شمولية مفهوم الصدقة في الإسلام
الشيخ السيد مراد سلامة
شمولية مفهوم الصدقة في الإسلام
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: فحياكم الله تعالى و بياكم و جمعني الله و إياكم في الدنيا على طاعته و في الأخرة على منابر من نور على يمين الرحمن مع النبي العدنان صلى الله عليه وسلم أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم نقف في هذا اليوم الأغر الميمون مع شمولية مفهوم الصدقة في الإسلامية فكثير من الناس يظن ظنا أن الصدقة مقصورة على بذل المال للفقراء و المساكين و هذا فهم قاصر لمدلول الصدقة و شموليتها فأعيروني القلوب والأسماع لنتعرف على صدقات و عطاءات ارشدنا إليها سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم
أولا تعريف الصدقة: تعريف الصَّدَقة لُغةً: هي ما يُعطى للفقير ونحوه، من مالٍ، أو طعامٍ، أو لباسٍ، على وجه التقرّب إلى الله تعالى، وليس على سبيل المكرُمة. تعريف الصَّدَقة اصطلاحاً: هي العطيّة التي يُبتغى بها الثواب من الله تعالى، فهي إخراج المال تقرُّباً إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن الصدقة في الإسلام لها معنًى واسع من ذلك، فهِي تشمَل كلّ عمل خير يقوم به المسلم والمسلمة. فأبوابها متعددة وطرقها كثيرة فيها لنتعرف على بعض تلك الأبواب أيها الأحباب
ثانيا شمولية مفهوم الصدقة في الإسلامية الإحسان إلى الخلق صدقات وخيرات وأجور مباركات: إخوة الإسلام إن من أبواب الصدقات والخيرات الإحسان إلى الخلق والمسارعة إلى ما ينفعهم في الدين والدنيا. فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ ([1]).
طلاقة الوجه والبشاشة صدقة: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، ([2]) إن التبسم وطلاقة الوجه أول الطريق للقلوب، ونشر المودة والخير والرحمة بين الناس، بما يصبغ المجتمع بالأمان والإخاء والألفة، ومثل هذا المجتمع هو الذي ينشده الإسلام، وله نزلت الشرائع، ولقد كانت هذه الأشياء البسيطة من الإيمان، وكان المؤمن هو القريب من الناس. قال رسول الله r: (الْـمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ. ([3]) (إِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين.. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إنَّ المسلمَيْنِ إذا التقيا، فضحك كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ بيده، تَحَاتَّتْ ذنوبهما كتحات ورق الشجر) ([4]) . وقال أبو جعفر المنصور: (إنْ أحببت أنْ يكثر الثَّناء الجميل عليك من النَّاس بغير نائل، فالْقَهُمْ ببِشْر حسن) ([5]) . أخو البِشْرِ محبوبٌ على حُسْنِ بِشْرِهِ ولن يعدم البغضاءَ منْ كان عابسا وكان نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس تبسُّمًا، وطلاقة وجهٍ في لقاء من يلقاه، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى صارت عنواناً له وعلامةً عليه، وكان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، يعرف ذلك كل من صاحبه وخالطه، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ([6]). وتصف عائشة ـ رضي الله عنها ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول: ( كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكًا بسّامًا ([7]) .
حديث جامع لأبواب الصدقات وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، قَالَ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قَالَ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) متفق عليه.
الإصلاح بين المتخاصمين صدقة ففي هذا الحيث الشريف يوضح لنا النبي صل الله عليه وسلم أبواب الصدقة وقوله: (يعدل بين الإثنين صدقة) أي يصلح بينهما بالعدل، تخيل أخي المسلم عندما تسعى إلى إزالة الشحناء والبغضاء بين المتخاصمين تكتب لك صدقة مقبولة عند الله تعالى أيها الأحباب هذا باب قل من ولجه و قل من سارع إلى الدخول من على باب الأجور فساعوا لان تكون ممن يصلحون بين المتخاصمين﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤) ﴾ [النساء: 114]
إعانة المحتاج كشف كربته صدقة و من الصدقات المقبولة التي لا تكلفك مالا و لا عناء أن تعين أخاك إذا احتاج ذلك منك كما في الحديث { وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ) وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفَّس عن مسلم كربة من كُرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلمٍ ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ([8])
الكلمة الطيبة صدقة: أمة الإسلام: ومن أبواب الصدقات الكلمة الطيبة فالكلمة لها سحر جذاب و لها تأثير قوي عل القلوب و النفوس....... إن الكلمة الطيبة أصل عظيم في التعامل الاجتماعي، وهي التي تحقق المآرب للناس، وتكسب التواد والتراحم، الكلمة الطيبة هي خُلق الإسلام الذي جاء به النبي، عليه الصلاة والسلام، وبعث ليتمم مكارم الأخلاق، و قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» متفق عليه. قال ابن عثيمين رحمه الله: الصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل ([9])
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، وطيِّب الكلام. ففي سنن الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».([10]) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» ([11]).
