شهر العفو-2-9-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(خط كبير)

محمد بن سامر
1444/09/01 - 2023/03/23 13:48PM

شهر العفو-2-9-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (یَـاأَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَّفْسࣲ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاءࣰ وَاتَّقُوا۟ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَیْكُمْ رَقِیبࣰا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

كَانَ مُتَشوِّقًا لِدُخولِ شَهرِ رَمضانَ، يَرجو فِيهِ العَفوَ والرَّحمةَ والغُفرانَ، فَلا تَراهُ إلا يَتَنقَّلُ مِن طَاعةٍ إلى طَاعةٍ، ولا يَكادُ أنْ يُفَرِّطَ مِن رَمَضانَ بِساعةٍ، فَهوَ في النَّهارِ في قِراءةِ قُرآنٍ وَصَدَقاتٍ وصِيامٍ، وفي اللَّيلِ في ذِكرٍ وصِلةِ أرحامٍ وقِيامٍ، وما بَينَ ذلكَ في دُعاءٍ ومُناجاةٍ وبُكاءٍ، فَيَنظُرُ إليهِ النَّاظرُ ويَقولُ: هَنيئًا لَهُ هَذا الاجتِهادُ، وهَكَذا تَكونُ المُنَافسةُ بينَ العِبادِ، وَلكنْ هُناكَ شَيءٌ واحدٌ، يُكَدِّرُ صَفوَ هَذا العَابدِ، وهَوَ أنَّهُ مَحرومٌ مِنَ المَغفرةِ في هَذا الشَّهرِ الفَضيلِ، ولا يَنظرُ اللهُ-تَعَالى-إلى ذَلِكَ العَملِ الجَليلِ، فَلِماذا؟ ومَا هو السَّببُ؟

اسمع السببَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ الله عَنْهُ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا-أَخِّروا-هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

لا إلهَ إلا اللهُ، كَمْ في هذا الشَّهرِ مِنْ عِباداتٍ وصَلواتٍ وصَدقاتٍ، وأَذكارٍ وتَوبةٍ واستغفارٍ، وصِيامٍ وبرٍّ للوَالدينِ وصِلةِ أَرحامٍ؟! ومَعَ ذَلكَ لا يُغفرُ لهذا العبدِ، بَلْ ولا يُنظرُ في عَملِهِ؛ فَأيُّ خَسارةٍ هَذهِ، وأَيُّ مُصيبةٍ تِلكَ؟!

عندما يُوَجِّهُنا رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- فيقولُ: "لَا تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَقَاطَعوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاث"، ثُمَّ نَرى القَطيعةَ بينَ الأقاربِ والإخوانِ، وبينَ الأصحابِ والجِيرانِ، فَلا الكَبيرُ يُريدُ أن يَتنازَلَ فَيَعتَذِرَ، ولا الصَّغيرُ يُريدُ أن يُبادرَ فَيَغفِرَ، فَأينَ الحِكمةُ والعَقلُ؟ وأينَ العَفو والفَضلُ؟ فَيَا مَنْ يُريدُ دَارَ السَّلامِ، خَيرُ الـمُتَهاجِرَينِ والـمتخاصمينِ الذي يَبدأُ بالسَّلامِ.

إِذَا اعْتَذَرَ الْجَانِي مَحَا الْعُذْرُ ذَنْبَهُ*

                   وَكَانَ الَّذِي لا يَقْبَلُ الْعُذْرَ جَانِيَا

اسمَعوا لجمالِ هذهِ القِصَّةِ، كَانَ أبو بَكرٍ الصِّديقُ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-يُنفقُ عَلى ‌مِسطَحِ بنِ أُثاثةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-لقَرابتِهِ مِنهُ وفَقرِه، فلما كَانتْ حَادثةُ الإفكِ، تَكلَّمَ مِسطحُ في أُمِنا عائشةَ-رَضيَ اللهُ عَنها-مَعَ مَن تَكلَّمَ، فلما أَنزلَ اللهُ-تَعالى-براءَتـَها، قَالَ أبو بكرٍ: "واللهِ لا ‌أُنفقُ عَلى ‌مِسطحٍ شَيئًا أَبدًا، ولا أَنفعُه بِنَفعٍ أَبدًا"، وَمَنْ يَلومُهُ وَقَدْ تَكلَّمَ فِي عِرضِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسلَمَ-، وعِرضِ بِنتِه الصِّديقةِ العَفيفةِ الطَّاهرةِ!

ولَكِنْ مَاذا قَالَ اللهُ-تَعالى-لأبي بَكرٍ في مَنعِهِ لِنَفَقةٍ كانتْ لوَجهِ اللهِ، ويَنبغي أن تَبقى خَالصةً للهِ-عَزَّ وجَلَّ-، قَالَ-سُبحَانَه-: (وَلَا يَأْتَلِ-لا يَحلِفُ- أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَقَالَ أَبو بَكرٍ الصِّديقِ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-: "بَلى، واللهِ إنِّي لأُحِبُّ أَن يَغفرَ اللهُ لي"، فَرجَعَ إلى ‌مِسطحٍ بالنَّفقةِ التي كَانَ يُنفقُ عَليهِ، وقَالَ: "واللهِ لا أَنزعُهَا مِنهُ أَبدًا"، وهَكَذا يَكونُ عَفو الأكابِرِ، مَنْ كَانَ يَرجو اللهَ واليَومَ الآخِرَ.

