شكر ربنا الغفار على الغيث المدرار 1439/06/14

شكر ربنا الغفار على الغيث المدرار[1]
الحمدلله الذي أغاث بلادنا بالأمطار, وعمَّنا بخيره المدرار, وأغنانا بفضله, وأكرمنا بنعمه وعاملَنا برحمته, فخيره إلينا نازل, ونعمه لا نحصيها, ورحمته وسعت كل شيء, نشكره ولا نكفره, ونتوب إليه ونستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, مَنَّ علينا بالإسلام, وجعلنا خير أمة أخرجت للناس, وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبَنا وقدوتنا وإمامَنا الصادقُ الأمينُ محمدُ بن عبدالله خيرُ البرية, صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب, وسلم تسليماً, أمابعد:-
فيا عباد الله: اتقوا الله واستغفروه وعلى نعمه اشكروه, واعلموا أننا فقراء إلى الله, محتاجون إليه, ضعفاءُ لا حول ولا قوة لنا إلا به سبحانه العلي العظيم.
أيها المسلمون: تعلمون ما حلَّ بديارنا من الجدب, وانقطاع الغيث, وتعلمون عِظَمَ حاجتنا وحاجةِ البهائم والأرض إلى الغيث, وهاهو ربُنا الكريم الرحيم سقانا الغيث, وأدرَّ علينا الأمطار فارتوت الأرض وسالت الشعاب والأودية, وفرح بهذا الغيث العميم الصغار والكبار والبهائم والدواب, قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28]. وهذا الغيث إنما نزل برحمة الله وحده وبفضله وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى, بعدما ظن بعض الناس أنَّه لن ينزل لتأخره عليهم, فأنزله الله رحمة بالناس وبالبهائم وبالدواب وبجميع الكائنات, ففرحوا به واستبشروا, أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على الناس بعد أن صلى بهم صلاة الصبح في الحديبية على مطر كان من الليل فقال: (أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟». قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: " قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي)[2] متفق عليه, ومن السنة يا عباد الله أن يقول المسلم بعد نزول المطر: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.
معاشر المسلمين: المؤمن يعلم يقيناً أنَّ نزول المطر ليس لأجل كوكب أو نجم أو نوء من الأنواء, بل هو من عند الله ينزله على من شاء متى شاء, ويمنعه عمَّن شاء متى شاء سبحانه العزيز الحكيم, فالحمدلله حمداً كثيراً, والشكر له بكرة وأصيلا أن أغاثنا برحمته وفضله.
أيها المسلمون: إنَّ الماء حياة للبشر, وحياة للأرض, وحياة للدواب وللبهائم, ومتاعٌ لنا ولأنعامنا, قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24 - 32] وفي نزول المطر البهجة والسرور وانشراح الصدور, يفرح بنزوله من يعرف بركته وأهميته, يَشْرَبُ منه العباد والبهائم والدواب, وترتوي منه الأرض, وتجري فوقها الأنهار, وترتفع نسبة المياه في الآبار, وتهتزُّ الأرضُ وتربو, وتُنبتُ أنواع النباتات والأشجار, مما فيه النفع للبشر والدواب, قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] وقال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27]
أيها المسلمون: إنَّ في إنزال المطر دليل كبير على عظمة الله سبحانه وتعالى, فالله جلَّ وعلا عظيمٌ في عطائه, عظيمٌ في منعه, عظيمٌ في إحيائه لمخلوقاته, عظيمٌ في إماتته لهم, عظيم في إحيائه لهم بعد الموت, لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وفي إنزال الأمطار حياة الأرض بالنبات بعد أن كانت صحراء لا نبات فيها, دليل على قدرة إحيائه لعباده بعد الموت, قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57]
أيها المسلمون: إنَّ في إنزال الأمطار عِبَرٌ وآياتٌ لمن تدبَّر وتفكَّرَ في عظيم قدرة الله عزوجل, فالله تعالى في عظمته وكبريائه, خلقنا من العدم, وجعل لنا الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لنا, قال تعالى آمراً عباده أن يعبدوه وحده: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22] اللهم اجعل فيما أنزلته علينا من الغيث بركة لنا ومتاعاً إلى حين.
معاشر المسلمين: من السنة عند رؤية المطر أن يقول المسلم: اللهم صيِّباً نافعاً, اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا)[3] أخرجه البخاري. ومن السنة أثناء نزول المطر الدعاء, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ- أو: قَلَّما تُرَدّان: الدعاءُ عند النداءِ، وعند البأس؛ حين يُلْحِمُ بعضهم بعضاً, زاد في رواية: وَوَقْتَ المطر)[4] أخرجه أبو داود وحسنه الألباني. ومن السنة عند نزول المطر أن يكشف المرء شيئاً من بدنه ليصيب جسده المطر, قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى»[5] أخرجه مسلم. قال النووي رحمه الله: (يُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَطَرِ أَنْ يَكْشِفَ غَيرَ عورَتهِ لِيَنَالَهُ الْمَطَرُ)[6].
معاشر المسلمين: إنَّ من كمال الإيمان فعل السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا علم المرء سنة فعليه أن يطبقها ويعمل بها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
 
