شعبان سفير رمضان

محسن الشامي
1433/08/08 - 2012/06/28 21:24PM
الحمد لله واهبِ الفضلِ ومجزلِ النعم، يسَّر لعباده سُبلَ الخير وحثهم عليها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من اعتصم به هداه ومن توكل عليه كفاه ومن لجأ إليه آواه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيدُ المرسلين وإمامُ المتقين وقدوةُ الناس اجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن التقوى إقبالٌ على طاعة الله وابتعادٌ عن معصيته واستشعارٌ لمراقبته، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} إخوة الايمان لَقَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ تَشَعَّبَتْ فِيهِ الْخَيْرَاتُ وَتَنَوَّعَتْ فِيهِ الأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ لقد جَاءَكُمْ وَافِدٌ بَيْنَ يَدَيْ ضَيْفٍ كَرِيمٍ، وَقَادِمٍ عَظِيمٍ، إِنَّهُ شَهْرُ شَعْبَانَ رَسُولُ رَمَضَانَ وَسَفِيرُهُ إِلَيْكُمْ وَبِشَارَتُهُ شهرٌ له خصوصيته عند النبي rوله تعظيمه الذي ينبغي على المؤمنين أن يُعَظِّموه مثلما عَظَّمه نبيهم ولذا فمن الأحرى أن يجعلَ المؤمنُ شهرَ شعبان فرصةً يهيءُ فيها قلبه ونفسه وأسرته لهذا الضيف الكريم الذي سيحلُ عما قريب ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان أُثِر فيه عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن سلفنا الصالح شيءُ مما يُشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران ليحصلَ التأهبَ لتلقي رمضان ولتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَـرَ اللَّهَ كَثِيرًا} فلقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يكثرُ من الصيام في شعبان ويغتنمُ وقتَ غفلة الناسِ فهذه ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَان )) وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:«لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ r يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هذا نبي الأمة فداه أبي وأمي ونفسي يكثر من الصوم وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ألا فاقتدو بنبيكم واكثروا من الصيام فوالله لو علمنا فضل الصيام لحرصنا عليه وما ضيعناه وطُوبى لمن صام في هذا الحرِّ الشديد يوماً واحداً ليتّقيَ يوماً في الآخرة شديداً حرُّه ففي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً)أي سبعين عاماً يباعدُ اللهُ وجهك يا عبدالله عن النار ًبصيامِ يومٍ واحدٍ تبتغي به وجه الله عز وجل نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بصيامه، حتى أن الصحابة لَحِظُوه، فاستفهموا منه عن ذلك فقال له أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟قَالَ صلى الله عليه وسلم: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)ففي ذلك الحديث دليل على استحباب عِمارةِ الأوقات التي يغفل عنها الناسُ فالعبادة في وقت غفلة الناس يحبها اللهُ تعالى ويثيب عليها أكثر من غيرها هذا حال نبينا صلى الله عليه وسلم في شهرشعبان وأما عن حال السلف فكانوا رضي الله عنهم يستعدون لشعبان كما يستعدون لرمضان لقدْ كانوا يهتمون بهذا الشهراهتمامًاخاصًّا لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه ويتصدقون من أموالهم ويتسابقون إلى الخيْرات وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم هكذا كان استعداد السلف رحمهم الله فكيف باستعدادنا وهل سيكون شهر شعبان شهر غفلة ولهو وسهو وتفريط ثم لا نشعر إلا وقد قيل غدا رمضان ألا فعاهد ربك يا عبد الله من الآن على التوبة والأوبة في هذا الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله وقدم من الأعمال ما تُسر أن يُرفَع في هذا الشهر إلى الله أسألُ الله أن يصلح أعمالنا وأن يلين قسوة قلوبنا
إخوة الايمان :من فضائل شهر شعبان أنه شهر يغفر اللهُ في ليلة النصف منه لكل مسلم إلا لمشركِ ومشاحن فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) نعم يا عباد الله يُغفر لجميع الخلق الا لمشرك او مشاحن والمشاحن الذي في قلبه شحناء وقطيعة فأماالشرك فهو أعظم الذنوب كيف لا والله جل جلاله يقول{ إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} و قال صلى الله عليه وسلم: ((أخْوَفُ ما أخافُ عليكم الشركَ الأصغر"فسئل عنه فقال: "الرياء)) وأما الشحناء يا عباد الله فكفى بها حقارة أنها سببٌ لعدم مغفرة الله لأهلها كما أنَّها سبب في عدم قبول صلاتهم وعدم قبول أعمالهم ، وعدم تطلع ربّ العزة والجلال إليهم في ليلة النصف من شعبان ألافاتقوا الله عباد الله وتفقدوا قلوبكم وراجعوا توحيدكم ونقُّوا قلوبكم نحو إخوانكم ولا تغترُّوا بطول الأمل ورضي الله عن سلمان الفارسي يوم أن قال: "ثلاثٌ أعْجَبَتني حتى أَضْحَكَتْني مُؤَمِّلُ الدنيا والموت يطلبه، وغافلٌ يَغْفَل ليس يُغْفَل عنه وضاحكٌ مَلْءَ فِيهِ ولا يدري أساخطٌ ربُّ العالمين عليه أم راضٍ؟!"
