شهر الله المحرّم وعاشوراء
أبو البراء
1432/01/01 - 2010/12/07 14:13PM
الخطبة الأولى صوم عاشوراء
الحمدُ لله الذِي خَلَق كلَّ شَيءٍ فقدَّره تقدِيرًا، أحمده تعَالى وأشكُره، ييسِّر عسيرًا، ويجبُر كسيرًا، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وكان ربّك قديرًا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرًا، تباركت أسماؤه، وتقدّست صفاته، جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحده لا شريك له، وسع كلّ شيء رحمة وعلما وتدبيرًا، وأشهد أنّ نبيّنا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه بالحقّ بين يدي السّاعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا منيرًا، فصلوات الله وبركاتُه تترى عليه، وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيرا، وأصحابه الذين خافوا يومًا عبوسًا قمطريرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومٍ كان شرّه مستطيرًا، وسلّم تسليمًا كثيرًا.،
أما بعد: فاتقوا الله ربكم ـ أيها المسلمون ـ، فمن أطاع ربه واتقاه, ربح في دنياه وأخراه.
عباد الله : من فضلِ الله تعالى وحكمته أنْ فضّل من شاء واختار، حِكمةً بالغةً من حكيمٍ عليمٍ ذي اقتدار, فعن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم يقول سبحانه: تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، كما فضَّل سبحانه بعض الأماكنِ والأزمان على بعض وخصَّها بمزيد عنايةٍ وحرمةٍ وشرَفٍ وكرم، ومن ذلك ما فضّلَ الله به شهرَه المحرم، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r : ((السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)) رواه البخاري.
وقوله تعالى: فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْأي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْاختصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم.
ففي شهر اللهِ المحرّم ( شهرِكم هذا) من الفضائل يومٌ عظيمٌ قدرُه,كثيرٌ أجرُه, يومٌ من أيّامِ الله, يومُ نصرٍ للمؤمنين وهلاكٍ لأعداءِ الدّين, يومٌ واحدٌ يُكفِّرُ اللهُ به ذنوبَ سنةً كاملةً لمن صامه إيماناً بالله واحتساباً للأجرِ والثواب, إنّه يومُ عاشوراء, وهو أفضل أيام شهر الله المحرم، فقد صامه النبي r وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ r الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى [شكراً لله تعالى]، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)).
والشّهرُ كلُّه فضّلَه النّبيُّ r,وخصّهُ بالصيامِ, ففي الحديث الصّحيح: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ)) رواه مسلم، وقوله: ((شهرُ الله)) من باب إضافة التعظيم, لذا يستحب الإكثار من صيام النافلة فيه.
ومن عنايته r بيوم عاشوراء ما يخبرنا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, فيقول: ((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ r يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ)). رواه البخاري.
ومعنى: (يتحرّى) أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وفي فضلِ صيامه وأجره وثوابه, قال النبيّ r : ((صيامُ يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفّرَ السنة التي قبله)) رواه مسلم، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنةٍ كاملة والله ذو الفضل العظيم.
ولكن.. ماذا يكفّرُ صيامُ يوم عاشوراء ؟
قال أهل العلم: إنه يكفر الذنوب الصغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفّرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحققون كالنووي وابن تيمية رحمهما الله.
واستمعوا إلى الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يحذِّر من يتصوَّر أنّ صيامَ يومي عرفة وعاشوراء كافٍ في النجاة والمغفرة، فيقول رحمه الله: "لَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ, وَهِيَ إنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ, فَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ, وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ لَا يَقْوَيَانِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ إلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إلَيْهَا, فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ. وَمِنْ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ طَاعَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَعَاصِيهِ, لِأَنَّهُ لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَلَا يَتَفَقَّدُ ذُنُوبَهُ, وَإِذَا عَمِلَ طَاعَةً حَفِظَهَا وَاعْتَدَّ بِهَا, كَاَلَّذِي يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ أَوْ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ, ثُمَّ يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ وَيُمَزِّقُ أَعْرَاضَهُمْ, وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ طُولَ نَهَارِهِ, فَهَذَا أَبَدًا يَتَأَمَّلُ فِي فَضَائِلِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّهْلِيلَاتِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا وَرَدَ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُغْتَابِينَ وَالْكَذَّابِينَ وَالنَّمَّامِينَ, إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ, وَذَلِكَ مَحْضُ غُرُورٍ" انتهى كلامه.
ولما كان من هدي النبي r حرصُه على مخالفة الكفّار في عباداتهم وأعمالهم أمر النبي r بصيام اليوم التاسع مع العاشر، فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)) رواه مسلم.
ويجوز إفراد عاشوراء بالصيام وهو في أدنى المراتب ، وفوقَه صيامُ يومٍ قبله أو يوم بعده، والأكمل صيام الأيام الثّلاثة. وفيها فائدةٌ تربويّةٌ جليلةٌ وهيَ أنّ القليلَ الدّائمَ أفضلُ من الكثيرِ المنقطعِ غالباً.
