شعبان مكانة وفضائل
عبد الله بن علي الطريف
1435/08/01 - 2014/05/30 08:38AM
شعبان مكانة وفضائل: 1/8/1435هـ
أما بعد أيها الإخوة: وتدور الأيام دورتها وهاهو شهر شعبان يهل علينا بخيره وفضله.
نعم هَلَّ علينا شهر شعبان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمه ويختصه بعبادات فاضلة لم يكن يجعلها في غيره من الشهور، فقد كان أحب الصوم إليه ما كان في شعبان، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ، وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ" رواه أحمد والطبراني وقال الألباني حسن لغيره.
ومن خصائص هذا الشهر أنَّ عَمَلَ الْعَامِ يُرْفَعُ ويُعرضُ فِيه عَلَى اللَّه تَعَالَى, كَمَا أَخْبَرَ بِذلك الصَّادِقُ الْمَصْدُوق فقال ب"أَنَّهُ شَهْرٌ تَرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال, فَأُحِبّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم" أما عَمَلُ الْأُسْبُوع فَيُعْرَضُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ - أَوْ: كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ - فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ - أَوْ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ - إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ، فَيَقُولُ: أَخِّرْهُمَا" رواه أحمد وصححه أحمد شاكر, أما َعَمَلُ الْيَوْم: فَيُرْفَع فِي آخِره قَبْل اللَّيْل, وَعَمَل اللَّيْل فِي آخِره قَبْل النَّهَار.. فَهَذَا الرَّفْع فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَخَصّ مِنْ الرَّفْع فِي الْعَام فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ» رواه مسلم. وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْناهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ. متفق عليه وقيل في معنى هذا الحديث: وأما الملائكة فعند أكثر العلماء هم الحفظة فسؤاله لهم إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمال العباد وكتبهم إياها عليهم.
وَإِذَا اِنْقَضَى الْأَجَل رُفِعَ عَمَلُ الْعُمْرِ كُلُّه, وَطُوِيَتْ صَحِيفَة الْعَمَل، وانقطعَ العملُ إلا مما استثنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.. رواه مسلم. وَهَذِهِ الْمَسَائِل مِنْ أَسْرَار مَسَائِل الْقَضَاء وَالْقَدَر. فَصَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَى هَادَى الْأُمَّة, وَكَاشِف الْغُمَّة الَّذِي أَوْضَحَ اللَّه بِهِ الْمَحَجَّة, وَأَقَامَ بِهِ الْحُجَّة, وَأَنَارَ بِهِ السَّبِيل, وَأَوْضَحَ بِهِ الدَّلِيل..
أيها الأحبة: أعود لأقف مع حديث أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ للنبي صلي الله عليه وسلم: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: "ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".رواه أحمد وحسنه الألباني.
شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصادِ أعمالك عن هذا العام، فما الحال التي تحب أن يراك الله عليها وقت رفع الأعمال.؟ وبماذا تحب أن يختم عمل.؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، ينبغي أن يتنبه لها المسلم قال الله تبارك وتعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..) [فاطر:10] قال السعدي: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) من أعمال القلوب وأعمال الجوارح (يَرْفَعُهُ) اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب..
فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وأذى لعباده، وهجر لذوي رحمك، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.. ليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو القائل: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
أخي الحبيب: بُعْدٌ آخر في هذا الحديث يجب أن نقف معه وقفة: فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". نعم إنها قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً.!
ومتى ما صار هم المسلم وشغله الشاغل أن يستحي من نظر الله إليه أفلح وأنجح، فيستحي من أوقات قضاها في غير ذكر لله، ويستحي من أعمال لم يخدم بها دينه ودعوته، ويستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم يستنفذها في نصرة دين الله وإعزاز شريعته، وتستحي من كتابة كتبتها أو صورة أرسلتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي فشرقت وغربت بشرها وأنت تحمل وزرها ووزر من ضل بها إلى يوم القيامة ألا ساء ما يزرون.. وتستحي من أموال ونعم بخلت بها ولم تنفق منها في سبيل الله وأنت ترى المحتاجين من المسلمين في كل صقع من العالم، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه. قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم في يوم قال الله تعالى فيه: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:28،29] اللهم هون علينا الحساب ووفقنا لصالح الأعمال..
