شروط لا إله إلا الله
هلال الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَا بَعْدُ:
لا يَنقَضِي عَجَبُكَ أَيُّهَا الإنسَانُ، مِن هَذَا الحَدِيثِ عَظيمُ الشَّأَنِ، فَعَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟، أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ، وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ).
وهُنَا قَد يَقُولُ القَائلُ، وَحقَّ لَهُ أَن يَقُولَ: أَليسَ كُلُّ مَسلِمٍ مَعَهُ هَذِهِ البِطَاقَةُ؟، فَالجَوابُ: بَلَى، ولَكِنْ تَتَفَاوتُ البِطَاقَاتُ بمَا كُتِبَ فِيهَا مِنَ الشَّهَادَةِ قُوَّةً وَضَعفَاً، بِحَسَبِ مَا يَكونُ فِي قَلبِ قَائلِهَا، وإلا قَد قَالَها المِنَافِقُونَ وَهُم في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ، يُعَذَّبُونَ تَحتَ مَن جَحَدَ الشَّهَادَتينِ .. إذاً مَا السِّرُ في قُوَّةِ وثِقلِ تِلكَ البِطَاقَةِ؟.
أيُّهَا الأحبَّةُ .. الشَّهَادَةُ هِيَ مِفتَاحُ دُخُولِ الجَنَّةِ والنَّجَاةِ مِن النَّارِ، ولَكِنْ لَهَا شُروطٌ لأَجلِ أَن يَظهَرَ مَا لَهَا مِن آثَارٍ، قِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟، قَالَ: (بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ)، فَإذا تَحَقَّقَتْ الشُّروطُ وبَلَغَتْ الكَمَالَ، جَاءَكَ مِن فَضَائلِهَا مَا لا يَخطَرُ عَلى البَّالِ، يَقولُ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَفَضَائِلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحَقَائِقُهَا وَمَوْقِعُهَا مِنْ الدِّينِ: فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ، وَيَعْرِفُهُ الْعَارِفُونَ؛ وَهِيَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ كُلِّهِ)، فَمَا هِيَ شُروطُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؟.
شُروطُ لا إلِهَ إلا اللهُ سَبعَةٌ، جَمَعَها حَافِظُ حَكَميُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي بَيتَينِ فَقَالَ:
الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ وَالْقَبُولُ *** وَالِانْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولُ
وَالصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمَحَبَّهْ *** وَفَّقَكَ اللَّهُ لِمَا أَحَبَّهْ
أَولاً العِلمُ: فَتَعرِفُ مَعنَاهَا وَأَنَّهُ لا مَعبُودَ بِحِقٍّ إلا اللهُ تَعَالى، وأَن كُلَّ مَا يُعبَدُ مِن دُونِهِ فَهُوَ بَاطلٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى لِنَبيِّهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وَجَاءَ في الحَدِيثِ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)، والعَجَبُ أَنَّ الكُفَّارَ أَنكَروهَا لأَنَّهَا تَجتَثُّ الشِّركَ مِنَ الجُذورِ، وهُنَاكَ مِن المُسلمِينَ مَن يَقولُهَا ويَطُوفُ عَلى القُبورِ.
ثَانيَاً اليَقينُ: فَلا شَكَّ فِيهَا ولا رَيبَ، كَمَا قَالَ تَعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)، بَل هُوَ اليَقينُ الجَازِمُ، والإدرَاكُ العَازِمُ، والتَّصدِيقُ اللَّازِمُ، وفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (مَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ).
