شهادة امرأة مستشرقة ألمانية .. ونصحيتها للمسلمين والعالم

شهادة ( امرأة ) ألمانية


د . محمد عمارة

للمستشرقة الألمانية الدكتورة " سيجريد هونكة " كلام عن التحرير الإسلامي للمرأة ، والمعاني السامية والعميقة للحب بين المرأة وزوجها والطاعة المحبوبة النابعة من هذا الحب ــ يا ليت بناتنا ونسائنا يتأملنه ــ ويعدن قراءته ليدركن العظمة التي تفرَّد بها الإسلام في هذا الميدان .. ميدان التحرير الحقيقي للمرآة المسلمة .. تقول " سيجريد هونكة " :

إن الرجل والمرأة في الإسلام يتمتعان بالحقوق نفسها من حيث النوعية إن لم تكن تلك الحقوق هي ذاتها في كل المجالات ــ في الحياة الزوجية التي يهتم القرآن بها اهتماماً رئيسياً تنظر المرأة إلى زوجها نظرة العارفة بقوامته عليها وذلك أن كبريائها يأبى عليها الإمتثال والولاء والطاعة إلا لمن ترفع إليه بصرها إعجاباً وتقديراً ، فالعلاقة بينهما تخضع للامتثال القائم على الثقة والخضوع والولاء ولا تعني تلك الطاعة عبئاً ينوء المرء تحته مُعَانياً ، بل إن المرء يتمتع بخضوعه هنا دون الحط من قدره ، بل إنه ليبلغ بخضوعه أسمى الدرجات سواء في عبوديته لله أو في حبِّه مَنْ يُحِب .. وهذا هو الذي عبر عنه ابن حزم الأندلسي { 384 ـ 456هـ 994 ـ 1064م } في كتابة " طوق الحمامة " حيث يقول : " ومن عجب ما يقع في الحب من طاعة المُحِب لمحبوبه … ولقد وطئت بساط الخلفاء وشاهدت محاضر الملوك فما رأيت هيبة تعدل هيبة المُحِب لمحبوبه وهذا مكان تتقاصر دونه الصفات وتتلكن بتحديده الألسنة … " !

" لذلك فعلى المرآة العربية أن تتحرر من النفوذ الأجنبي ، وإذا أرادت طي صفحة الماضي ــ فلا ينبغي أن تتخذ المرأة الأوروبية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها أو أن تهتدي بفكر عقائدي مهما كان مصدره ، لأن في ذلك تمكيناً جديداً للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها لمقومات شخصيتها ، وإنما عليها أن تتمسك بهدى الإسلام الأصيل وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح اللاتي عشن منطلقات من قانون الفطرة التي فطرن عليها وأن تلتمس العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها ، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية ، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أم جيل الغد العربي الذي يجب أن ينشأ عصامياً يعتمد على نفسه " .

وبعد هذه العبارات العميقة التي حوت دروسا نفيسة وأفكاراً عالية في فهم الروح الإسلامي في تحرير المرأة وعلاقتها بالرجل ، عرجت سيجريد هونكة في كتابها " الله ليس كذلك " على المرأة الفلسطينية التي حررها الجهاد في سبيل الوطن .. فقالت : " لقد طبع التحدي الذي واجه الفلسطينيات موقفهن بطابع متميز .. فبينما يعاني آلاف الرجال ذل السجون كان عليهن أن يقمن وحدهن بأعباء الأسرة وتربية الأطفال وتنشئتهن وحماية أنفسهن وأسرهن من الفتك الذريع واغتصاب الزبانية بوحشيتهم السادرة ، وهكذا لم يكن دور الفلسطينيات جديداً فحسب ــ وإنما نشأن وشببن ليتولين أدواراً قيادية في المجتمع ولقد شاركن مشاركة إيجابية في حركة الانتفاضة أو قل : جهاد التحرير على كل المستويات الممكنة .

إن نساء فلسطين العربيات يكتبن بأنفسهن التاريخ اليوم ، وهن اللاتي يحملن مسئولية تقرير المصير في التحول الاجتماعي ، فهن يرأسن المؤتمرات الشعبية وينظمن اللجان والهيئات التعاونية والإنتاجية يوفرن أماكن العمل والوظائف المختلفة ويشغلنها ، وهن فدائيات شهيدات ينتهك الغاصب كرامتهن ويزج بهن في السجون ويمعن في تعذيبهن ، ولا ريب أن الفلسطينيات سوف يسهمن في المستقبل إسهاماً خطيراً في تقرير مصيرهن بأنفسهن ومصير فلسطين وسوف تتحدد حرية جميع الأرض المحتلة في ضوء تحقق المساواة وتحرير المرآة " .

هكذا تحدثت إمرأة ألمانية عن فقه التحرير الإسلامي للمرأة .. وعن دور الجهاد لتحرير الوطن وفي تحرير نساء هذا الوطن ـ على أرض فلسطين .. وهو حديث يمثل قمة من قمم الوعي النسائي .. يستحق التأمل والدراسة .. والتبني والاستلهام .. كما يستحق أن تباهي به المرأة الفلسطينية والمسلمة والشرقية .. فلا يخدعها حديث الصالونات والدكاكين التي يمولها الأجانب لإفساد المرأة والأسرة في وطن العروبة وعالم الإسلام ! .

