شرُ وعاءٍ-10-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/10/09 - 2024/04/18 13:44PM

شرُ وعاءٍ-10-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

إنَّ الأنبياءَ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-جاؤوا  بصلاحِ الأرواحِ والأبدانِ، وشفائِها منَ الأمراضِ والأسقامِ، والمتأملُ في القرآنِ والسنةِ يعجبُ مِن تَشخِيصِهم لأُصُولِ الأَمراضِ، والتَّحذِيرِ مِن خَطَرِهَا، وبَيَانِ سُبُلِ الوِقَايَةِ مِنهَا، ثُمَّ صَرفِ العِلاجِ المُنَاسبِ لَها، قالَ رَسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "ما مَلأَ آدَميٌّ وِعَاءً شَرًّا من بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ-لُقَيمَاتٌ-‌يُقِمْنَ ‌صُلْبَهُ، فإنْ كَانَ لا مَحَالةَ، فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وثُلثٌ لِشَرابِه، وثُلثٌ لِنَفَسِهِ".

كَلامٌ أَدهَشَ الحُكَمَاءُ، وتَعَجَّبَ مِنهُ الأَطِبَّاءُ، حَتَّى قَالَ الأطباءُ: الـمعِدَةُ بِيتُ الدَّاءِ، ولَوِ عملَ النَّاسُ بهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، لسَلِمُوا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، ولَتَعَطَّلَتِ الـمستشفياتُ والصيدلياتُ.

وقالَ العلماءُ: أَصْلَ كُلِّ دَاءٍ التُّخَمُةُ- امتِلاءُ البَطنِ بِالطَّعَامِ-.

واليَومَ قَلِّبْ بَصَرَكَ في شَيئينِ لترى أَثَرَهُما:

الأَولِ: اِنفِتَاحِ النَّاسِ عَلى أَنواعِ الأَكلِ والشِّربِ بِشَكلٍ لَم يَكُنْ مَعهُودًا مِنْ قَبلُ.

والثَّاني: ظُهُورِ أَمرَاضٍ فِي الأَزمِنَةِ المُتَأخِرةِ لَم تَكُنْ مَعهُودةً مِن قَبلُ، وإن كَانَ هَذا قَد يُقبَلُ في المُجتَمَعاتِ الكَافِرةِ، ولَكِن أَن يَصِلَ إلى بِلادِ الإسلامِ، فَأَينَ هُم مِنْ وَصيَّةِ نَبيِّهم محمدٍ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟

(البطنُ شَرُّ وِعَاءٍ)، لأنَّه يُملأُ بِالطَّعامِ في كُلِّ الأَوقَاتِ، فَيَقسُو القَلبُ وَيَثقُلُ البَدنُ عَن الطَّاعاتِ، ويَفتَحُ الشَّيطانُ لَهُ أَبوابَ الشَّهواتِ، وَلَقد ذَمَّ اللهُ تَعَالى الكَافرينَ بِكَثرةِ التَّمتُّعِ بِالحَرامِ، والأَكلِ كَالأَنعَامِ، فَقَالَ-سُبحَانَه-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ)، وَقَالَ النبيُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ"، وَقَد كَانَ العَربُ يـَمْدَحونَ بِقِلَّةِ الأَكلِ، وَيَذُمُّون بِكَثرَتِهِ.

يَقولُ الشَّافعيُّ-رحمه اللهُ تعالى-: مَا شَبِعتُ مُنذُ سِتَّ عَشرةَ سَنةً إلا مَرَّةً، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فَتَقَيَّأْتُهَا.

ويَقولُ عَبدُ الرَّزاقِ الصَّنعَانيُّ-رحمه اللهُ تعالى-: لَمَّا قَدِمَ عَلينا سُفيانُ الثَّوريُّ-رحمه اللهُ تعالى-، ‌طَبَختُ ‌لَهُ لحمًا فَأَكَلَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِزَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى الصَّبَاحِ.

(البطنُ شَرُّ وِعَاءٍ)، عِندَمَا تَرى الشخصَ يَتَتَبَّعُ أَشهرَ المَطَاعمِ وآخرَ الأَكَلاتِ، ثُمَّ يَقَضي مَا تَبَقَّى مِن وَقتِهِ في الكَافِيهَاتِ، فَهُو مَا بينَ سَلَطاتٍ ومُقَبِّلاتٍ، ووَجبَاتٍ وَحَلَويَاتٍ، ومطعوماتٍ ومَشروباتٍ، فَأَصبَحَ الإنسَانُ يَعِيشُ لِيَأكلَ، بَدلَا مِن أن يَأَكلَ لِيَعيشَ، فَأينَ هؤلاءِ مِن خَيرِ البَشرِ، تقولُ أُمُنا عَائشةُ-رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: "مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ"، وَهَكَذا كَانَ أَتبَاعُهُ مِمَّنْ لا يَشبَعونَ إلا قَليلًا، قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-: أَلَا أَجِيئُكَ بشَيْءٍ يَهْضِمُ الطَّعَامَ إِذَا أَكَلْتَهُ، قَالَ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَيْسَ ذَاكَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا يَجُوعُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُونَ.

