو إلا أن ينتهي من كلامه عليه الصلاة والسلام حتى يخفض الصحابة رؤوسهم ويكبوا بوجوههم ولهم ضجيج وخنين بالبكاء.
أما إن نفوسنا بحاجة إلى أن نوردها المواعظ والنذر، وأن نذكرها بما خوف الله به عباده وحذرهم منه، وقد حذر سبحانه وتعالى عباده أشد التحذير، وأنذرهم غاية الإنذار من عذاب النار من دار الخزي والبوار، فقال جل جلاله وتقدست أسماؤه ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ) فوالله، ما أنذر العباد وخوفهم بشيء قط هو أشد وأدهى من النار؛ وصف لهم حرها ولظاها، وصف لهم طعامها وشرابها، وصف أغلالها ونكالها، وصف حرارتها وغايتها، وصف أصفادها وسرابيلها، وصف ذلك كله حتى إن من يقرأ القرآن بقلب حاضر، كأنه يراها رأي عين، يرى كيف يحطم بعضها بعضا، كأنما يرى أهل النار يتقلبون في دركاتها ويجرجرون في أوديتها، كل ذلك من المولى جل وعلا إنذار وتحذير.
وخوّف نبينا عليه الصلاة والسلام من النار وأنذر وتوعد وحذر، وكان صلى اله عليه وسلم شديد الإنذار شديد التحذير من النار، وقف مرة على منبره فجعل ينادي ويقول ( أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار ) وعلا صوته صلى اله عليه وسلم حتى سمعه أهل السوق جميعا، وحتى وقعت خميصة كانت على كتفيه صلى اله عليه وسلم، فوقعت عند رجليه من شدة تأثرة وانفعاله بما يقول، وقال عليه الصلاة والسلام ( أنا آخذ بحجزكم عن النار وأقول: إياكم وجهنم والحدود، إياكم وجهنم والحدود ) فهو صلى اله عليه وسلم آخذ بحجز أمته وهم يعصونه ويقتحمونها.
ألا فلنشعِر القلوب بشيء من أحوالها، ولنذكّر النفوس بشيء من أهوالها؛ لعل قسوة من قلوبنا تلين وغفلة من نفوسنا تفيق.
عباد الله ... فإن سألت عن النار فقد سألت عن دار مهولة وعذاب شديد، ما ظنك بنار أوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة. ما ظنك بحرها، نارنا هذه في الدنيا جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم.
وما ظننا ببُعْد قعر النار .. يلقى الحجر العظيم من شفرها فيهوي فيها سبعين سنة لا يدرك قعرها، والله لتملأن، والله لتملأن، والله لتملأن.
أما طعامها فاستمع إلى قول خالقها والمتوعد بعذابها ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ )
أما شرابها فاستمع إلى ما يقول ربنا وخالقنا ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ).
فهذا الطعام ذو غصة وعذاب أليم، وهذا الشراب كما ( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ).
يقول عليه الصلاة والسلام ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟! ) يلقى على أهل النار الجوع فإذا استغاثوا أغيثوا بشجر الزقوم، فإذا أكلوه غلا في بطونهم كغلي الحميم، فيستقون، فيسقون بماء حميم إذا أدناه إلى وجهه شوى وجهه، فإذا شربه قطّع أمعاءه حتى يخرج من دبره ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ )
أما سلاسلها وأغلالها فاستمع إلى وصفها ( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) ( فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ) فإن ناصية رأسه تجمع إلى قدميه من وراء ظهره. ينشئ الله لأهل النار سحابة سوداء مظلمة، فيقال لهم: يا أهل النار أي شيء تطلبون؟ فيقولون: الشراب، فتمطرهم تلك السحابة السوداء أغلالا تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمرا يتلهب عليهم.
إن أهون أهلها عذابا من كان له نعلان يغلي منهما دماغه، ما يرى أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم.
فنسأل الله تعالى أن يجيرنا من النار .. اللهم إنا نسألك الجنة/ ونعوذ بك من النار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله ب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين ... إن حال أهل النار فشر حال، وهوانهم أعظم هوان، وعذابهم أشد عذاب، ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أكبادهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية قد آذى حرها واشتد نضجها، فلو رأيتهم وقد أسكنوا دار ضيقة الأرجاء مُظْلِمة المسالك مُبْهِمة المهالك، قد شدت أقدامُهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، يسحبون فيها على وجوههم مغلولين، النار من فوقهم، النار من تحتهم، النار عن أيمانهم، النار عن شمائلهم ( لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) فغطاؤهم من نار وطعامهم من نار وشرابهم من نار ولباسهم من نار ومهادهم من نار، فهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران وضرب المقامع وجر السلاسل، يتجلجلون في أوديتها، ويتحطمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، تغلي بهم كغلي القدر، وهم يهتفون بالويل ويدعون بالثبور ( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) يتفجر الصديد من أفواههم، وتتقطع من العطش أكبادهم، وتسيل على الخدود عيونهم وأهدابهم ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) أمانيهم فيها الهلاك وما لهم من أسرها فكاك. كيف بك لو رأيتهم وقد اسودت وجوههم؟! فهي أشد سوادا من الحميم، وعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم وقصمت ظهورهم ومزقت جلودهم وغلّت أيديهم إلى أعناقهم وجمع بين نواصيهم وأقدامهم، يمشون على النار بوجوههم، ويطؤون حسك الحديد بأحداقهم، ينادون من أكنافها ويصيحون من أقطارها: يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك قد تفتتت منا الكبود، يا مالك العدمُ خير من هذا الوجود، فيجيبهم بعد ألف عام بأشد وأقوى خطاب وأغلظ جواب ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) فينادون ربهم وقد اشتدّ بكاؤهم وعلا صياحهم وارتفع صراخهم ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) فلا يجيبهم الجبار جل جلاله إلا بعد سنين، فيجيبهم بتوبيخ أشد من العذاب ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) فعند ذلك أطبقت عليهم وغلقت، فتزداد حسراتهم وتنقطع أصواتهم، فلا يسمع لهم إلا الأنين والزفير والشهيق والبكاء، يبكون على تضييع أوقات العمر، ويتأسفون أسف أعظم من المصاب، ولكن هيهات هيهات ذهب العمل وجاء العقاب.
لقد باعوا جنة عرضها السماوات والأرض بثمن بخس دراهم معدودة؛ بشهوات تمتعوا بها في الدنيا ثم ذهبت وذهبوا فكأنها وكأنهم ما كانت وما كانوا، ثم لقوا عذابا طويلا وهوانا مقيما ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ).
اللهم إنه لا طاقة لنا بعقابك، ولا صبر لنا على عذابك، اللهم فأجرنا وأعتقنا من نارك ( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشاهدات 1182 | التعليقات 0