شعيرة التكبير، وفضيلة العشر       1 /12/ 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/11/29 - 2024/06/06 14:23PM

الخطبة الأولى / شعيرة التكبير، وفضيلة العشر          1 /12/ 1445هـ

الحمد للهِ الكريمِ الحليمِ، هو الأوَّلُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد: فاتقُوا اللهَ أيها المؤمنون (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

الله أكبر ما أجل معناها وما أعظم ثوابها  وما أقوى أثرها ..

قال ابْنِ عُمَرَرضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟» قَالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ» أخرجه مسلم..

الله أكبر كبيرًا جلالٌ للهٍ وإجلالٌ لجنابه، وعلوٌ لله وسموٌ لصفاته {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}

الله أكبر تحيا القلوب بتردادها وتستعذب الآذان بسماعها ..

اللهُ أَكبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا   ***   كَأَنَّهُ الرِّيُّ فِي الأَرْوَاحِ يُحْيِيْهَا

الله اكبر تتفكر الأفئدة بمعناها حين تُقهر ، وترددها الألسن حين تذل النفوس وتجبر ..

             الله أكبر كل هم ينجلي   **   عن قلبٍ كلٍ مكبرٍ ومهلل

  تكبير الله يدوي كل الآفاق، ويخترق جميع الأقطار، يعلن أن الله هو الكبير المتعال..

     وما أتت بقعة إلا سمعت بها  **   الله أكبر تسعى في نواحيها

سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا يرعى غنما يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «عَلَى الْفِطْرَةِ» أخرجه مسلم.  فطرت الله التي فطر الناس عليها

إذا عُظم المخلوق وكثر اطرائه، فاذكر الله وكبر اسمائه ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)

تكبير الله اشعار بعظمة الله وكبريائه، وأنه أكبر من كل شي، وأعظم من كل شي، وأقدر على كل شي. (إنه على كل شي قدير)

أكبر من تسلط الظالمين،  وطغيان المعتدين (وهو العلي الكبير)

إذا زمجر الباطل وعلا صياحه، فكبر الله ، يخبوا صهيله وتتهاوى حصونه .. حاصر النبي r خيبر فلما امتنعت حصونها قال: «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ» متفق عليه.

إذا علوت مرتفعا  فكبر الله تذكيراً بعظمة الله وعلوه .. قال ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما عَلَا شَرَفًا مِنَ الْأَرْضِ أَوْ أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ: كَبَّرَ ثَلاَثًا . متفق عليه.

تكبير الله قرين التسمية عند التذكية ، يقال عند الجمرات وفي صعيد عرفات،  ويذكر عند محاذاة الحجر وعند إرادة السفر،  يقال أدبار الصلوات وفي الأيام المعلومات، يقال عند الرقاد ويُشرع ليالي الأعياد..

 قال ابن تيمية رحمه الله : "التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة ".

         الله أكبر ما أعلى أياديه   **    تبارك الله تمت نعمة الله

"الله أكبر " مع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، هن الباقيات الصالحات، (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).

تكبير اللهِ وذكرهِ لا يعذر بتركه أحد ، شعارُ هذه الأيَّام (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: هي أيَّام العشر.

وفي صحيح البخاري أن أبا هريرة وابن عمر كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهم ، وكان عمر ابن الخطاب يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا .

وكان ابن عمر يكبر بمنى خلف الصلوات وعلى فراشة وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا . أخرجه البخاري .

ويستحب رفع الصوت بالتكبير ، قال مجاهدٌ لرجلٍ يكبر أفلا رفعت صوتك ؟، فلقد أدركتهم وإن الرجل ليكبر بالمسجد ، فيرتج بها أهل المسجد ، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي ، حتى يبلغ الأبطح ، فيرتج بها أهل الأبطح ،

وكلام الله أفضل الذكر ، وإذا رأيتَ من نفسك إقبالاً ، فزِدْ فيها أعمالاً.

     إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا   **    فَإِنَّ لِكُلِّ عَاصِفَةٍ سُكُون

     وَلاَ تَغْفُلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا **   فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُون

حج عمر بن الخطاب فنظر إلى الناس يتسابقون يوم عرفة مع الغروب إلى مزدلفة وهو يدعو ويتضرع ويقول: لا والله ليس السابق اليوم من سبق جواده وبعيره، إن السابق اليوم من غفر له.

ومن لم يتسنى له اللحاق مع ركب الحجاج فإن الله جل جلاله جوادُ كريم، وعطاءه جزيل، وكرمه عميم، قد هيئ أيامًا عشرًا عظامًا ، وأجوراً جساما  هي أيام عشر ذي الحجة، ينال المتعبد فيها والساعي في وجوه الخير أجرًا عظيمًا وفوزًا كبيرًا قال من لا ينطق عن الهوى «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ العشر» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» أخرجه البخاري.

وأبواب الخير وطرق البر لا حصر لها ، وأبواب الجنة مشرعة لكل مؤمن يفعل الخير ويرجوا ثوابه ( دخلت بغي الجنة بشربة ماء سقتها كلب، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتقلب في الجنة بغصن شوك أزاحه عن طريق المسلمين ) هذا بمن أزاح غصن شوك فكيف بمن يزيح أذى الدين ، وسيئ الأخلاق عن المسلمين بالاحتساب والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

التَحَابُ فِي اللهِ وَالتَّزَاوُرُ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَجَزَاؤُه: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً"

البَشَاشَةُ لِلنَّاسِ، حَسَنَاتٌ دَارَّاتٌ لِأَهْلِهَا،: "وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ".

"والسَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ودل الطريق صدقة ، وحملك الرجل في الطريق صدقة . و«صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقُ؛ ورعاية الأسرة والتربية الحسنة يُعَمِّرْنَ الدِّيَارَ، وَيَزِدْنَ فِي الأَرزاق».

في صحيح مسلم قَالَ عليه الصلاة والسلام يوماً لأصحابه: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»

 و«كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»  «فلا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا" فلا تدي أي عمل يدخلك الجنة، فاضرب بكل بسهم ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ..

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه ، واستغفروا ربكم إنه كان غفارا.

 

 

الخطبة الثانية... الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه . اما بعد

في زماننا فتن عظيمة،  وبلايا كبيرة، ومحن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا من وفقه الله للعمل الصالح والعلم المتين، وابعد نفسه وأهله عن مواطن العطن، قال عليه الصلاة والسلام «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» أخرجه مسلم.

ومن الخسران أن يخسر الأنسان حسنات جمعها ، أو أوقات فاضلة يفرط فيها في سياحة لبلادٍ حتماً ستسمع أذناه المحرم أو تبصر عيناه مالا يحل نظره ، أو أسرة يضيعها «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا »

وإياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على العبد حتى تهلكه ،

والإسبال والكذب والغيبة والحسد وظلم النفس والناس مهلكات أجارنا الله واياكم منها .

ومَن أراد أنْ يُضحِّي فيجب عليه أنْ يُمسِك عن شعره وأظفاره، فلا يأخُذ منه شيئًا؛ كما ثبت ذلك في صحيح مسلمٌ ، وأخذ اللحيةٍ محرم على الدوام ، وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم كث اللحية . سُئل البراء رضي الله عنه بما كنتم تعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر قال باضطراب لحيته.

" ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ..

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ..

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ..

المرفقات

1717673039_شعيرة التكبير، وفضيلة العشر.pdf

1717673956_شعيرة التكبير، وفضيلة العشر.docx

المشاهدات 1497 | التعليقات 0