وهنا تنبيه مهم: أن رفع الأعمال في شعبان كما دلت الأحاديث يصحح ما أنتشر عند الناس أن الأعمال ترفع آخر العام فيتنبه لذلك.
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من العلم والحكمة واستجيبوا لربكم القائل فيما يرويه عنه رسول الله صلى اله عليه وسلم: يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى.. فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومن خصائص شهر شعبان أن الله «يَطْلُعُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن حبان عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسنه الألباني. و المشاحن: أي مخاصم لمسلم أو هاجر له..
وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنينِ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ" رواه البيهقي وقال الألباني صحيح لغيره.
فهذه فرصة لكل مسلم يريد رضا الله سبحانه وتعالى، ويريد دخول الجنة أن يصلح ما بينه وبين خصومه من قريب أو بعيد، سواء كان من أهله، أو جيرانه أو أصدقائه، أو أي شخص آخر.
وهنا تنبيه مهم: فضل هذه الليلة ومغفرة الذنوب فيها لا يعني تخصيص هذا اليوم بصيام، ولا قيام، وما شابه ذلك، لأن رسول الله لم يخصها ولا يومها بذلك بل كان صيامه في شعبان عموما، ولم يثبت عنه، ولا عن أصحابه فيما نعلم شيء. وما روى في ذلك من حديث منسوب لعلي عن النبي باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يرفع من صدورهم البغضاء والشحناء، إنه سميع الدعاء.
من كان عليه قضاء من رمضان العام الماضي فليبادر بالقضاء ونبهوا أهليكم لذلك.
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يوفقهم إلى كل خير ، وأن يرفع من صدورهم البغضاء والشحناء، إنه سميع الدعاء . اللهم آمين.
أما بعد أيها الإخوة: وتدور الأيام دورتها وهاهو شهر شعبان يهل علينا بخيره وفضله.
نعم هَلَّ علينا شهر شعبان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمه ويختصه بعبادات فاضلة لم يكن يجعلها في غيره من الشهور، فقد كان أحب الصوم إليه ما كان في شعبان، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ، وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ" رواه أحمد والطبراني وقال الألباني حسن لغيره.
ومن خصائص هذا الشهر أنَّ عَمَلَ الْعَامِ يُرْفَعُ ويُعرضُ فِيه عَلَى اللَّه تَعَالَى, كَمَا أَخْبَرَ بِذلك الصَّادِقُ الْمَصْدُوق فقال ب"أَنَّهُ شَهْرٌ تَرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال, فَأُحِبّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم" أما عَمَلُ الْأُسْبُوع فَيُعْرَضُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ - أَوْ: كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ - فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ - أَوْ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ - إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ، فَيَقُولُ: أَخِّرْهُمَا" رواه أحمد وصححه أحمد شاكر, أما َعَمَلُ الْيَوْم: فَيُرْفَع فِي آخِره قَبْل اللَّيْل, وَعَمَل اللَّيْل فِي آخِره قَبْل النَّهَار.. فَهَذَا الرَّفْع فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَخَصّ مِنْ الرَّفْع فِي الْعَام فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ» رواه مسلم. وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْناهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ. متفق عليه وقيل في معنى هذا الحديث: وأما الملائكة فعند أكثر العلماء هم الحفظة فسؤاله لهم إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمال العباد وكتبهم إياها عليهم.
