شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
خالد الكناني
شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
الحمد لله ربّ العالمين ، الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد : عباد الله اتقوا الله تعالى فهي وصيته لخلقه ، قال تعالى : ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
أيها المسلمون : اغتنام المواسم بالطاعات ، والتزود فيها بكل ما يقرب من رب الأرض والسموات ، وتتبع الهدي النبوي لما فيه من الخير لنا في المحيا وبعد الممات .
قال تعالى : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)))
وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشدّ حريصًا في السؤال و المتابعة لما يشاهدون من أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المواسم والأوقات .
+عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: " ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )) رواهُ أحمدُ والنسائيُّ وحسَّنَهُ الألبانيُّ .
ففي الحديث مع شهر شعبان لنا وقفات ، نستمدها من هدي خير البريئات صلى الله عليه وسلم
*ألأولى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصه بكثرة الصيام
+عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ )) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لهما ((كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ))
+وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا ))
فلنصوم في شهرنا هذا ما نستطيع ونطيقه من الصيام، فإن الصيام فيه مستحب ، والصيام لا يعدله شيء ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»
*الثانية : ذم الغفلة عن الله عز وجل في كل وقت وحين ، وفي المواسم وأوقات المكاسب يُضيع فيها البعض كثيرا من الفضائل والنفحات ، بسبب الغفلة عن ذلك ، ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ذَلِكَ شَهْرٌ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ )) وهذا يدل على فضيلة العبادة في وقت غفلة الناس . فلنبادر ولنغتنم حياتنا قبل الفوات ومفارقة هذه الحياة بأعمال صالحات ، من صيام وصدقة وتلاوة وبر واحسان وغيرها ، فلا نتكاسل ونحن قادرون حتى لا يأتي علينا يوم ونحن لا نستطيع إما لعجزنا وكبرنا أو مفارقة هذه الدنيا وحينئذ يكون الندم أننا لم نتزود في زمن الإمكان .
فيا مَن ضَيَّعَ الأوقاتَ جهلًا ... بقيمتِها أفِقْ واحْذَرْ بَوَارَكْ
فسوفَ تُفَارِقُ اللذاتِ قهرًا ... ويُخْلي الموتُ كُرْهًا منكَ دارَكْ
*الثالثة : أنه شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فقال صلى الله عليه وسلم : فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ، وهكذا ينبغي للمسلم أن يحرص على كل عمل صالح في هذا الشهر وفي غيره إلى أن يلقى الله تعالى ، وفي صحائف أعماله حسنات وصالحات تقربه من ربي الأرض والسموات ، فسارعوا وبادروا وتزودوا من الطاعات ، قال تعالى : ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ))
لنستغل لحظات وأيام وليالي هذا الشهر بأعمال صالحات منها :
ـــــ توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له وحده جل في علاه
ــــ المحافظة على الفرائض التي فرضها الله تعالى علينا
ـــ التزود والاكثار من النوافل
ــــ الصيام تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ترفع الأعمال وأنت صائم .
ــــ بر الوالدين ... وصلة الرحم
ــــ الصدقة والاحسان
ـــ الذكر وتلاوة القرآن
ــــ التوبة وكثرة الاستغفار
عباد الله اقبلوا على الله بالتوبة الصادقة وتجديد الإيمان
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )) ... أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ... عباد الله :
فإن من كان منكم عليه أيام من رمضان أفطر فيها ، فليبادر بالقضاء ويحث أهله على ذلك ، وكذلك أن من لم يكن له عادة من صيام يوم وإفطار يوم أو صيام الاثنين والخميس فلا يجوز له أن يتقدم رمضان بصيام يوم أو يومين على جهة الاحتياط لشهر رمضان ،فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ»
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
عباد الله : لنعلم أن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا نحدث من العبادات ولا نخصص شهر شعبان ببعض البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ»
ولا ينبغي تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام خاص بها ، ولا يومها بصيام خاص به .
، واعلموا أن ما ذكر عن ليلة النصف من شعبان ما رواه ابن ماجة وحسنه الألباني
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ , فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ , إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ )) وهذا يدل على رحمة الله بعباده وفيها الحث على التمسك بالتوحيد وتصفية الأنفس من الأحقاد والضغائن ، وليس هذا مقصورا على ليلة النصف من شعبان ، بل ورد في ذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )) ، إياك ثم إياك من التشاحن والتباغض والتقاطع مع إخوانك المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم : لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» ... ولنعلنها من اليوم لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا ، { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))