المشي إلى المساجد، وكل خطوة إلى الصلاة صدقة. معاشر الموحدين: ومن أبواب الأجور والصدقات أيها الأحباب المشي إلى الجمع والجماعات فهي صدقة منك على نفسك بها ترفع درجتك وتقال عثرتك وتمحى خطيئتك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ) فهنيئا لمن واظب على الجمع والجماعات ونقل الخطى إلى بيوت رب الأرض والسماوات. ويا حسرة المفرطين والمضيعين الذين ضيعوا على أنفسهم تلك الصدقات ورضوا أن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾[مريم: 59]
إماطة الأذى عن الطريق صدقة إخوة الإسلام :ومن الصدقات المقبولة التي غفل عنها كثير من المسلمين إماطة الأذى عن الطريق فنرى ونشاهد من يرمي المخلفات في الطرقات، ونرى من يضع الأحجار والحواجز على الطرقات، ونرى من يترك مياه الصرف الصحي مسربة تؤذي المارة .......................... ألا ترجون الأجر والثواب من الكريم الوهاب؟ ارفعوا الأذى عن الطريق يكن صدقة لكم ومن فضل إماطة الأذى عن الطريق رابعًا: إماطة الأذى عن الطريقة صدقة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري ومسلم. عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَرَأَيْتُ مِنَ أَحْسَنِ أَعْمَالِهِمُ الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَرَأَيْتُ مِنَ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمُ النُّخَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ»([12])
صلاة الضحى من أعظم الصدقات ومن الصدقات المجانية: ركعتا الضحى, يوم أن يكون الناس في ذروة انشغالهم بأعمالهم, فيقوم المسلم مقبلاً على ربه، راكعًا بين يديه، فإن ذلك من جلائل الصدقات والقربات, بل إن هاتين الركعتين تجزئ عن صدقات اليوم كله, ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى .([13]) أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ومن أبواب الصدقات أيها الإخوة الأحباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قطب الدين الأعظم، وهو المهمُّ الذي ابتعث الله له النبيئين أجمعين، ولو طُوِيَ بساطُه وأُهْمِل علمُه وعمَلُه، لتعطَّلت النبوة، واضمحلَّت الديانة، وفشَت الضلالة، وعمت الجهالة، واستشرى الفساد، وخَرِبت البلاد اليوم تواجه تيارا عنيفًا من المنكرات من شبهات وشهوات، ثمت باب عظيم للصدقة وهو باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ) فهنيئا لمن حملوا على عواتقهم واجب الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلهم من الصدقة نصيب وافر إن خلصت نواياهم لله تعالى، وليكن لك -أيها المسلم-نصيب من الصدقة في هذا الباب في الأسواق والطرقات والبيوت بالرفق والحكمة ومحبة الخير للناس. نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه.
الخطبة الثانية
إقراض المسلم وإنظاره إذا كان معسرًا: أيها المسلمون عباد الله: ومن أبواب الصدقات التي غابت عنا في الآونة الأخيرة نظار إقراض المعسر فكم من أناس وعقوا في ضاقة مالية واحتاجوا إلى مد يد العون فلم يجدوا إلا أبواب الذئاب البشرية التي تستغل حاجتهم وفاقتهم فيعطونهم المال بالربا ولا يرحمون فقرهم وضعفهم ثم بعد ذلك نراهم خلف القضبان وذلك لعدم قدرتهم على السداد وانتزاع الرحمة من قلوب أرباب الأموال ألا تعلم يا صاحب المال أنك إذا أقرضته فان ذلك صدقة لك ألا تعلم يا صاحب المال أنك متى أنظرته فان ذلك صدقة لك ألا تعلم يا صاحب المال أنك متى وضعت عنه فان ذلك صدقة لك عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ، قَالَ لَهُ: بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ([14]). . قال السبكي: وَزَّعَ أجرَه على الأيام، يكثُر بكثرتها، ويقلُّ بقلَّتِها، فالْمُنْظِرُ ينال كلَّ يوم عِوضًا جديدًا، وسِرُّه ما يُقاسيه المُنْظِر من ألم الصبر مع تشوق القلب لماله فلذلك كان ينال كل يوم عوضا جديدا. وهذا الأجر والعِوض اليومي المماثل والمضاعف لا يقع حال الإبراء من الدَّيْن فأجره — أوفر — إلا أنه ينتهي بنهايته. ولا يعني أن الإنظارُ أفضلُ على الإطلاق من الإبراء. الله أكبر, إذا أنظرت المعسر وأمهلته، يكتب الله لك أجر الصدقة كل يوم بمقدار الدين، هذا قبل حلول موعد السداد، فإذا حل موعد السداد وأمهلته كتب الله لك أجر الصدقة كل يوم بمقدر الدين مرتين . في الصحيحين: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ ([15]) في هذا الحديث: دليل أن المؤمن يلحقه أجر ما يأمر به من أبواب البر والخير، وإن لم يتول ذلك بنفسه. وفضل إنظار المعسر، والوضع عنه إما كل الدين أو بعضه، وفضل المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء سواء عن الموسر والمعسر، ولا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله سبب للسعادة، وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف، وشرع من قبلنا شرع لنا. ولذا قال ابن مسعود: لأن أقرض مرتين أحب إلي من أن أتصدق به مرة. العفو عن المظالم