 الثانية (شكر ربنا الغفار على الغيث المدرار)
الحمدلله العلي العظيم, القدوس السلام, الذي هدانا للإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وأطيعوا الله وتوبوا إليه واستغفروه, وعلى نعمه اشكروه, واسألوا الله المزيد من الأمطار والغيث النافع المدرار فإنَّ الله غني كريم قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
معاشر المسلمين: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك وجندك وأولياءك وعبادك الصالحين اللهم عليك بالروس والمجوس والنظام النصيري في سوريا والنظام الإيراني والصهاينة ومن عاونهم اللهم زلزلهم ومزقهم وصب عليهم عذابك وأليم عقابك, اللهم خالف بين قلوبهم واهزمهم بقوتك اللهم إنهم أكثروا في الأرض الفساد وبغوا وطغوا وتجبَّروا وعتو فصبَّ عليهم سوطاً من عذاب, اللهم فرقهم واجعل بأسهم بينهم وامكر بهم يا قوي يا عزيز, اللهم إنَّ بأهلنا المستضعفين في الغوطة من البلاء وتسلط الأعداء ما أنت أعلم به منا اللهم انصرهم واحفظهم وثبت أقدامهم واكشف غمتهم واحقن دماءهم وكن لهم وليا ونصيرا ومؤيدا ومعينا.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا وجنود التحالف العربي في اليمن ثبت أقدامهم وسدد رميهم وصوِّب آراءهم, اللهم عليك بالحوثيين ومن عاونهم مزقهم وزلزلهم واجعل بأسهم بينهم واهزمهم بقوتك يا قوي يا عزيز.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا غيثا مغيثا هنيئا مرئيا سحا طبقا مجللا عاما نافعا غير ضار.......
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]
معاشر المسلمين: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
[1] تم إعدادها يوم الأربعاء 12/06/1439هـ, خطبة الجمعة 14/06/1439هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
[2] أخرجه البخاري في كتاب المغازي, باب غزوة الحديبية برقم (4147) ومسلم في كتاب الإيمان, باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء برقم (71).
[3] أخرجه البخاري في أبواب الاستسقاء, باب ما يقال إذا مطرت برقم (1023).
[4] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد, باب الدعاء عند اللقاء برقم (2540) والحاكم في كتاب الجهاد برقم (2534) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الذهبي. وكذلك حسنه الألباني في الصحيحة برقم (1469) وفي صحيح أبي داود برقم (2290).
[5] أخرجه مسلم في كتاب صلاة الاستسقاء, باب الدعاء في الاستسقاء برقم (898).
[6] شرح النووي على مسلم (6/ 196).
المرفقات

ربنا-الغفار-على-الغيث-المدرار

ربنا-الغفار-على-الغيث-المدرار

المشاهدات 2356 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


وإياك


.