فاحتسبوا أيها المؤمنون، وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وتأسيّا بالرّسول الكريم r , وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين.
اللهم تب علينا واعف عنا وتجاوز عن خطيئاتنا، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه دقَّه وجلَّه علانيته وسرَّه أوَّله وآخره ما علمنا منه وما لم نعلم, كما نسألُه سبحانَه أن ينصرَ الإسلامَ والمسلمين وأن يُصلِح أحوالهم أجمعين .
بارك الله لي ولكم في كلِّ ما قلناه وسمعناه، وغفرَ لنا ما عملنا من سوءٍ ممَّا لم نعلمْه ومما علمناه ,
إنّ ربي غفورٌ رحيم .
الخطبة الثانية الحمد لله ناصرِ دينِه, ومُعزِّ أوليائِه, وقد تأذن بالنّصرِ لمن نصرَه, وبالزّيادةِ لمن شكره , وأشهد أن لا إله إلا الله إرغاما لمن كفر به وجحده, حكمَ بنصرةِ رسلِه والمؤمنين فلا مُعقّبَ لحكمِه, وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله r وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أمّا بعد: فإنّ مما لا يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعض الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رحمه الله عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.. فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ r حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا؟ وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ. هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لَا؟
فأجاب رحمه: "لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ r وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ r وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا، ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال: فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ، وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ـ يشير إلى فعل الروافض ـ فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ، وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.. وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْأُمُورِ: مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ, أَوْ تَجْدِيدُ لِبَاسٍ وَتَوْسِيعُ نَفَقَةٍ، أَوْ اشْتِرَاءُ حَوَائِجِ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ. كَصَلَاةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ، أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ، أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ، أَوْ الِاكْتِحَالُ وَالِاخْتِضَابُ، أَوْ الِاغْتِسَالُ أَوْ التَّصَافُحُ، أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، الَّتِي لَمْ يَسُنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا اسْتَحَبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ" انتهى كلامه. ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأروا الله من أنفسكم خيرا، فشهرُ الله المحرّمِ وعاشوراء مناسبَةٌ للذّكر والشكرِ, وسببٌ في زيادة الإيمان وتكفيرِ الخطايا, وصلوا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى سيدنا ونبينا محمد خليل ربّه، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عزَّ قائلا عليما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد النبي الأمي، وعلى آله الطيبين الطاهرين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا ويجعلَنا من المتقين. والحمد لله رب العالمين..
الحمدُ لله الذِي خَلَق كلَّ شَيءٍ فقدَّره تقدِيرًا، أحمده تعَالى وأشكُره، ييسِّر عسيرًا، ويجبُر كسيرًا، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وكان ربّك قديرًا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرًا، تباركت أسماؤه، وتقدّست صفاته، جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحده لا شريك له، وسع كلّ شيء رحمة وعلما وتدبيرًا، وأشهد أنّ نبيّنا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه بالحقّ بين يدي السّاعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا منيرًا، فصلوات الله وبركاتُه تترى عليه، وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيرا، وأصحابه الذين خافوا يومًا عبوسًا قمطريرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومٍ كان شرّه مستطيرًا، وسلّم تسليمًا كثيرًا.،
أما بعد: فاتقوا الله ربكم ـ أيها المسلمون ـ، فمن أطاع ربه واتقاه, ربح في دنياه وأخراه.
عباد الله : من فضلِ الله تعالى وحكمته أنْ فضّل من شاء واختار، حِكمةً بالغةً من حكيمٍ عليمٍ ذي اقتدار, فعن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم يقول سبحانه: تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، كما فضَّل سبحانه بعض الأماكنِ والأزمان على بعض وخصَّها بمزيد عنايةٍ وحرمةٍ وشرَفٍ وكرم، ومن ذلك ما فضّلَ الله به شهرَه المحرم، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r : ((السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)) رواه البخاري.
وقوله تعالى: فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْأي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْاختصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم.
ففي شهر اللهِ المحرّم ( شهرِكم هذا) من الفضائل يومٌ عظيمٌ قدرُه,كثيرٌ أجرُه, يومٌ من أيّامِ الله, يومُ نصرٍ للمؤمنين وهلاكٍ لأعداءِ الدّين, يومٌ واحدٌ يُكفِّرُ اللهُ به ذنوبَ سنةً كاملةً لمن صامه إيماناً بالله واحتساباً للأجرِ والثواب, إنّه يومُ عاشوراء, وهو أفضل أيام شهر الله المحرم، فقد صامه النبي r وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ r الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى [شكراً لله تعالى]، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)).
والشّهرُ كلُّه فضّلَه النّبيُّ r,وخصّهُ بالصيامِ, ففي الحديث الصّحيح: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ)) رواه مسلم، وقوله: ((شهرُ الله)) من باب إضافة التعظيم, لذا يستحب الإكثار من صيام النافلة فيه.
