شعبان ذلك الشهر الذي يغفل الناس عنه وفيه ترفع الأعمال

عبدالرحمن اللهيبي
1444/08/04 - 2023/02/24 02:52AM
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " أيها المسلمون : من فضل الله ورحمته وكرمه بعباده أن جعل الله لهم مواسم للخيرات يتزودون فيها من الطاعات ويتقربون فيها إلى مولاهم بجليل القربات وبها يرتقون إلى أعالي الدرجات ويتبوؤون بها نزلا كريما في الجنات , وإنه لا يكاد أن يمضيَ موسمٌ من الخيرات إلا ويتبعه آخر , منّةٌ من الله لعباده وتكرما.. أيها المؤمنون : ومن هذه الأزمنة المباركة التي اختصها النبي ﷺ بشيء من الطاعات هو شهرُ شعبانَ المبارك . ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفاتٌ ننظر فيها حالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالَ السلف الكرام عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) [رواه النسائي] وصححه الألباني. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "وكان أحبُ الصوم إلي رسول الله ﷺ في شعبان" [رواه الإمام أحمد]. ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن بعض أزواجه رضي الله عنهن، قالوا أنه كان يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيامَ شهر قط غير رمضان، فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قَالَتْ : لَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا . [رواه البخاري ومسلم]. وذكر أهل العلم حِكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان منها: أن منزلة الصيام في شعبان بمنزلة السنن الرواتب القبلية مع الفرائض ، فكما أن السنن الرواتبَ متممةٌ لنقص الفرائض، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ومن الحكم في الإكثار من الصيام في شهر شعبان: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجبٍ ورمضان. لقوله صلى الله عليه وسلم "ذلك شهر يغفل الناس عنه.." قال أهل العلم: وفي هذا الحديث دلالة على استحباب عمارةِ أوقاتِ غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.. وسبب ذلك أن الناس في وقت الغفلة كأزمنة الفتن التي تفشوا فيها المنكرات تستولي عليهم الغفلة، وينشغلون عن عبادة ربهم بالملهيات والمغريات ، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويثبت على قيمه ومبادئه ويشتغل بالإقبال على ربه بذكره وعبادته ويتبع مراضيَه ويجتنب مساخطه أحبه الله وقربه واصطفاه. فالعبادة في زمن الغفلة محبوب لله .. فإذا رأيت الناس قد انشغلوا عن ربهم بالملاهي المحرمة والملذات الآثمة فكن أنت حينها في حزب الصالحين المصلحين .. حتى ينظر الله إليك فيجدك عابدا بينما الناس غافلون ، فتحظى بمنزلة القرب والمحبة والاصفاء من الله جل جلاله، وشهر شعبان كونه قبل رمضان فإنه يغفل الناس فيه عن عبادة ربهم بل ربما استكثر الناس فيه من الملهيات على اعتبار أنهم سينقطعون عهنا إذا دخل عليهم رمضان.. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الصائمين ومن الحكم أيضا في استحباب كثرة الصيام في شعبان أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله .. فأقبلوا على ربكم أيها المؤمنون في هذا الشهر بكثرة الصيام متأسين بنبيكم عليه الصلاة والسلام ، وبادِرُوا فيه إلى ما يقربكم إلى المولى -جل وعلا- من الذكر وتلاوة القرآن، فهو شهر فاضل، كان يسمَّى عند السلف: "شهرُ القُرَّاء"؛ لكثرة مراجعتهم للقرآن الكريم، وانقطاعهم لتلاوته، والتزامهم بمعاهدته والإكثار من قراءته استعدادًا لقيام رمضان، فالمبادرةَ المبادرةَ، والمسارعةَ المسارعةَ لإعمار هذا الشهر بالقربات وسائر النوافل والطاعات، فما الدنيا والله إلا مزرعة للآخرة ، والحصاد هناك يا مسلمون ، إن زرعت في الدنيا خيرا فستجد في الآخرة خيرا وإن شرا فشر : فمن يعمل .. فاللهم اجعلنا في وقت الغفلة من الذاكرين وعند انشغال الناس من العابدين يا سميع يا عليم يا كريم.   الخطبة الثانية:  أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "                               أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ شَعبَانَ كما أشرنا كَالمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ  وإنه والله ما اشتغل أحد فيه بتَألِيفِ قَلبِهِ على القربات ، وترويض جَوَارِحِهِ عَلَى الطاعات, إِلاَّ وَجَدَ مِن نَفسِهِ في رَمَضَانَ خفة في العبادات وَتَلَذُّذًا بالقرآن والصلوات. وَفي مُقَابِلِ ذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ مَن يغفُل عن طاعة ربه في شعبان ويسرف فيه على نفسه بالذنوب والعصيان على اعتبار أنه سيمسك عن كل ذلك في رمضان ، فأَمثَالُ هَؤُلاءِ قد يُخذَلُونَ في رَمَضَانَ فَيضِيعُ عَلَيهِم موسمُ الرَّحمَةِ وَالغُفرَانِ ، حيث يَمضِي عَلَى أحدهم شَهرُ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَاوِلُ تَروِيضَ نَفسِهِ على الطاعة والتلذذ بالعبادة من ذكر وقيام وتلاوة للقرآن.. فَلا تُطَاوِعُهُ نَفسُهُ عَلَى البر والإِحسَانٍ وذلك لأنه لم يروض نفسه على ذلك في شعبان فَتَرَاهُ تثقل عليه الطاعة في رمضان وَيَنكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ في مَوسِمٍ من أجل مواسم الخير والرضوان فيا أيها المشتاقون لرمضان: إِنَّ أَحَدَنَا لا يَدرِي هَل يَبلُغُ رَمَضَانَ أَم لا يَبلُغُهُ ؟! وَلإنْ يَقبِضَ اللهُ رُوحَ أحدِنا وَهُوَ يَتَرَقَّبُ مَوسِمَ الخَيرِ بِكُلِّ شَوقٍ وعمل واستعداد ، خَيرٌ له مِن أَن يُؤخَذَ عَلَى حين غِرَّةٍ ، وَتُفتَلَتَ نَفسُهُ وَهُوَ في غَفلَةٍ ، وَكَم مِن نِيَّةٍ لِلخَيرِ صَادِقَةٍ ، بَلَّغَت صَاحِبَهَا مَنَازِلَ أَهلِ الخَيرِ والطاعة , فاتقوا الله عباد الله واصدقوا مع ربكم ((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)) معاشرَ المسلمينَ: ومَنْ كان عليه قضاء من رمضان الماضي فليبادر بصومه قبل انتهاء شعبان، ولا يجوز له التأخير عن ذلك من غير عذر؛ فاستبِقوا وسارِعوا وبادِروا بالواجبات، وفِعْل الطاعات لعلكم تُرحَمون. اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، إِنَّكَ تَعلَمُ مَن سَيُدرِكُ مِنَّا رَمَضَانَ مِمَّن لا يُدرِكُهُ ، اللهُمَّ إِنَّا نَستَودِعُكَ أَنفُسَنَا وَقُلُوبَنَا ، اللَّهُمَّ مُدَّ عَلَى طَاعَتِكَ آجَالَنَا ، وَبَلِّغْ فِيمَا يُرضِيكَ آمَالَنَا رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ ...وبلغنا شهر مضان يا كريم يا رحمن اللهم إننا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا , وتصلح بها أعمالنا , وتغفر بها ذنوبنا , وتكشف بها همومنا , وتيسر بها أمورنا . اللهم اجعلنا لك ذكارين لك عابدين لك خاشعين لك أواهين أوابين منيبين مستغفرين
المشاهدات 843 | التعليقات 0