شهر التكافل 12/9

علي القرني
1437/09/10 - 2016/06/15 22:17PM
قد رحم البشريَّة بإرسال الرسل، وشَرع لها الشرائع التي تدلها على التوحيد والإيمان، وتُهَذِّب فيها السلُوك والوجدان، وتزرع فيها الرحمةَ والرأفةَ بالعِباد؛ فبرحْمَة الله - تعالى - يتراحَمُون؛ وبها يَتَواصلُون ويتعاطفُون، ويَرِق قويُّهم لضعيفِهم، ويُعِين قادرُهم عاجزَهم، ويَحْنو كبيرُهم على صغيرهم إنك ترى مظاهر ذلك في رمضان أينما يَمَّمْتَ وجهك في بلد من بُلدان المسلمين، أو أي بقعة فيها مسلمون يصومون لله - تعالى - ويُصَلُّون. ترى كَثْرة المتصدقِينَ، وتُشاهد مَوائدَ لإفطار الصائمينَ، وتَلْحَظ المواساة بين الناس. وهذا مقصدٌ عظيم من مقاصد الصوم، ومعنًى أراده الشارع الحكيم؛ ليُهَذِّب الأخلاق، ويسْمُوَ بنفوس الصائمِينَ؛ كما سئل أحد السلف: "لِمَ شُرع الصيام؟" قال: "ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع إن الصيام طريقٌ إلى المُواساة، ومسلك من مسالك الإحسان. ومن حَقَّقَ الصيام الشرعي الذي أمره الله - تعالى - به، واجتنبَ ما يُخِلّ به من قول الفُحْش أو سماعه، أو النظر إلى الحرام أو فعله؛ فهو حَرِيّ أن يُواسي إخوانه، ويُحسن إلى الناس. قدوته في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان الإحسانُ إلى الناس ومواساتُهم خُلُقًا من أخلاقه - عليه السلام - كما قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "إنا واللهِ قد صَحِبْنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر والحَضَر، يعود مَرْضانا، ويتبع جنائزنا، ويَغْزُو معنا، ويُواسينا بالقليل والكثير، "؛ رواه أحمد
واشتهى أحد الصالحين طعامًا وكان صائمًا، فَوُضِع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلاً يقول: "من يُقرض الْمَلِيّ الوفِيّ الغني"، فقال: "عبده المعدم من الحسنات؛ فقام فأخذ الصَّحْفَة فخرج بها إليه، وبات طَاويًا".
وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - فدفع إليه رغيفَيْنِ كان يعدهما لفطره، ثم طوى، وأصبح صائمًا إنَّ رمضان شهر المُواساة؛ فالشبعان من المسلمينَ يصوم ويجوع؛ ليُواسي إخوانه الجَوْعَى، ويُقَاسِمهم طعامه؛ ولربما لو لم يَصُمْ ولم يصبه الجوع ما تذكرهم. وصاحب الثراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمُحْتاجِينَ؛ فيَدْفَع لهم زكاته، ويتصدق عليهم من فضول أمواله. أيها الصائم: اذكر حين تجتمع مع أهلك عند الإفطار على أشهى الموائد ؛ اذكر في تلك اللحظات جَوْع الجائعين، ولوعة المُلْتَاعينَ، وعبرات البائسينَ، تذكر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المؤمنُ الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه))؛ رواه البخاري إذا ما اقتربتِ الشمس من مغيبها، وتهيأَتِ الأسرة لإفطارها، هل تتذكر – أخي الصائم – إخوانًا لك بالشام شَرَّدَتْهُم قُوَى الظلم والطغيان فهم في العَراء، لا بُيوتَ تُأويهم ، ولا لباس يَقِيهم ، يبيتون بلا طعام، ولا سحور، ويفطرون على ماء، يطلبون الجمعيات رغيف الخبز، فلا تدفع إليهم الجمعيات التنصيرية التي حضرت إلا بعد مُساومتهم على دينهم، وعلى صلاتهم، وصومهم!! إنهم إخوانٌ لك قد شهدوا شهادة الحق، وصدقوا المرسلين، كان ثباتُهم على دينهم، ومطالبتهم بحقوقهم سببًا في تشريدهم من ديارِهم، وحشْرِهم في مَلاجِئ تفتقد ضروريات الحياة، فهلاَّ شعرت بهم وأنت تتهيأُ لإفطارك، واقتصدتَ في مائدتك، ودفعتَ إليهم حق الله - تعالى - عليك، وحق أُخُوَّتِهم لك، ورفعت أَكُفَّ الضراعة بالدعاء لهم؟! فإن كنت في كل ليلة تفرح بفطرك، فإن تلك الفرحة قد نسوها مُذْ شُرِّدُوا من أوطانهم، بسبب ضعف المُوَاساة بين الناس، وعدم اتصال الأغنياء بالفقراء، والأيتام وتَلَمُّس حاجاتهم؛ صار الأغنياء يحتارون أين يضعون صدقاتهم؟، ولمن يدفعون زكواتهم؟! فظهر لهم في طُرقاتهم ومساجدهم، وأسواقهم، ووظائفهم تُجَّار يتاجرون بالسؤال، ويتقمَّصُون شخصيات الفُقراء وأصحاب العاهات، وكثير منهم ليس بمحتاج؛ ولكنه يسأل الناس تكثُّرًا، والمحتاج منهم حقًّا لا خوف عليه؛ لأنه سيجد من الناس من يُعطيه؛ ولكن الخوف على أُسَر منعها التَّعَفُّفُ والكرامةُ أن تُخْرِج نساءها وأطفالها يسألون الناسَ؛ فباتوا طاوِين جائعِينَ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس، تردُّه التمْرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس))، هذا هو المسكين على الحقيقة، وهو الذي نصَّ عليه الحديث، وهو الذي خشي عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورغب أمته في إيصال الخير والإحسان إليه؛ لأنه عفيف متعفف، ولم يرق ماء وجهه في السؤال والطواف على الناس، بخلاف الذي تردُّه التمرة والتمرتان، فهذا قد أراق ماء وجهه، ورفع عن وجْهه جلباب الحياء، فمِثْل هذا لا يخاف عليه، بل ربما قد لا يقنعه شبعة بطن حتى يسأل الناس تكثُّرًا - نسأل الله العافية. وهو الواقع اليوم مِنْ كثيرٍ منَ الناس، ثُم إنه لَمَّا كان لإطعام المساكين والتِماس ثواب الله بالإحسان إليهم موقعٌ من الإسلام كبير، وله تأثير في الأعمال في الدار الآخرة، حكى الله تعالى عن أهل النار في جوابهم لأهل الجنة عندما دار السؤال بينهم في الأسباب التي أوجبتْ لهم دخول النار قالوا: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ فكن القلب الحنون على المساكين وواسهم واعلم أن نبيك نبي الرحمة يزور العجوز فيسألها عن حالها، ويمسكه الأعرابي في الطريق فيوقفه حتى ينتهي من حاجته، ويحمل الأطفال ويُداعبهم، كان الفقير والمسكين والضعيف يأخذ بيديه صلى الله عليه وسلم، فينطلق به حيث شاء، فزكاه ربه بتاجِ من الوقار والمديح والثناء لا يعدله شيء ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" ، وأحسبه قال : "كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر".. وكانَ النبيُّ يُعلِّمُ أصحابَهُ أنَّ المالَ والوجاهةَ الاجتماعيةَ والمناصبَ المرموقةَ لا تُضفي على الإنسانِ فضلًا لا يستحقُّه، وأنْ الفقرَ وقلةَ المالِ والجاهِ لا يسلبُ الإنسانَ شرفا يستحقُّه إن القلوب القاسية، ترفض هذا السلوك وتسميه تنازلاُ وتدميراً وبعضهم يزعم أنه إذا زار الفقراء أو وقف مع المساكين، سقطت هيبته، وانهار كبرياؤه، ولذلك تجده يضيف على نفسه هالَة من الكبر والغلظة، فيمقته الله، ويُسقِطه من العيون، فلا تحبه القلوب، ولا تدعو له الألسنة، ولا تعشقه الأرواح، ولا يجد قبولَاً في الأرض، بل بغضاً ومَقتاً وكرهاً . يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ متكبر رواه الترمذي . وروى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قمتُ على باب الجنة فكان عامَّة مَن دَخَلها المساكين وأصحاب الجدِّ محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أُمِر بهم إلى النار، وقمتُ على باب النار فإذا عامة مَنْ دخلها النِّساء.) أقول قولي هذا ...



الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على نبيه الداعي إلى رضوانه : معاشر الصائمون، عندما وصف الله -سبحانه وتعالى- عُبَّاده بقيام الليل، والتضرع بين يديه، وصَفَهم بعد ذلك مباشرة بالجود والكرم والإنفاق، فقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( فالذي لا ينفق أمواله في أبواب الخير ولا منافع العباد مِن حوله حسب قدراته وطاقته فقد حرم نفسه الخير العظيم وإنّ شكر نعمة المال لا يكون إلا بالإنفاق والبذل والعطاء فيا مَن يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه، وأراد المنزلة العالية عنده والفضل الكبير، ، فلْيكرم اليتيم، وليحسن إليه، وليُدخل السرور والفرَح عليه، وليفعل معه الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ احتسابًا لما عنْد الله، وثقة بوعْده تعالى الذي رتَّبه على الإحسان إليه ، كثير من الأيتام في رمضان لم يجدوا من يحن عليهم جلسوا على موائد الإفطار ولكن بدون أب أو أم قلوبهم مشتاقه لوالديهم ؛ الأيتام لهم حقٌّ كبير على المسلمين، ، فمَن أحَب أنْ يدوم الله له على ما يحب، ويندفع عنه ما يكره في نفسه وولده وماله، فليُدم الإحسان إلى الأيتام والأرامل والمساكين، وقد ورد في حديث صحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مسح رأس يتيم فله بكل شعرة تمرّ عليها يده حسنة))، فما أعظم هذا الثوابَ العظيم! وما أهون مؤنته! وفي البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى . وأي منزلةٍ أفضل من ذلك ؟ ، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له : " أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم ، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك" . أخرجه الطبراني وصححه الألباني، فيا إخوة الإسلام، مَن أراد النَّجاة من النار، وعُلُو المنْزلة في الدار الآخرة، فليدخل على الله من باب الشفقة والإحسان على الضعفاء والمساكين، والأرامل والأيتام، وذوي الحاجات، وليحسن إليهم بما يستطيعه، فإنَّ الله تعالى قريبٌ من المنكسرة قلوبهم، . هذا وصلوا على نبيكم فقد أمرنا الله بذلك في كتابه..

المشاهدات 1570 | التعليقات 0