أيا عبدُ كم يراكَ اللهُ عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسياً
أنسيت لقاء الله واللحدَ والثرى ويوماً عبوساً تشيبُ فيه النواصيا
لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا
اللهم لا تدع لأحدٍ منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته ولا مريضاً إلا شفيته
ولا ديناً إلا قضيته ولا ميتاً لنا إلا رحمته ولا عاصياً إلاهديته يارب العالمين بارك
الخطبة الثانية
الحمد لله كما أمر, والشكر له وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر واشهد الا اله الا الله وحده لاشريك له أنعم علينا بمواسم الخير والطاعات وأشهد أن محمد عبدالله ورسوله نبي الهدى والرحمات صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه القدوات أمابعد أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله واستغلوا هذا الشهر بالتوبة النصوح استغلوه بالاستغفار من جميع المعاصي والآثام فرمضان عما قريب سيحل، فيا من فرطت في جنب الله وكلنا ذاك ارجع إلى ربك، ويا أيها المقصر في صلاة الجماعة أدرك نفسك والحق بالركب وياأيها العاق لوالديه أحسن إلى والديك، وياأيها القاطع لرحمه وجيرانه عد لصلة أرحامك وجيرانك أيها الغارق في وحل المسكرات والمخدّرات والآثام خلص نفسك وطهرها فهذا شهر شعبان يدعوك أن تعال طهر نفسك، وتعاهد قلبك، انفض غُبارَ الشقاقِ واتباع الهوى والانسياق وراء وساوس الشيطان، واحرص على ما ينفعك، فعمّا قليل سترتحل، وإلى الآخرة ستنتقل " فيا أيها الغافل، ويا أيها اللاهي تذكر أنَّكَ لن يُغْفلَ عنك فبادر إلى العمل الصالح قبل أن يُحَال بينك وبينه
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ ** وهَذَا شَهْرُ شَعْبَــانَ الـمُبارَكْ
فيَـا مَنْ ضَيَّعَ الأوقَاتَ جَـهْلاً ** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْـذَرْ بَـوَارَكْ
فَسَوفَ تُفَارِقِ اللَّذَّاتِ قَـهراً ** وَيُخْلِي الـمَوتُ كَرْهاً مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا استطَعْتَ مِنَ الخَطـايَا ** بِتَوبَةِ مُخْلِصٍ واجْعَـلْ مَدَارَكْ
على طَلَبِ السَّلامَةِ مِنْ جَحِيمٍ ** فَخَيْـرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَـدَارَكْ
أمة الاسلام:لقد أحدث بعض الناس نتيجة جهلهم بشرع الله في هذا الشهر محدثات ليست من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بدعة تعظيم ليلة النِّصف من شعبان، والاحتفاء بها بالصلاة والذِّكر والاجتماع فتخصيص ليلة النِّصف من شعبان بالقيام والذِّكر والدعاء جماعةً أو فرادى ليس من هَديِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا مِن فِعْل أصحابه رضي الله عنهم فلم يثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم خَصُّوا هذه الليلةَ بصلاة أو غيرِها، ولو كان خيرًا لسبقوا غيرَهم إليه.اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من امرتم بالصلاة والسلام عليه اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الأربعة
المشاهدات 1703 | التعليقات 0