ثَالِثَاً القَبولُ: لَهَا وَعَدَمُ الرَّدِّ والاستِكبَارِ، فَقَد رَفَضَهَا ورَدَّهَا الكُّفَّارُ، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)، فَرَدَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَليهِم فَقَالَ: (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)، وَهَكَذَا قَبولُ أَهلِ الإيمَانِ لَهَا، لا يُريدونَ بِهَا بَدَلاً، ولا يَبغُونَ عَنهَا حِولاً.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَا بَعْدُ:
وَرَابِعُ شُروطِ لا إلِهَ إلا اللهُ الانقِيَادُ: التَّامُ لِمَا تَدُّلُ عَليهِ هَذِهِ الكَلِمَةُ العَظِيمَةُ، والتَّسليمُ الكَامِلُ لِكُلِّ تَشرِيعَاتِها الحَكِيمَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وَهَكَذَا يَكونُ الإيمَانُ الحَقِيقيُّ القَويمُ، مَعَ التَّحكِيمِ لَهَا ثُمَّ الإذعَانُ الكَاملُ والتَّسليمُ.
خَامِسَاً الصِّدقُ: وَهو مُواطَأةُ القَلبِ لِمَا يَقُولُ اللِّسانُ، لَيسَ كَالمُنَافقينَ فِي الخِدَاعِ والبُهتَانِ، كَمَا أَخَبَر سُبحَانَهُ عَنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، فَلا يُنجي إلا الصِّدقُ، وَقَد قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ما من أحَدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ، صِدْقًا مِن قَلْبِه إلَّا حَرَّمَه اللهُ على النَّارِ).
سَادِسَاً الإخلاصُ: فَلا شِركَ ولا رِياءَ، وإنَّمَا سَلامَةُ النِّيَةِ والنَّقَاءُ، قَالَ تَعَالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)، وَأَسعَدُ النَّاسِ بِالشَّفَاعَةِ يَومَ القِيَامَةِ، هُم أهلُ الإخلاصِ والاستِقَامَةِ، وَفي الحَديثِ: (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ، مَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خالِصًا مِنْ قَلْبِهِ).
سَابِعَاً المَحَبَّةُ: لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الجَليلَةِ الغَاليَّةِ، ومَا دَلَّتْ عَليهِ مِن المَعَاني العَاليَّةِ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، وَهَكَذا يَتَرقَى فِي المَحَبَّةِ حَتى يَكونَ اللهُ تَعالى وَرسَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إليهِ مِن كُلِّ شَيءٍ، عِندَهَا سَيَجِدُ طَعمَ الإيمَانِ، كَمَا جَاءَ في الحَديثِ: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَد حلاوةَ الإيمانِ: -وَمِنهَا- أن يكونَ اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه ممَّا سِواهُمَا).
هَذِهِ شُروطُ لا إلهَ إلا اللهُ كَمَا دَلَّ عَليهَا الوَحيَانِ، وبِقُوَّتِهَا تَختَلِفُ ثِقلُ بِطَاقَاتِ النَّاسِ فِي المِيزَانِ.
اللهمَّ مُنَّ عَلينَا وَأَكرِمنَا بِأَنْ نَكونَ مِن عِبادِكَ الموحِّدينَ الذينَ لا يُشركونَ بِكَ شَيئًا حَتَى نَلقَاكَ، اللهمَّ جَنِّبنَا وَجَنِّبَ أَهلينَا الشِّركَ قَليلَهُ وَكَثيرَهُ، صَغيرَهُ وَكَبيرَهُ، اللهمَّ وَفِّق جَميعَ وُلَاةِ أُمورِ المسلمينَ لِلقَضَاءِ عَلى الشِّركِ وَأَسبابِهِ، اللهمَّ أَعنَّا عَلى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادتِكَ، اللهمَّ جَنِّبنا الفتنَ مَا ظَهرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، اللهمَّ كُنْ لإخوَانِنَا المُسلمينَ المُستضعَفينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللهمَّ ضَمِّدْ جِرَاحَهُم، واجبرْ كَسرَهم، وَارحَمْ ضَعفَهُم وَقلَةَ حِيلتَهم، وَخَفِّفْ عَنهُم وَطَأةَ البَلاءِ، رَبَّنا لا تُزغْ قُلوبَنَا بَعدَ إذ هَديتَنَا، وَهَبْ لَنا مِن لَدُنكَ رَحمةً إنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ.
المرفقات
1732075081_شروط لا إله إلا الله.docx
1732075091_شروط لا إله إلا الله.pdf