وَإِذَا اِنْقَضَى الْأَجَل رُفِعَ عَمَلُ الْعُمْرِ كُلُّه, وَطُوِيَتْ صَحِيفَة الْعَمَل، وانقطعَ العملُ إلا مما استثنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.. رواه مسلم. وَهَذِهِ الْمَسَائِل مِنْ أَسْرَار مَسَائِل الْقَضَاء وَالْقَدَر. فَصَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَى هَادَى الْأُمَّة, وَكَاشِف الْغُمَّة الَّذِي أَوْضَحَ اللَّه بِهِ الْمَحَجَّة, وَأَقَامَ بِهِ الْحُجَّة, وَأَنَارَ بِهِ السَّبِيل, وَأَوْضَحَ بِهِ الدَّلِيل..
أيها الأحبة: أعود لأقف مع حديث أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ للنبي صلي الله عليه وسلم: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: "ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".رواه أحمد وحسنه الألباني.
شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصادِ أعمالك عن هذا العام، فما الحال التي تحب أن يراك الله عليها وقت رفع الأعمال.؟ وبماذا تحب أن يختم عمل.؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، ينبغي أن يتنبه لها المسلم قال الله تبارك وتعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..) [فاطر:10] قال السعدي: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) من أعمال القلوب وأعمال الجوارح (يَرْفَعُهُ) اللّه تعالى إليه أيضا، كالكلم الطيب..
فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وأذى لعباده، وهجر لذوي رحمك، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.. ليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو القائل: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
أخي الحبيب: بُعْدٌ آخر في هذا الحديث يجب أن نقف معه وقفة: فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". نعم إنها قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً.!
ومتى ما صار هم المسلم وشغله الشاغل أن يستحي من نظر الله إليه أفلح وأنجح، فيستحي من أوقات قضاها في غير ذكر لله، ويستحي من أعمال لم يخدم بها دينه ودعوته، ويستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم يستنفذها في نصرة دين الله وإعزاز شريعته، وتستحي من كتابة كتبتها أو صورة أرسلتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي فشرقت وغربت بشرها وأنت تحمل وزرها ووزر من ضل بها إلى يوم القيامة ألا ساء ما يزرون.. وتستحي من أموال ونعم بخلت بها ولم تنفق منها في سبيل الله وأنت ترى المحتاجين من المسلمين في كل صقع من العالم، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه. قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم في يوم قال الله تعالى فيه: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:28،29] اللهم هون علينا الحساب ووفقنا لصالح الأعمال..
وهنا تنبيه مهم: أن رفع الأعمال في شعبان كما دلت الأحاديث يصحح ما أنتشر عند الناس أن الأعمال ترفع آخر العام فيتنبه لذلك.
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من العلم والحكمة واستجيبوا لربكم القائل فيما يرويه عنه رسول الله صلى اله عليه وسلم: يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى.. فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومن خصائص شهر شعبان أن الله «يَطْلُعُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن حبان عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسنه الألباني. و المشاحن: أي مخاصم لمسلم أو هاجر له..
وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنينِ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ" رواه البيهقي وقال الألباني صحيح لغيره.
فهذه فرصة لكل مسلم يريد رضا الله سبحانه وتعالى، ويريد دخول الجنة أن يصلح ما بينه وبين خصومه من قريب أو بعيد، سواء كان من أهله، أو جيرانه أو أصدقائه، أو أي شخص آخر.
وهنا تنبيه مهم: فضل هذه الليلة ومغفرة الذنوب فيها لا يعني تخصيص هذا اليوم بصيام، ولا قيام، وما شابه ذلك، لأن رسول الله لم يخصها ولا يومها بذلك بل كان صيامه في شعبان عموما، ولم يثبت عنه، ولا عن أصحابه فيما نعلم شيء. وما روى في ذلك من حديث منسوب لعلي عن النبي باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يرفع من صدورهم البغضاء والشحناء، إنه سميع الدعاء.
من كان عليه قضاء من رمضان العام الماضي فليبادر بالقضاء ونبهوا أهليكم لذلك.
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يوفقهم إلى كل خير ، وأن يرفع من صدورهم البغضاء والشحناء، إنه سميع الدعاء . اللهم آمين.
المشاهدات 2487 | التعليقات 2
جزاكم الله خيرا خطبة جليلة جعلها الله في ميزانكم .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق