شكر نعمة الماء
صالح الخليفة
الحمد لله ربِّنا ومولانا، منَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، وكلَّ بلاءٍ حَسَنٍ أبلانا، فله الحمدُ كثيرًا كما يُنعِمُ كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عز وجل، فإن من اتقاه نجا، وجعل له من كل ضيقٍ مخرجا.
أيها المؤمنون: إن نعم الله سبحانه وتعالى علينا لا يحدُّها حد، ولا يحصيها عد، ولا يُستثنى من عمومها أحد، يقول سبحانه وتعالى: (وما بِكُمْ من نعمةٍ فَمِنَ الله)، ويقول عز وجل: (وإن تَعُدُّوا نعمةَ الله لَا تُحْصُوها).
ومن توفيق الله للعبد: أن يكون ذاكرًا لنعم الله تعالى عليه في كل أحيانه وأحواله، فإن تذكُّرَها يقودُ إلى شكرها، (ومن شكرْ فإنما يشكرُ لنفسه، ومن كفرْ فإن ربي غنيٌّ كريم).
ونحن في زمانٍ تيسَّرت فيه وسائلُ الرفاهيةِ لبني الإنسان، بما لم يكن موجودًا فيما مضى من الأزمان، انظروا إلى نعمةِ الكهرباء، ونعمةِ وسائلِ المواصلاتِ المختلفة، ونعمةِ وسائلِ التواصلِ الحديثةِ التي قرَّبت البعيد، وغيرِها من النعم التي أَلِفْناها ونسينا شُكرها.
ومن أجلِّ تلك النعم: نعمةُ الماء، كيف لا والماءُ مصدر الحياة؟ يقول الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
تأملوا يا عباد الله كيف يسَّر الله عز وجل وصولَه إلينا في بيوتنا من غير مشقةٍ ولا كُلْفة، ونحن في بلدٍ صحراويٍّ تَقِلُّ فيه مواردُ المياه، وانظروا كيف يسَّر لنا وسائلَ تبريدِه وتدفئتِه، وانظروا كيف يسَّر لنا وسائلَ تنقيتِه، بل حتى ماءُ البحرِ المالح يسَّر الله لنا تحليتَه والاستفادةَ منه، فالحمد لله كثيرًا كما أنعمَ كثيرًا.
إنه لولا الماء ما كان إنسان، وما عاش حيوان، وما نبت زرعٌ أو شجر، يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وإذا أردتَ أن تعرفَ قدْرَ نعمةِ الماء فتخيَّلْ حالَك إذا فُقِدتْ، كيف تشرب، وكيف تطبخ، بل كيف تقضي حاجتَك وتتطهَّر؟ يقول الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين).
إن الماءَ من النعم التي يُسأل عنها العبدُ يوم القيامة، وهو من النعيم المقصود في قول الله عز وجل: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم)، وقال ﷺ: (إن أولَ ما يُسأل عنه العبدُ يومَ القيامة من النعيم، أن يُقال له: ألم نُصِحَّ لك بدنَك ونُرَوِّكَ من الماء البارد؟).
فالواجبُ علينا شكرُ هذه النعمةِ العظيمة، وشكرُ الله عز وجل عليها لا يقتصرُ على اللسان، بل يتعدَّاه إلى الشكر بالأفعال، وذلك يكون بحسنِ التصرف في الماء، والاقتصادِ والترشيدِ في استعماله، فأيُّ إسرافٍ في استعمال الماء هو كفرٌ لهذه النعمة، وجاء النهيُ عنه صريحًا في قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
وتأمَّلوا هديَ النبي ﷺ، كيف كان معظِّمًا لهذه النعمةِ ومحافظًا عليها، حتى في وُضوئِه واغتسالِه، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يغتسلُ بالصاع إلى خمسةِ أمداد، ويتوضأُ بالمد.
اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدَ الشاكرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة.
ألا فاتقوا الله عز وجل وأطيعوه، واشكروه على نِعَمه ولا تكفروه، فإن شكرَها يزيدُها، كما أن كفرَها يسلبُها ويُبيدُها، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، واحذروا الإسرافَ في استعمال الماء، فالله لا يحب المسرفين، ولنتعاونْ جميعًا في حفظه والاقتصاد في استعماله، ووجِّهوا صغارَكم والخدمَ في بيوتكم إلى هذا الأمر.
ثم صلُّوا وسلِّموا على رسول الله، كما أمركم ربُّكم جلَّ في علاه، فقال جلَّ من قائل: (إن الله وملائكتَه يصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما).
.