شروط غرس القيم

احمد ابوبكر
1434/12/12 - 2013/10/17 17:34PM
أ. عمر السبع

إن برامج تربوية كثيرة، عجزت عن أداء دورها في غرس القيم في نفوس الأطفال؛ لأنها انشغلت فقط بالوسائل السلوكية لغرس القيم، وتناست أن هذه الوسائل لن تجدي نفعًا إلا إذا تحققت مجموعة من الشروط، وهذا ما يجعل التربية القيمية عملية كلِّية، تستلزم إجراء تغييرات كثيرة على عناصر العملية التربوية.

شروط غرس القيم

إن غرس القيم يحتاج لتوفر شروط معينة، حتى تتم عملية غرس القيم في جو ملائم، وبجودة عالية، ويتمثل ذلك في شرطين أساسيين:

الشرط الأول: توفير البيئة الداعمة.

الشرط الثاني: استخدام التوجيه والتعليم الإنساني.

وغاية ما يريده هذا المقال أن يشرح ويفصل كيفية تحقيق الشرط الأول بكفاءة عالية.

الشرط الأول: توفير بيئة تربوية داعمة


كثيرًا ما يحاول المربون أن يمارسوا التربية القيمية، ويستخدموا لذلك وسائل شتى، ولكن تبوء العملية بالفشل، نظرًا لعدم توفر البيئة التربوية الداعمة، فالأسباب وحدها لا تكفي في مهمتنا، وإنما لابد من البيئة الداعمة للأساليب المستخدمة.

وبالتالي؛ فإن الأطفال لن يستفيدوا من أية برامج تربوية ولا أساليب قيمية، إذا لم تتوفر البيئة الملائمة لنجاح هذه الأساليب.
فالأسرة على سبيل المثال، لها (دور كبير في تهيئة المناخ المناسب للأبناء، ليكتسبوا القيم الخُلقية الفاضلة، ويعتمد ذلك على جوانب كثيرة؛ منها: تهيئة المجال للابن بإبداء آرائه، والاستماع منه وحل مشاكله، ومزاولة الأنشطة الهامة لديه، وتهيئة الطفل للتعامل مع بيئته الخارجية؛ من خلال التخطيط والإنفاق والاستهلاك وحضور مجالس الكبار، مما يعطي الفرصة للطفل للممارسة العملية لتوجيهه للسلوك الصحيح، وتهذيب خلقه، وإكسابه القيم الإيجابية) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى].
وهنا نقول إن البيئة التربوية المدرسية لها تأثير عظيم على العملية التربوية؛ ومنها التربية القيمية، فالمدرسة تستطيع (أن تسهم إسهامًا فعالًا في بناء شخصية الفرد، بما تهيؤه له من مناخ صحي يساعد على النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية، وما يعنيه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة، وهذ يوضح أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريًّا، وإنما هو نظري تطبيقي) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى].

ومن خلال تتبع كلام العلماء يتبين لنا أن هناك أربعة أنواع من أساليب التنشئة، تختلف فيما بينها حسب درجة السيطرة التي يبديها الآباء أو المعلمون تجاه الأطفال.
الأسلوب الأول: الأسلوب الداعم
والذي يعتمد على الثقة المتبادلة بين المربِّي والطفل، ودعمه بالطرق المختلفة وتقديم العون له، مع الحزم والحسم في المواطن التي تحتاج إلى ذلك بلا قسوة، ويتميز هذا الأسلوب بالآتي:

· تقديم الحب والدعم للأطفال.
· يحمل توقعات مرتفعة لسلوكيات الأطفال، ومستوى تحصيلهم، ويضع ثقة كبيرة فيهم.
· يؤكد على وجود قواعد لا ينبغي تجاوزها، وتطبق بصورة متسقة.
· يقدم تفسيرات عن أسباب قبول وعدم قبول بعض التصرفات.
· يشرك الأبناء في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسرة.
· يوفر بيئة دافعة تشجع على تكوين تقدير للنفس مرتفع، وهو ما يجعل الطفل يعدِّل من سلوكياته السلبية، دون أن يحط ذلك من ثقته بنفسه.
وقد وجد العلماء أن الأبناء الذين يخرجون في هذه البيئات، يتميزون بالسعادة والثقة بالنفس والاستقلالية واحترام الآخرين، وغالبًا ما يكونون محبوبين وناجحين في دراستهم.