(البطنُ شَرُّ وِعَاءٍ)، لأنه كَانَ سَبَبًا في خُروجِ أَبينَا آدمُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-مِن الجَنَّةِ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَتْ بَلِيَّةَ أَبِيكُمْ آدَمَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-أَكْلَةٌ، وَهِيَ بَلِيَّتُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَن شَبِعَ كَثِيرًا فِي الدُّنيا، جَاعَ طَويلًا في الآخرةِ، تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فـ(البطنُ شَرُّ وِعَاءٍ)، لأنَّه يَأتي بِالأَدواءِ، التي يَحارُ فِيهَا الأطِبَّاءُ، ويَعَجَزونَ عن وَصفِ الدَّواءِ، أَمراضِ الجِهازِ الهَضميِّ، وأَمراضِ القَلبِ، والسُّكريِّ، والسِّمنَةِ، والجَلطَاتِ، والأَورامِ السَّرطَانيَّةِ، بَل أَصبحَ أَطِبَّاءُ النَّفسِ وعُلَماؤُهم يَتَكلَّمونَ عَن أَثرِ زِيَادةِ الطَّعامِ وتَنَوِّعِهِ في اختِلالِ الهُرمونَاتِ، مِما يُسَبِّبُ الأَمراضَ النَّفسيَّةَ، والاكتِئابَ، والوَسواسَ القَهريَّ، وغَيرَها من الأَمراضِ العُضويَّةِ والنَّفسيَّةِ، يَقولُ الخَطَّابيُّ-رحمه اللهُ تعالى-: مَنْ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ فِي غَيْرِ أَوَانِ جُوعِهِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ فَوْقَ قَدْرِ حَاجَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُلْبِثُهُ أَنْ يَقَعَ فِي ‌أَمْرَاضٍ ‌مُدْنِفَةٍ، وَأَسْقَامٍ مُتْلِفَةٍ، وَلَيْسَ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ جَهِلَ.    

(البطنُ شَرُّ وِعَاءٍ)، عِندَمَا يَتَعدَّى الشَّيءُ حَدَّهُ، فَيَنقَلبَ ضِدَّهُ، وَمَن يَقرَأُ إحصَائياتِ ما يَصرِفُهُ النَّاسُ فِي الأَكلِ والشِّربِ، ومَا يَفيضُ مِنَ الطَّعامِ، ويُلقَى في النفاياتِ بالأكوامِ، فِي وَقتٍ يَبحَثُ المَلايينُ عَن كَسرَةِ الخُبزِ، يَعرِفُ أنَّنا أَمامُ نِعمَّةٍ تَحتَاجُ إلى شُكْرٍ، ونِهمَةٍ تَحتَاجُ إلى زَجْرٍ، وقَد أَمَرَنا اللهُ-تَعالى-بِالاعتِدالِ فَقَالَ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وأَمَرَنا الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-بِالقَنَاعةِ فَقالَ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ".

إخواني: إنَّ فِي قِلَّةِ الأَكلِ صِحَّةَ الجِسمِ، وجَودَةَ الحِفظِ، وَزَكَاءَ الفِهمِ، وَقِلَّةَ النَّومِ، وَخِفَّةَ النَّفسِ، ولَكنَّ الأَهَمَّ هُو تَربيَّةُ النَّفسِ، فَهيَ إذا شَبِعَتْ تَحَرَّكَتْ واشْتَهَتْ وبَغَتْ، وإذا جَاعَتْ سَكَنَتْ وَخَشَعَتْ وَذَلَّتْ، رَأَى عُمرُ بنُ الخَطَّابِ لَحمًا مَعَ جَابرِ بنِ عبدِ اللهِ-رَضِيَ اللهُ عَنهُم-، فَقَالَ: مَا هَذا يَا جَابرُ؟ قَالَ: اشتَهيتُ لَحمًا فَاشتريتُهُ، فَقَالَ: أَوَ كُلَّمَا اشتهَيتَ اشتريتَ يَا جَابرُ! أَمَا تَخَافُ هَذهِ الآيةَ: (أَذْهَبتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1713537287_شرُ وعاءٍ-10-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1713537287_شرُ وعاءٍ-10-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1021 | التعليقات 0