شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَر 22 شَوَّال 1436هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1436/10/20 - 2015/08/05 09:49AM
شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَر 22 شَوَّال 1436هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ مَصَالِحَ الْعِبَادِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفِي عَقِيدِتَهِمْ , وَفِيمَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ , بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ , لا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ وَلا شَرَّ لَنَا إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَائِهِ فَإِنَّه آتٍ لا مَحَالَةَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ , وَخَلَقَ الإِنْسَ وَالْجِنَّ لِعِبَادَتِهِ , لِيَبْتَلِهِمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً , وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ ابْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ ، وَقَدْ أَنْذَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بَلَاءً يَنْزِلُ آخِرَ الزَّمَانِ لا عَاصِمَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِّنَ الدُّنْيَا) رَوَاهُ مُسلم , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتَّاً : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أحَدِكُمْ ، أَوْ أَمْرَ العامَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمِسْلِمُونَ : وَإِنَّ أَكْبَرَ فِتْنَةٍ بَيْنَ يَدِيِ السَّاعَةِ , وَأَعْظَمَهَا خَطَرَاً وَأَشَدَّهَا ضَرَرَاً : الدَّجَّالُ , فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ , إن الدَّجَّالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ , شَابٌّ أَحْمَرُ قَصِيرٌ جَعْدُ الشَّعْرِ , مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى , مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ سَوَاءً أكَانَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لا , وَيَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ خُرَاسَانَ , يَتْبَعُهُ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفَاً , وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ اليَهُودُ وَالأَعْرَابُ وَالنِّسَاءُ , فَأَمَّا اليَهُودُ فِلَأَنَّ الدَّجَّالَ مِنْهُمْ , وَلِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ انْحِرَافَاً وَمُعَادَاةً لِلدِّينِ الصَّحِيحِ , وَأَمَّا الأَعْرَابُ فَلِفَرْطِ جَهْلِهِمْ , وَ أَمَّا النِّسَاءُ فَلِخِفَّةِ عُقُولِهِنَّ وَسُرْعَةِ تَأَثُّرِهِنَّ. وَيَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلا يَتْرُكُ بَلَدَاً إِلَّا دَخَلَهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَة فَلا يَسْتَطِيعُ دُخُولَهُمَا لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ تَحْرُسُهُمَا .
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُ اللهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ التِي تَبْهَرُ الْعُقَولَ وَتُحَيَّرُ الأَلْبَابَ, فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارَاً , وَأَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ , وَأَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , وَيَمُرُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَيَأْمُرَ كُنُوزَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَتَتْبَعُهُ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , وَيَقْطَعُ الأَرْضَ بِسُرْعَةٍ عَظِيمَةٍ كَسُرْعَةِ الْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ.
وَنِهَايَتُهُ تَكُونُ علَى يَدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , حَيْثُ يُطَارِدُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ فِي أَرْضِ الشَّامِ فَيَقْتُلَهُ .
عَنِ النَّوَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ . فَلَمَّا رُحْنَا إلَيْهِ ، عَرَفَ ذلِكَ فِينَا ، فَقالَ (مَا شَأنُكُمْ ؟) قُلْنَا : يا رَسُولَ اللهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الغَدَاةَ ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فقالَ ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إنْ يَخْرُجْ وَأنَا فِيكُمْ ، فَأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ؛ وَإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجيجُ نَفْسِهِ ، واللهُ خَلِيفَتي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ . إنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِيَةٌ ، كَأنّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأ عَلَيْهِ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ , إنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمالاً ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا : يَا رسُولَ اللهِ ، وَمَا لُبْثُهُ في الأرْضِ ؟ قال ( أرْبَعُونَ يَوماً : يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ ، وَسَائِرُ أيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَذلكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ ( لا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قُلْنَا : يا رسولَ اللهِ ، وَمَا إِسْراعُهُ فِي الأرْضِ ؟ قَالَ ( كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأتِي عَلَى القَوْمِ ، فَيدْعُوهُم فَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرىً وَأسْبَغَهُ ضُرُوعاً ، وأمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأتِي القَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَولَهُ ، فَيَنْصَرفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ ، فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ .
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ تَعَالَى الْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إذا طَأطَأَ رَأسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ ، فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلاَّ مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي إلى حَيثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ) . رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا أَتْبَاعُ الدَّجَّالِ فَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ : (اليَهُودُ) وَ(النَّصَارَى) وَ(الوَثَنِيُّونَ) وَ(عُبَّادُ القُبُورِ) الذِينَ يَنْتَسِبُونَ زُوراً إِلَى الإِسْلَام كَالرَّافِضَةِ وَغُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ , وَ(جَهَلَةُ الأَعْرَابِ) مِمَّنْ هَمُّهُ شَاتُهُ وَبَعِيرُه , وَلَا يُعِيرُ لِلْدِيْنِ أَيَّ قِيْمَةٍ , و(النِّسَاءُ) وَ(الخَوَارِجُ) وَقَدْ كَثُرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَالدَّوَاعِشِ وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيْقَتِهِمْ وَكَفَّرَ العُلَمَاءَ وَالحُكَّامَ , وَكَلَّ الْمُسْلِمِينَ الذِّيْنَ لَيْسُوا عَلَى طَرِيْقَتِهِمْ , وَثَامِنُ هَذِهِ الأَصْنَافِ (ضِعَافُ الإِيْمَانِ) مِنَ الشَّبَابِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الْفِتَنِ, فَإِنَّهَا خَطَرٌ عَلَى دِينِ الْمَرْءِ وَعَلَى دُنْيَاهُ, وَإِنَّ مِنْ شَرِّهَا أَنَّهَا تَصْرِفْكَ عَنِ الدِّينِ الصَّحِيحِ وَيَلْتَبِسَ عَلَيْكَ الأَمْرُ, وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِهَا خَطَرَاً الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ , وَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ الْكَامِلَةُ بِطُرُقٍ لِلْوِقَايَةِ مِنْ شَرِّهِ وَالْحَمَايَةِ مِنْ فِتْنَتِهِ , فَمِنْ ذَلِكَ :
(أَوَّلاً) التَّعُوُّذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ وَلا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ , يَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(ثَانِيَاً) الابْتِعَادُ مِنْهُ , وَالْفِرَارُ مِنَ الْمِكَانِ الذِي يُوجَدُ فِيهِ , عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ تَحْمِيكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الْفِتَنِ , فَابْتَعِدْ مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ تُحْفَظُ بِإِذْنِ اللهِ مِنْهَا .
(ثَالِثَاً) أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةَ الْكَهْفِ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ وَبلَاءٍ , اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا ! اللهم آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمورِنَا , اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ , اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ , اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ , اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَن , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
الْحَمْدُ للهِ الذِي بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ مَصَالِحَ الْعِبَادِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفِي عَقِيدِتَهِمْ , وَفِيمَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ , بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ , لا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ وَلا شَرَّ لَنَا إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَائِهِ فَإِنَّه آتٍ لا مَحَالَةَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ , وَخَلَقَ الإِنْسَ وَالْجِنَّ لِعِبَادَتِهِ , لِيَبْتَلِهِمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً , وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ ابْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ ، وَقَدْ أَنْذَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بَلَاءً يَنْزِلُ آخِرَ الزَّمَانِ لا عَاصِمَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِّنَ الدُّنْيَا) رَوَاهُ مُسلم , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتَّاً : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أوِ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أحَدِكُمْ ، أَوْ أَمْرَ العامَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمِسْلِمُونَ : وَإِنَّ أَكْبَرَ فِتْنَةٍ بَيْنَ يَدِيِ السَّاعَةِ , وَأَعْظَمَهَا خَطَرَاً وَأَشَدَّهَا ضَرَرَاً : الدَّجَّالُ , فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ , إن الدَّجَّالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ , شَابٌّ أَحْمَرُ قَصِيرٌ جَعْدُ الشَّعْرِ , مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى , مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ , يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ سَوَاءً أكَانَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لا , وَيَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ خُرَاسَانَ , يَتْبَعُهُ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفَاً , وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ اليَهُودُ وَالأَعْرَابُ وَالنِّسَاءُ , فَأَمَّا اليَهُودُ فِلَأَنَّ الدَّجَّالَ مِنْهُمْ , وَلِأَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ انْحِرَافَاً وَمُعَادَاةً لِلدِّينِ الصَّحِيحِ , وَأَمَّا الأَعْرَابُ فَلِفَرْطِ جَهْلِهِمْ , وَ أَمَّا النِّسَاءُ فَلِخِفَّةِ عُقُولِهِنَّ وَسُرْعَةِ تَأَثُّرِهِنَّ. وَيَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلا يَتْرُكُ بَلَدَاً إِلَّا دَخَلَهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَة فَلا يَسْتَطِيعُ دُخُولَهُمَا لِأَنَّ الْمَلائِكَةَ تَحْرُسُهُمَا .
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُ اللهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ التِي تَبْهَرُ الْعُقَولَ وَتُحَيَّرُ الأَلْبَابَ, فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارَاً , وَأَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ , وَأَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرَ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتَ , وَيَمُرُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَيَأْمُرَ كُنُوزَهَا أَنْ تَخْرُجَ فَتَتْبَعُهُ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ , وَيَقْطَعُ الأَرْضَ بِسُرْعَةٍ عَظِيمَةٍ كَسُرْعَةِ الْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ.