الأسلوب الثاني: الأسلوب المستبد

وهو الأسلوب الأكثر استخدامًا في عالمنا العربي والإسلامي للأسف الشديد، ويعتمد على أن تكون كلمة الأب أو المربِّي هي الكلمة العليا، مع إلغاء أو تهميش شخصية الطفل، ويتصف هذا الأسلوب بالآتي:
· بأن حرارة العواطف أقل بكثير من الأسلوب الأول.
· من يمارسونه يحملون درجة عالية من التوقعات والمعايير للأطفال.
· ويرسمون قواعد دون اعتبار لاحتياجات الأطفال.
· ويتوقعون اتباع القواعد دون سؤال أو استفسار.
· ولا يسمحون بنظرية الأخذ والعطاء في النقاشات مع الأبناء.
وقد وصل العلماء أن صفات الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئة تتلخص في مجموعة من الصفات السلبية؛ وهي أنه:
· غير سعيد.
· كثير القلق.
· ثقته بنفسه ضعيفة.
· يفتقد إلى المبادرة.
· معتمد على الآخرين.
· يفتقد إلى المهارات الاجتماعية.

الأسلوب الثالث: الأسلوب المتسامح أو المتساهل:

وهو أسلوب يكثر استخدامه من الآباء أو المربِّين الذين يتسمون بالعاطفة الجياشة والخوف على الأبناء، ويمكن أن نسميه بتدليل الأبناء، ويتصف هذا الأسلوب بصفات محددة؛ وهي:
يقدِّم هذا الأسلوب الحب والدعم بلا حساب.
يحمل توقعات منخفضة ومعايير سطحية لمستوى سلوكيات الأطفال.
نادرًا ما يلجأ إلى العقاب في مواجهة السلوكيات السلبية.
يسمح مستخدموه للأطفال بممارسة الكثير من قراراتهم، بغض النظر عن صحتها من خطئها.
وقد وجد العلماء أن الأطفال الذين يتخرجون من هذه البيئة يتصفون بالآتي:

الأنانية.
ضعف الحافز نحو العمل.
الاعتمادية على الآخرين.
التأبِّي على الطاعة.
العدوانية.

الأسلوب الرابع: الأسلوب المتجاهل:

وهذا الأسلوب يُستخدم من قِبل الآباء والأمهات المشغولين كثيرًا، سواء بالعمل أو بأشيائهم الخاصة، ويكون دور الأب فيه أو الأم هو تقديم الدعم المالي للأطفال فقط، ولا يتدخل إلا عند حدوث مشكلة كبيرة؛ ولهذا فإنه يتسم بمجموعة من الصفات؛ وهي:
· يقدِّم هذا الأسلوب مستوى متدني من الدعم العاطفي للأطفال.
· يحمل توقعات منخفضة ومعايير سطحية لمستوى كفاءة الأطفال في المستقبل.
· اهتمامه بالأطفال ضعيف للغاية.
· يركِّز أكثر على مشاكل الأطفال الشخصية.

وقد وجد العلماء أن الأطفال الذي ينشئون في مثل هذه البيئة يتصفون بالآتي:
· التأبَّي على الطاعة.
· الاحتياج الدائم.
· ضعف التحكم في النفس.
· ضعف القدرة على مقاومة الإحباط.
· يفتقدون للأهداف طويلة المدى.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن الأسلوب الداعم هو الأفضل وهو البيئة الأنسب التي من خلالها يمكن غرس القيم وتنميتها في نفوس أطفالنا.
(كما أن هذا الأسلوب يراعي المرحلة التطورية التي يعيشها الأطفال، فينتهج مبدأ التدرج في التنشئة؛ فكلما كبر عمر الأطفال وزاد تحملهم للمسئولية وارتفعت ثقتهم في أنفسهم، كلما قلَّل الوالدان من توجيهاتهم للأطفال، وتركوا لهم مساحات لممارسة حياتهم بأنفسهم، ولاتخاذ القرارات اليومية المتعلقة بهم.
بينما الأساليب الأخرى؛ إما تنتج أبناء يتسمون بالعدوانية، أو أبناء يتصفون بضعف الثقة بالنفس والاعتمادية على غيرهم؛ ولهذا فسنتناول الأسلوب الداعم بمزيد من التفصيل) [كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق].

ركائز الأسلوب الداعم:

1. يعطي أسباب :

أي أنه يمنح الأطفال ويعطيهم أسبابًا واضحة للسلوكيات المرغوب فيها، وغير المرغوب فيها، فالأسلوب الداعم لا يعتمد على مجرد النهي عن السلوكيات المرفوضة، ولا العقاب المترتب عليها، وإنما يتوجه لعقل الطفل ليخاطبه بأسباب كون هذا السلوك مرغوبًا فيه أو غير مرغوب فيه، كما أنه يقدِّم بدائل للسلوكيات التي يتم رفضها من قِبل الوالدين أو المعلم لا تتعرض فيها القيم إلى التنازع.
لأن الطفل (لا يرى سلوكه كما يراه المحيطون به؛ ومن ثَم فإن على الآباء أن يمكِّنوا الطفل من الحصول على معلومات دقيقة عن السلوك الذي أصدره، ويمكِّنوا الطفل من أن يرى سلوكه على نحو موضوعي) [ارتقاء القيم، عبد اللطيف محمد خليفة، ص(209)].
مثال واقعي:

(قامت الفتيات بمدرسة بدر بإفساد الرسومات الخاصة بالطالبة سمية، والتي تعبت في رسمها كثيرًا؛ مما أدى إلى بكائها.
فاستخدام الأسلوب الداعم هنا يكون بأن تجمع المعلمة الفتيات، ثم تحدثهن حول معاناة سمية وهي تحاول إنجاز هذه الرسومات طيلة أسابيع عديدة، وأن من الخطأ أن يقوم إنسان بتضييع مجهود إنسان آخر مهما كان السبب، وتقوم بعد ذلك بجعل الفتيات يساعدن سمية في رسم تلك الرسومات مرة أخرى، مع الاعتذار لها عما فعلنه) [ارتقاء القيم، عبد اللطيف محمد خليفة، ص(209)].

2. القدوة:

والمقصود به، توفير مجموعة من القدوات لمحاكاتهم في سلوكياتهم القيمية فالأسلوب الداعم يعتمد على إعطاء مساحة كبيرة من المحاكاة بين الأبناء والمربِّين في مختلف الأعمار؛ بسبب جوِّ الثقة المتبادل بين الطرفين، والذي يُشعِر الأطفال بقربهم من آبائهم أو معلميهم؛ وبالتالي يسهِّل انتقال السلوكيات القيمية من المربِّين إلى الأبناء، بينما الأساليب الأخرى تضع حواجزًا بين الأبناء والمربِّين تحوُل دون هذه المحاكاة الإيجابية.

واقتداء الأطفال بآبائهم أو معلميهم يعتمد على هذه الثقة المتبادلة، وعلى حجم الدفء الموجود في العلاقة بينهما، فقد (أوضحت نتائج الدراسات أن تبنِّي الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يُحاط بهما الطفل في علاقته بوالديه.

فنمو الضمير يتضمن عملية توحد Identification الطفل مع والديه، ويقوى هذا التوحد بينهما كلما كان الوالدان أشد رعاية وأشد حبًّا، أي أن الطفل الذي يتوحد بقوة مع الوالد؛ يكون أسرع بالطبع في تبنِّي المعايير السلوكية لذلك الوالد.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الطفل الذي يتمتع بعلاقة عاطفية دافئة مع الوالدين؛ يكون حريصًا على الاحتفاظ بهذه العلاقة، ويخشى دون شك من فقدانها، فالطفل يقلقه احتمال فقدان العطف والحب اللذين يتمتع بهما مع والديه؛ ولذلك فهو يحافظ على معاييره السلوكية حتى يقلل من حدة ذلك القلق.
وهكذا يتضح أهمية شعور الطفل بالقلق من فقدان الحب كعامل من العوامل التي يتضمنها والضمير.

على أن هذا الشعور بالقلق من فقدان الحب يتوقف على ما إذا كان هناك حب أصلًا، بعبارة أخرى، فإن الطفل الذي لا يشعر بحب والديه؛ لا يكون لديه ما يخشى على فقدانه، وبالتالي فإنه يصعب أن نتصور في هذه الحالة كيف يمكن أن يتمثل الطفل معايير المجتمع وقيمه!) [الأطفال مرآة المجتمع ... النمو النفسي والاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية، إسماعيل محمد عماد الدين، العدد(99)].
المشاهدات 1969 | التعليقات 0