ومن عنايته r بيوم عاشوراء ما يخبرنا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, فيقول: ((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ r يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ)). رواه البخاري.
ومعنى: (يتحرّى) أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وفي فضلِ صيامه وأجره وثوابه, قال النبيّ r : ((صيامُ يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفّرَ السنة التي قبله)) رواه مسلم، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنةٍ كاملة والله ذو الفضل العظيم.
ولكن.. ماذا يكفّرُ صيامُ يوم عاشوراء ؟
قال أهل العلم: إنه يكفر الذنوب الصغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفّرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحققون كالنووي وابن تيمية رحمهما الله.
واستمعوا إلى الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يحذِّر من يتصوَّر أنّ صيامَ يومي عرفة وعاشوراء كافٍ في النجاة والمغفرة، فيقول رحمه الله: "لَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ, وَهِيَ إنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ, فَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ, وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ لَا يَقْوَيَانِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ إلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إلَيْهَا, فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ. وَمِنْ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ طَاعَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَعَاصِيهِ, لِأَنَّهُ لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ وَلَا يَتَفَقَّدُ ذُنُوبَهُ, وَإِذَا عَمِلَ طَاعَةً حَفِظَهَا وَاعْتَدَّ بِهَا, كَاَلَّذِي يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ أَوْ يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ, ثُمَّ يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ وَيُمَزِّقُ أَعْرَاضَهُمْ, وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ طُولَ نَهَارِهِ, فَهَذَا أَبَدًا يَتَأَمَّلُ فِي فَضَائِلِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّهْلِيلَاتِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا وَرَدَ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُغْتَابِينَ وَالْكَذَّابِينَ وَالنَّمَّامِينَ, إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ, وَذَلِكَ مَحْضُ غُرُورٍ" انتهى كلامه.
ولما كان من هدي النبي r حرصُه على مخالفة الكفّار في عباداتهم وأعمالهم أمر النبي r بصيام اليوم التاسع مع العاشر، فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)) رواه مسلم.
ويجوز إفراد عاشوراء بالصيام وهو في أدنى المراتب ، وفوقَه صيامُ يومٍ قبله أو يوم بعده، والأكمل صيام الأيام الثّلاثة. وفيها فائدةٌ تربويّةٌ جليلةٌ وهيَ أنّ القليلَ الدّائمَ أفضلُ من الكثيرِ المنقطعِ غالباً.
فاحتسبوا أيها المؤمنون، وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وتأسيّا بالرّسول الكريم r , وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين.
اللهم تب علينا واعف عنا وتجاوز عن خطيئاتنا، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه دقَّه وجلَّه علانيته وسرَّه أوَّله وآخره ما علمنا منه وما لم نعلم, كما نسألُه سبحانَه أن ينصرَ الإسلامَ والمسلمين وأن يُصلِح أحوالهم أجمعين .
بارك الله لي ولكم في كلِّ ما قلناه وسمعناه، وغفرَ لنا ما عملنا من سوءٍ ممَّا لم نعلمْه ومما علمناه ,
إنّ ربي غفورٌ رحيم .
الخطبة الثانية الحمد لله ناصرِ دينِه, ومُعزِّ أوليائِه, وقد تأذن بالنّصرِ لمن نصرَه, وبالزّيادةِ لمن شكره , وأشهد أن لا إله إلا الله إرغاما لمن كفر به وجحده, حكمَ بنصرةِ رسلِه والمؤمنين فلا مُعقّبَ لحكمِه, وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله r وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أمّا بعد: فإنّ مما لا يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعض الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رحمه الله عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.. فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ r حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا؟ وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ. هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لَا؟
فأجاب رحمه: "لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ r وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ r وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا، ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال: فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ، وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ـ يشير إلى فعل الروافض ـ فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ، وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ.. وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْأُمُورِ: مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ, أَوْ تَجْدِيدُ لِبَاسٍ وَتَوْسِيعُ نَفَقَةٍ، أَوْ اشْتِرَاءُ حَوَائِجِ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ. كَصَلَاةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ، أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ، أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ، أَوْ الِاكْتِحَالُ وَالِاخْتِضَابُ، أَوْ الِاغْتِسَالُ أَوْ التَّصَافُحُ، أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، الَّتِي لَمْ يَسُنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا اسْتَحَبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ" انتهى كلامه. ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأروا الله من أنفسكم خيرا، فشهرُ الله المحرّمِ وعاشوراء مناسبَةٌ للذّكر والشكرِ, وسببٌ في زيادة الإيمان وتكفيرِ الخطايا, وصلوا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى سيدنا ونبينا محمد خليل ربّه، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عزَّ قائلا عليما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد النبي الأمي، وعلى آله الطيبين الطاهرين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا ويجعلَنا من المتقين. والحمد لله رب العالمين..