شعبان بين العطايا والغفلة
خالد الكناني
شعبان بين العطايا والغفلة
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ : أيها المسلمون : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أيها المسلمون : إن الأيام والشهور تتفاضل بما فيها من الأعمال الصالحة ، وتتمايز بما تنطوي عليه من التجارات الرابحة ، والسعيد من اغتنم الأيام والساعات ، وعمرَ أوقاته بالقرب والطاعات ، واعلموا أن التنافس الحقيقي يكون في كل أمر يقربك من ربّ الأرض والسموات .
أيها المسلمون : إننا في هذه الأيام نعيش شهر شعبان وهو من أيام الله التي نحن متعبدون فيها على الدوام { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }
وقد جاءت لشهر شعبان مزية ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ،
عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»
وفي هذا الحديث من الدروس والفوائد العظام :
( 1 ) فضل شهر شعبان حيث خصه النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ "
فاستغلوا شهركم بالأعمال الصالحة ومنها كثرة الصيام في شهر شعبان ، وغيرها من الأعمال الصالحات ركزوا على الفرائض ، من الصلاة ، والزكاة ، وبر الوالدين ، والاحسان إلى الناس ، وتزودوا من النوافل بما يقربكم من ربّ الأرض والسموات .
( 2 ) ذم الغفلة عن الله عز وجل وعن مواسم الخيرات ، تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ ) ، وقد حذر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من الغفلة ، قال تعالى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } ، فكان صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لربه ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ، ومسارعا ومداوما للطاعات والعبادات لربه تبارك وتعالى ، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا )) ، وفي ذلك توجيه لنا إلى البعد عن الغفلة والحذر منها .
أيها المسلمون : أما ترون أن البعض من المسلمين ، يعيشون في غفلة عن هذه المواسم والطاعات ، تجد التكاسل في العبادات والتثاقل وتضييع الأوقات هنا وهناك ، وفي زمننا هذا انشغلنا كثيرا بوسائل التواصل الحديثة فتجد الواحد منا تمضي الساعات وهو يقلب هذه الوسائل ويمضي به الوقت دون فائدة أو رصيد من الحسنات فحذروا ذلك وجاهدوا أنفسكم ، وأكثروا من ذكر الله وكل عمل يقربكم من ربكم ويزيد في الحسنات .
( 3 ) فضل العمل الصالح والعبادات في زمن الغفلة ، فحين يكثر اللهو ، وينشغل الناس بدنياهم من المطاعم والمشارب والسهرات والاسراف في ذلك ، فإن على المؤمن أن يكون يقضا لا ينسى ربه بل يكون على ارتباط وثيق بالله عز وجل ، والعبادات في زمن الفتن والغفلة وانشغال الناس في لهوهم وغفلتهم ونومهم ، لها فضل عظيم ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» ، وكذلك إذا غفل الناس بلهوهم ونومهم ، قام صلى الله عليه وسلم وأصحابه الليل ، قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ..... } ، ثم تأملوا هذه الساعة من الليل وهو الثلث الأخير من الليل تجد أهل الغفلة في غفلتهم ، وأهل الإيمان وذكر الرحمن يقومون الليل ينتظرون البركات والرحمات من الله تبارك وتعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ "
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا ، أما بعد ، أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى حق التقوى
ثم تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ))
وهنا لا بد أن نسأل أنفسنا، ماهي الأعمال التي نحب أن ترفع وتعرض على ربنا ، في شهرنا هذا ، فقد وجهنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ( فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) ، فأكثروا فيه من الصيام ما استطعتم ، واملؤوا صحائفكم بالتوحيد والاخلاص والتوبة النصوح والصلاة والذكر والقرآن وبر الوالدين والصدقات والاحسان إلى الناس وكل عمل صالح ، فإن الله وعدكم بالحياة الطيبة فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يجزيكم بأحسن ما عملتم في الدَّارِ الْآخِرَ .
قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
أيها المسلمون : وهنا تحذير شديد وقد يضيع به الانسان أعماله فتصبح هباء منثورا ، بسبب الشرك مع الله وانعدام التوحيد والاخلاص في الاعمال ، أو مرض البغضاء والشحناء والتي انتشرت في هذه الأزمنة إلا ما رحم الله ، وتأملوا خطورة ذلك ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»
وكذلك العرض الاسبوعي للأعمال ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )) ، فما أحوجنا إلى العفو والصفح والتسامح ، والله تعالى عفو غفور رحيم بعباده يغفر الذنوب جميعا ، فاحذروا الشرك بالله تعالى ، وحقوق العباد ، وتوبوا إليه توبة نصوحا .
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1708068399_شعبان بين العطايا والغفلة.pdf