إِذا شِئتَ أن تُدعى كَريمًا مكرَّمًا*

                      أديبًا ظَريفًا عَاقلًا مَاجِدًا حُرَّا

إِذا ما أتتْ من صَاحبٍ لك زَلَّةٌ*

                       فَكُنْ أَنتَ مُحتالًا لِزلَّتِهِ عُذرا

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فيقولُ ابنُ القيمِ-رَحمَهُ اللهُ-: "يا ابنَ ادمَ، إن بينَك وبينَ اللهِ خطايا وذنوبٌ لا يعلمُها إلا هو، وإنك تحبُ أن يغفرَها اللهُ لك، فإذا أحببتَ أن يغفرَها لك فاغفرْ أنت لعبادِه، وأن أحببتَ أن يعفوَها عنك، فاعفُ أنت عن عبادِه، فإنما الجزاءُ من جنسِ العملِ، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقمُ هنا ينتقمُ هناك، تطالبُ بالحقِ هنا يطالبُ بالحقِ هناك، فَانظُرْ كَيفَ تُريدُ أن يَكونَ اللهُ مَعَكَ يومَ القِيامةِ، فَكُنْ أَنتَ اليَومَ مَعَ عِبادِهِ في الدُّنيا".

إخواني: هَذا الشَّهرُ يَنبغي أَن يَجمعَ شَملَنا، ويَلُّمَ شَتَاتَنا، ويَصِلَ قَاطعَنا، ويُصلحَ هَاجِرَنا، هَذا الشَّهرُ هُو شَهرُ العَفوِ والتَّصَافحِ، وهُو شَهرُ التَّراحمِ والتَّسَامحِ، هَذا الشَّهرُ هُو شَهرُ السَّلامِ والتَّزاورِ، وهُو شَهرُ تَركِ التَّجَافي والتَّكبرِ، فَمَاذا نَنتَظرُ؟! لا صَلاةَ تُرفعُ، ولا دُعاءَ يُسمعُ، ولا عَملَ عَلى اللهِ يُعرضُ، وَيَقولُ اللهُ لـملائكتِهِ: "أَنْظِروا-أَخِّروا-هَذينِ حَتَى يَصطَلحا"، حَتَى لَو كُنتَ مَظلومًا صِلْ، فَاللهُ أَكرمُ وأَوصلُ، وابتغِ وجهَ رَبِّكَ فَاللهُ أَعَلَى وأَجلُّ، فَدُنيا تَخاصمتُم عَليها هِيَ أَحقرُ وَأَقَلُّ، فَكَفى صُدودًا وهِجراناً، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، وتَذكروا أَنَّ عِندَ اللهِ المُلتقى، فِي جَنَّةٍ هِيَ أَطيبُ وأغلى.

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللهمَّ إنَّكَ أَنزلتَ في كِتابِكَ العَفوَ، وأَمرتَنا أن نَعفوَ عمّن ظلمَنا، وقد ظلمْنا أنفسَنا، فاعفُ عنَّا، فإنّك أَولى بِذلكَ مِنَّا، وأَمرتَنا ألَّا نردَّ سَائلاً عن أبوابِنا، وقد جئناكَ سَائلينَ فَلا تَردَّنا، وأَمرتَنا بالإحسانِ إلى مَا مَلكتْ أيـمانُنا، ونحن أرقّاؤُك وعبيدُك، فأعتقْنا والمسلمينَ من النارِ، في هذا الشهرِ المباركِ، اللهم مُنَّ علينا بعفوِك، وأكرمنا بـِـمَغْفِرَتِكَ، وتبْ علينا إنكَ أَنتَ التوابُ الرحيمُ، اللهم اغفرْ لنا ما قدمْنا وما أخرْنا، وما أسررْنا وما أعلنّا، وما أسرفْنا وما أنت أعلمُ به منا، أنت المقدمُ وأنت المؤخرُ لا إله إلا أنت، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكها أنتَ خيرُ من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهمِ إني أسالكَ لي وللـمُسْلمينَ: اللهم إِنَّا نَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ حولِنا وقُوَّتِنا إلى حولِكَ وقُوَّتِك، رَبِّ أَعِنِّا وَلَا تُعِنْ عَلينا، وَامْكُرْ لنا وَلَا تَـمْكُرْ عَلينا، وَانْصُرْنا وَلَا تَنْصُرْ عَلينا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلينا، وخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِنا، وَاهْدِنا وَيَسِّرْ الهُدَى إِلَينا، رَبِّ اجْعَلْنا لَكَ شَكَّارِينَ ذَكَّارِينَ رَهَّابِينَ مِطْواعِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتينَ أَوَاهينَ مُنِيبينَ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَسَدِّدْ ألسنَتَنا، وَاهْدِ قَلْوبَنا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْوبِنا".

اللهم أصلحْ لنا ديننَا ودنيانا وآخرتَنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لنا منْ كلِّ شرٍ.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.

المرفقات

1679568556_شهر العفو-2-9-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1679568556_شهر العفو-2-9-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 845 | التعليقات 0