شكر النعم

إبراهيم بن سلطان العريفان
1437/03/21 - 2016/01/01 08:13AM
الحمد لله ربِّ العالمين، أحمده سبحانه وتعالى حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسبغ نعمه ظاهرةً وباطنةً على الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من شكر على النعماء، وصبر على البلاء، حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، والصحابة الصفوة المتقين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... اعلموا أن تقوى الله سبحانه وتعالى هي: شُكْره على نعمه الظاهرة والباطنة، وأن شُكْر هذه النِّعم من مُقوِّمات الأمن والاستقرار، وسبب لرضا الله وحصول الأرزاق وتوافُرها، وشُكْر النعم يَضمن بقاءها وزيادتها، وسلامة من عذاب الله الشديد ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) فكُفْر النِّعم سبب لزوالها، وتبدُّلها بالجوع، وسبب لاختلال الأمن والاضطراب بعد الاطمئنان، وسبب لانقطاعها بعد توارُدها من كل مكان، وسبب للقحط والجدب بعد الخِصْب والرَّغد ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ).
ولقد هيَّأ الله - جل وعلا - لسبأ من الجنات والبساتين والأرزاق والأمن في الأسفار ليلاً ونهارًا، أينما التفتوا ونظروا سُرَّت أعينهم وطابت أنفسهم، ولكنهم أُمِروا بشكرها فكفروها، وأُمِروا بالحِفاظ على بلدتهم الطيبة فلم يَمتثِلوا، وعرَض عليهم ربُّهم مغفرتَه إذا تابوا وأنابوا وشكروا، فأعرضوا ونفروا، فبُدِّلوا ببساتينهم أشجارًا لا تنفعهم، ليس فيها ثمر ولا مطمع، فأحلَّ بهم نقمتَه، وسلبهم نعمته، كما قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) وقد أمنوا في أسفارهم وتَقارَبوا من شدة الأمن؛ حتى إنهم كفروا هذه النعمة، وطلبوا بُعْد السفر وظلموا أنفسهم بسبب صنيعهم، فصاروا أحاديث ومُزِّقوا شرَّ مُمزَّق، وصدَّق عليهم إبليس ظنَّه ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )
فاتقوا الله أيها المسلمون، واشكروا نِعَم الله عليكم، فإن الكُفْران بالنعم سبب للعقوبات وحلول المَثُلات، وعقوبات الله تعالى قد تكون عاجلة في الدنيا، وقد تؤجَّل إلى الآخرة ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ * قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ )
فأي مسلم يريد أن يضل عن سبيل الله؟! أي مسلم يريد أن يُبدِّل نعمة الله كفرًا؟! أي مسلم يريد أن يكون سببًا للبَوار على قومه ومجتمعه؟! كل هذا ليس من شأن المسلم، بل من شأنه: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاء، ومراقبة الله في السرِّ والعَلَن، والحذر من الوقوف بين يديه، ومن يوم العَرْض عليه، في ذلكم اليوم الذي لا خُلَّة فيه ولا شفاعة .
عباد الله ... نِعَم الله تعالى لا تُعَد ولا تُحصى، منها ما يُرى في الظاهر، ومنها ما هو خفي ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) وحقيقة شُكْر النِّعم هو: الثناء على المُحسِن بما أَولاه من المعروف.
ولا يتم الشكر إلا بتواطؤ القلب مع اللسان اعتقادًا ونُطقًا، وصرفها في طاعة الله تعالى، فمَن صرفها في معصية الله تعالى، واعتقد أنها من عند غير الله تعالى، أو أضافها إلى غير الله بمقاله، فإنه لم يكن شاكرًا، بل كافرًا لنِعَم الله تعالى ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) وأكثر الخَلْق على هذا الوصف الذميم.
فاحذر أن تكون من أهل هذا الوصف، وكن دائمًا من عباد الله الشاكرين ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) فما نحن فيه اليوم من النِّعم الكثيرة، والتي أجلها نعمة الإسلام، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان - تَستوجِب تثبيتها والحفاظ عليها؛ ولا يكون ذلك إلا إذا قوبلت بالشكر، وعُرِف حق مُسديها، فإن قابلْناها بالبَطَر، سلبها منا، وحلَّ بنا ما حَلَّ بمن قبلنا ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) كما لا ننسى ولا يَعزُب عن أذهاننا أن حصولَ النِّعم في بعض المجتمعات ولبعض الأفراد مع التلبس بمعاصي الله تعالى قد يكون استدراجًا من الله تعالى لهذا المجتمع ولهذا الفرد، فيكون مآله إلى الهلاك والدمار؛ قال تعالى ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ *فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فداوِموا أيها المسلمون على شُكْر نِعَم الله تعالى عليكم، واحذروا المعاصي؛ فإنها الهلاك وسبب لزوال النِّعم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين ... إنَّ الشكر نصف الإيمان، والصبر نصفه الثاني، وإن المؤمن يعيش شاكرًا لأنعم الله، ويحيا صابرًا على أقدار الله؛ حيث يبدأ يومه مُقِرًّا بنعم الله عليه، ومُعْترفًا بفضله الذي أسداه إليه بقوله ( اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ، أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر ) ويختم يومه بذلك
وليكن متقررا عندنا ... أن الله يبتلي عباده بالخير والشر فتنة وبالسراء والضراء، والأيام دول، ودوام الحال من المحال، والمؤمن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وكل أمره له خير.
تذكروا أيها المسلمون دائمًا وأبدًا قول الله تعالى ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) فانتبهوا رحمكم الله وأعدوا جوابًا مناسبًا لهذا السؤال فإنكم لابد مسؤولون عن هذه النعم التي خولكم الله فيها وهل استعملتموها فيما يريد وفيما يرضيه عنكم أو كفرتم بها وصرفتموها في معصيته واستوجبتم عذابه الشديد الذي توعد به من كفر نعمته.
اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علي، ونبوء لك بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، حُكَّامًا ومحكومين يا ربَّ العالمين، اللهم اشف مرضانا ومرضاهم، واغفر لموتانا وموتاهم، وألِّف بين قلوبهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيهامعادنا،واجعل الدنيا زيادةً لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا ربالعالمين.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهمآت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها، اللهم حبِّب إليناالإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا منالراشدين.
اللهم وأمِّنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
المشاهدات 1264 | التعليقات 0