شهر الله المحرم وعاشوراء

محمد البدر
1434/01/01 - 2012/11/15 21:38PM
[align=justify]الخطبة الأولى:
عباد الله :إن شهر الله المحرّم شهرٌ عظيم مبارك ، وهو أول شهور السنة الهجرية ، وأحد الأشهر الحُرمِ التي قال الله فيها :{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).رواه البخاري ومسلم. وقوله تعالى:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم بِالذِّكْرِ , وَنَهَى عَنْ الظُّلْم فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلّ الزَّمَان .
وحث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صيامه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ )رواه مسلم.
عباد الله :بعد أيام يهل علينا يومٌ عظيم من أيام الله إنه يوم عاشوراء ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا:هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ. هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ.فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ. فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفقٌ عليه.
وفي رواية مسلم: (فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ).
زاد مسلم في روايته : (فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ)وفي رواية للبخاري : (وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ) .
وفي رواية للبخاري أيضا:فقال لأصحابه:« أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ ، فَصُومُوا ».
وصيام عاشوراء كان معروفا حتى على أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة فقد ثبت عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ »رواه مسلم.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ :لَعَلَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ فِي صَوْمه إِلَى شَرْعِ مَنْ مَضَى كَإِبْرَاهِيمَ عليه السّلام. وقد ثبت أيضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به، فسألهم عن السبب؟ فأجابوه كما تقدّم في الحديث، وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيدا كما جاء في حديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، وفي رواية مسلم: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا)وفي رواية له أيضا: « كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ(اليهود) يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ
عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم«فَصُومُوهُ أَنْتُمْ»رواه مسلم.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام. انتهى ملخّصا من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري.
وإمعانا في مخالفتهم إذا صاموه استحبّ لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصوم يوما قبله وإيضاح ذلك فيما يلي:
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء .
فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : (حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع.َ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)رواه مسلم.
قال الشافعي وأحمد وإسحاق وآخرون:يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر, ونوى صيام التاسع.
وقال بعض العلماء:ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبه باليهود في إفراد العاشر.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام العاشر والحادي عشر، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب.
ومما ورد في فضل يوم عاشوراء:عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه البخاري.معنى : (يتحرى) أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وقال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ »رواه مسلم.
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
أقول قولي هذا ... 
الخطبة الثانية :
وينبغي اجتناب البدع في هذا الشّهر الكريم وخاصة في يوم عاشوراء فبعض النّاس يتخذّه عيدا يحتفل به، وهذا لا يجوز وبعضهم يتخذّه مأتما وعويلا ونياحة ولطما للصدور وضربا بالسيف على الرؤوس وإسالة للدماء ووضعا للسلاسل في الأعناق، وهذه بدعة قبيحة محرّمة ليست من الإسلام في شيء والإسلام بريء منها وممن ابتدعها من الشيعة و الروافض ، والله أرحم بعباده من أن يأمرهم بتعذيب أنفسهم بمثل هذه الأفعال الشّنيعة القبيحة، نسأل الله السّلامة والعافية.فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم« لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ»متفقٌ عليه.
فهلموا ياعباد الله إلى عبادة الله في هذا الشهر الكريم كما يحبّ ويرضى، ووفق سنّة النبي المصطفى، نسأل الله أن يهدينا سبل السّلام وأن يرزقنا العمل بما يُرضيه وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله على نبينا محمد . . . . .الخ.

[/align]
المرفقات

محرم وعاشوراء.doc

محرم وعاشوراء.doc

المشاهدات 2061 | التعليقات 0