وَنِهَايَتُهُ تَكُونُ علَى يَدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , حَيْثُ يُطَارِدُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ فِي أَرْضِ الشَّامِ فَيَقْتُلَهُ .
عَنِ النَّوَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ . فَلَمَّا رُحْنَا إلَيْهِ ، عَرَفَ ذلِكَ فِينَا ، فَقالَ (مَا شَأنُكُمْ ؟) قُلْنَا : يا رَسُولَ اللهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الغَدَاةَ ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فقالَ ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إنْ يَخْرُجْ وَأنَا فِيكُمْ ، فَأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ؛ وَإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجيجُ نَفْسِهِ ، واللهُ خَلِيفَتي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ . إنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِيَةٌ ، كَأنّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأ عَلَيْهِ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ , إنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمالاً ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا : يَا رسُولَ اللهِ ، وَمَا لُبْثُهُ في الأرْضِ ؟ قال ( أرْبَعُونَ يَوماً : يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ ، وَسَائِرُ أيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَذلكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ ( لا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) قُلْنَا : يا رسولَ اللهِ ، وَمَا إِسْراعُهُ فِي الأرْضِ ؟ قَالَ ( كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأتِي عَلَى القَوْمِ ، فَيدْعُوهُم فَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرىً وَأسْبَغَهُ ضُرُوعاً ، وأمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأتِي القَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَولَهُ ، فَيَنْصَرفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ ، فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ .
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ تَعَالَى الْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إذا طَأطَأَ رَأسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ ، فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلاَّ مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي إلى حَيثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ) . رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا أَتْبَاعُ الدَّجَّالِ فَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ : (اليَهُودُ) وَ(النَّصَارَى) وَ(الوَثَنِيُّونَ) وَ(عُبَّادُ القُبُورِ) الذِينَ يَنْتَسِبُونَ زُوراً إِلَى الإِسْلَام كَالرَّافِضَةِ وَغُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ , وَ(جَهَلَةُ الأَعْرَابِ) مِمَّنْ هَمُّهُ شَاتُهُ وَبَعِيرُه , وَلَا يُعِيرُ لِلْدِيْنِ أَيَّ قِيْمَةٍ , و(النِّسَاءُ) وَ(الخَوَارِجُ) وَقَدْ كَثُرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَالدَّوَاعِشِ وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيْقَتِهِمْ وَكَفَّرَ العُلَمَاءَ وَالحُكَّامَ , وَكَلَّ الْمُسْلِمِينَ الذِّيْنَ لَيْسُوا عَلَى طَرِيْقَتِهِمْ , وَثَامِنُ هَذِهِ الأَصْنَافِ (ضِعَافُ الإِيْمَانِ) مِنَ الشَّبَابِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ الْفِتَنِ, فَإِنَّهَا خَطَرٌ عَلَى دِينِ الْمَرْءِ وَعَلَى دُنْيَاهُ, وَإِنَّ مِنْ شَرِّهَا أَنَّهَا تَصْرِفْكَ عَنِ الدِّينِ الصَّحِيحِ وَيَلْتَبِسَ عَلَيْكَ الأَمْرُ, وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِهَا خَطَرَاً الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ , وَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ الْكَامِلَةُ بِطُرُقٍ لِلْوِقَايَةِ مِنْ شَرِّهِ وَالْحَمَايَةِ مِنْ فِتْنَتِهِ , فَمِنْ ذَلِكَ :
(أَوَّلاً) التَّعُوُّذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ وَلا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ , يَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(ثَانِيَاً) الابْتِعَادُ مِنْهُ , وَالْفِرَارُ مِنَ الْمِكَانِ الذِي يُوجَدُ فِيهِ , عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ تَحْمِيكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الْفِتَنِ , فَابْتَعِدْ مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ تُحْفَظُ بِإِذْنِ اللهِ مِنْهَا .
(ثَالِثَاً) أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةَ الْكَهْفِ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ وَبلَاءٍ , اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا ! اللهم آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمورِنَا , اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وعبادَكَ الصالحينَ , اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ , اللَّهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ , اللَّهُمَّ ارْفَعْ عنَّا الغَلَا والوَبَا وجَنِّبْنَا الرِّبَا والزِّنَا والزَّلَازِلَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَن , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
المرفقات
شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَر 22 شوال 1436هـ.doc
شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَر 22 شوال 1436هـ.doc
المشاهدات 3147 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
قلبي دليلي
جزاك الله كل خير
تعديل التعليق