والتصدق بحقك لدى الآخرين في نفس أو مال أو عرض: أيها الأحباب ومن الصدقات المقبولة عند الله أن تعفو عمن ظلمك في نفسك أو مالك أو عرضك عن عُلبةَ بنِ زيدٍ أحدِ بَني حارثةَ رجلٍ مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: اللهمَّ إنِّي تَصدقتُ بِعِرضي على مَن نالَهُ مِن خلقِكَ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أينَ المُتصدقُ بعِرضِهِ البارحةَ؟» فقامَ عُلبةُ فقالَ: يا رسولَ اللهِ أنا، قالَ: «إنَّ اللهَ قدْ قبلَ صدقتَكَ». ([16]) وفي رواية (وَأَمَّا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلَ , فَصَلَّى مِنْ لَيْلَتِهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ وَرَغَّبْتَ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوَّى بِهِ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِكَ مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ، وَإِنِّي أَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بِكُلِّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ , أَوْ جَسَدٍ , أَوْ عِرْضٍ، ثُمَّ أَصْبَحَ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ , فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: ( أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ فَلْيَقُمْ )، فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَبْشِرْ , فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ , لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزَّكَاةِ الْمُتَقَبَّلَةِ([17])
الإنفاق على الأهل من اعظم الصدقات و أوفرها أجرا : عباد الله: وفي زمن غلاء المعيشة وتعدد مطالب الحياة, فإن من أبواب الصدقة التي يغفل عنها الناس: الإنفاق على الأهل والقيام على حوائجهم, فإنه وإن كان من الإنفاق الواجب فهو باب من أبواب الصدقة لمن احتسبه، كما في صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ([18]). قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى. الدعاء ....................................
[1] - متفق عليه، البخاري (5675) باب كل معروف صدقة، مسلم (1005) باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف،
[2] - أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/220، رقم 3377) . وأخرجه أيضاً: البخاري في الأدب المفرد (1/307، رقم 891)
[3] - ) أحمد (5/ 335) والطبراني (5744) وقال الهيثمي (10/ 276) إسناده جيد وصححه الألباني في الصحيحة (426).
[4] - ذكره ابن حمدون في ((التذكرة الحمدونية)) (2/228).
[5] -((عين الأدب والسياسة)) لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل، (ص 154) نقلًا عن كتاب ((سوء الخلق)) لإبراهيم الحمد.
[6] - أخرجه أحمد في المسند 4/ 190، وأخرجه الترمذي في السنن 5/ 601، كتاب المناقب (50)، باب في بشاشة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (10)، الحديث (3642)، واللفظ لهما. أخرجه الترمذي (3641)
[7] - أخرجه ابن عساكر [في تاريخ دمشق (3/ 383) ] .
[8] - رواه أبو داود في ك الأدب، ب: في المعونة للمسلم 4/ 287 رقم 4946، والترمذي في ك البر والصلة، ب: ما جاء في الستر على المسلم 4/ 326 رقم 1930 وقال: هذا حديثٌ حسنٌ، وابن ماجه في ك أبواب السنة، ب: فضل العلماء والحث على طلب العلم 1/ 152 رقم 225، والنسائي في السنن الكبرى ك الرجم، ب: الترغيب في ستر العورة 6/ 466 رقم 7248.
[9] -[شرح رياض الصالحين 1/290].
[10] - أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/116، رقم 312) ، وأحمد (1/404، رقم 3839) ، والترمذي (4/350، رقم 1977) ،
[11] - أخرجه الخرائطى فى مكارم الأخلاق (ص 56، رقم 152، ص 118، رقم 339) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان فى الضعفاء (1/259، ترجمة 256
[12] - أخرجه: مسلم 2/ 77 (553)
[13] - أخرجه مسلم (1/498 رقم 720) والنسائي في الكبرى (5/326 رقم 9028)، وابن خزيمة (2/228، رقم 1225) وأخرجه أيضًا: أحمد (5/167، رقم 21513)
[14] - أحمد (23096)، تعليق شعيب الأرنؤوط " إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان بن بريدة فمن رجال مسلم" تعليق الألباني "صحيح"، الترغيب والترهيب (907). (2) التذكرة (صـ 279).
[15] - أخرجه البخاري في: 34 كتاب البيوع: 18 باب من أنظر معسرًا
[16] - أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان (6/262، رقم 8084) .
[17] -الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (19| 339)، وصححه الألباني في فقه السيرة (405). زاد المعاد في هدي خير العباد (3\ 462).
[18] - أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة رضي اللَّه عنه في الصحيح 2/ 692، كتاب الزكاة (12)، باب فضل النفقة على العيال والمملوك. . . (12)، الحديث (39/ 995).
المرفقات
1623262880_شمولية مفهوم الصدقة في الإسلام.pdf