المشاهدات 2752 | التعليقات 1

نصيحة "هونكة" للعرب وللعالم / د. محمد عمارة

لقد وقعت كثير من بلادنا العربية والإسلامية بعد التحرر من الاستعمار العسكري في شرك الاستعمار التغريبي.. ثم بدأت الصحوة الإسلامية التي تبحث عن الذات والأصول والهوية والجذور، وذلك حتى يكون استقلالنا حضاريًا، وليس ، فقط، مجرد عَلَم ونشيد!..

وعن هذه الحقيقة من حقائق واقعنا العربي والإسلامي، كتبت المستشرقة الألمانية "سيجريد هونكة" تقول: (عندما تحررت البلاد العربية من نير الاستعمار الذي جثم فوقها قرونًا.. وجدت نفسها ـ على اختلافها ـ تواجه متطلبات العصر الحديث .. وأخذت تسلك سبلاً مختلفة كي تشق طريقها إلى العالم الحديث، لتفسح لنفسها مكانًا فيه، والأخذ بأسلوب حياة المستعمرين وحضارتهم الفتية, واحتذاء سيرة السادة وحياتهم الناجحة, وطريقتهم في العيش والتفكير, وعاداتهم وما حققوه من إنجازات مادية ومثل أخلاقية, وهكذا يتأوربون كالأوربيين, ويتأمركون كالأمريكيين, ويتروّسون كالروسيين!..


لكن.. في مواجهة هذا الخطر الجديد, الذي بات يتهدد الاستقلال الداخلي بعد التحرر خارجيًا, تداعت القوي - علي اختلاف تجربتها في المعاناة في ماضيها مع الاستعمار وشدة اغترابها - وأعلنت رفضها أن تكون مجرد تقليد أعمي للمدنية الحديثة الغربية..


إن الأصول والجذور التي ينبغي علي العالم العربي أن يجدها ويتعهدها حتى يشق طريقه إلي الأمام, هي:


1- اللغة العربية: فهي المفتاح الرئيسي إلي عالم الفكر الذاتي للعرب.
2- والدين: بصفته المحور الذي يدور حوله وجود العرب في كل ما يتعلق بأمورهم, ونعني بذلك الإسلام النقي من العناصر غير الإسلامية
, المنفتح على العالم, والذي لا يعارض التطور العقلي..


3- وعودة الوعي, والرجوع إلي الهوية الذاتية, الذي يتطلب: التنقيب عن الماضي الفكري المدفون تحت الأنقاض تمامًا, واستيعاب أسباب نشوئه, واكتماله واكتهاله, ثم تقهقره واندثاره, والخروج بالعبر والدروس اللازمة للانطلاق للمستقبل, فالعرب انطلقوا من قبل أيضًا من البداية, وكانوا آنذاك وسط حضارات تفوقهم, فلم يترددوا في الأخذ عن أولئك الغرباء ما رأوه ضروريًا لبقائهم, دون أن يحاكوا محاكاة عمياء, ثم واصلوا فوقه البناء بطريقتهم الخاصة, وبالوسائل التي أتاحها لهم نبوغهم المميز, وصاحب هذا تطويرهم لأساليبهم النابعة منهم, وهكذا غدوا أكفاء لخلق إبداع فكري جديد, قيّم من الدرجة الأولي, منتمي إليهم.


فالتعلم من الماضي لبناء المستقبل حق مفروض... ورفض غلو التقوقع والانغلاق.. وغلو الانفتاح المطلق بلا قيد ولا شرط, والمؤدي إلي الاغتراب.. هو شرط للنجاة من الانحياز لجبهة واحدة, الأمر الذي يتهدد الحياة..


لقد أعقب المرحلة الأولي التي تلت الاستقلال, والتي اتسمت علي جميع المستويات, باتخاذها الأنماط الغربية أو الأيديولوجية الروسية قدوة لها, انتكاس المسيرة, وسرعان ما تمخض ذلك عن عدم الثقة بكل ما هو غريب دخيل, ورفضه, خاصة ما أتي من "الغرب", وقد ارتبط ذلك بإحياء الإسلام والرجوع إليه.
إن الإسلام هو - ولا شك - أعظم ديانة علي ظهر الأرض سماحة وإنصافًا. نقولها بلا تحيز, ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد, وإذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه, والجهل البحت به, فإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق ـ {الإسلام}- مع ضمان حقه في أن يكون كما هو..)!


هكذا تحدثت المستشرقة الألمانية العالمة "سيجريد هونكة".. عن الاستقلال الذي سقط أهله في شرك التغريب.. وعن الصحوة من هذا المنزلق, والعودة إلي الذات والجذور والأصول, المتمثلة في: اللغة العربية.. والدين الإسلامي.. والوعي بأسباب النهوض العربي الأول.. ومنهاج ذلك النهوض.. والتوازن بين الخصوصيات وبين الصالح, مما لدي الآخرين.. فكانت هذه السطور التي رسمت منهاج النهوض, علي هذا النحو البديع والدقيق.
المصدر: المصريون