شُرُوطُ الْوُضُوءِ وَفُرُوضُهُ وَنَوَاقِضُهُ 3 جمادى أولى 1434 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1434/05/01 - 2013/03/13 15:01PM
شُرُوطُ الْوُضُوءِ وَفُرُوضُهُ وَنَوَاقِضُهُ 3 جمادى أولى 1434 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ لِلإِسْلام , وَفَقَّهَ فِي الدِّينِ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْراً وَفَهَّمَهُ الأَحْكَام , أَحْمَدُهُ أَنْ جَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلأَنَام , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَّمَدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ الْمَبْعُوثُ لِبَيَانِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ , صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمُ الْكِرَام .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ رِفْعَةٌ وَفَضِيلَة , وَنُورٌ وَبَصِيرَة , فَمَنْ يُرِدِ اَللَّهُ بِهِ خَيْرًا, يُفَقِّهْهُ فِي اَلدِّين , وَخَاصَّةً فِي الأُمُورِ التِي يَحْتَاجُهَا الإِنْسَانُ دَائِماً , فَإِنَّ العِلْمَ بِهَا وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) صَحَّحَهُ الأَلْباَنِيُّ عَنْ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ [الجامع الصغير 3913]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ , وَطَهَارَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ , وَأَجْرٌ وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ , وَيْكَفِي فِيهِ شَرَفاً أَنَّ اللهَ تَوَلَّى تَفْصِيلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ أَتَمَّ الْبَيَانِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)
وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ مُتَكَاثِرَةً فِي فَضْلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَو الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ ، خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ المَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رَوَاهُ مُسْلِم .
وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ شَرْطاً لِصِحَّةِ الصَّلاةِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِن َّلِهَذَا الْوُضُوءِ شُرُوطاً وَفُرُوضاً , وَلَهُ نَوَاقِضُ إِذَا حَصَلَتْ انْتَقَضَ وَوَجَبَتْ إِعَادَتُهُ مَتَى أَرَادَ الْمَرْءُ عِبَادَةً يُشْرَعُ لَهَا الْوُضُوءُ .
فَأَمَّا شُرُوطُ الْوُضُوءِ فَهِيَ : الإِسْلامُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالتَّمْيِيزُ ، وَالنِّيَّةُ ، وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا : بِأَنْ لا يَنْوِيَ قَطْعَهَا حَتَّى تَتِمَّ الطَّهَارَةُ ، وَانْقِطَاعُ مُوجِبٍ ، وَاسْتِنْجَاءٌ أَوِ اسْتِجْمَارٌ قَبْلَهُ ، وَطُهُورِيَّةُ مَاءٍ ، وَإِبَاحَتُهُ ، وَإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ إِلَى الْبَشْرَةِ ، وَدُخُولُ وَقْتٍ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ .
فَهَذِهِ عَشْرَةُ شُرُوطٍ , وَنُوضِّحُهَا بِاخْتِصَارٍ , فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ مُسْلِماً لِيَصِحَّ وُضُوءُهُ , وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً لِيَعْرِفَ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ , وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَحَدُّه فِي الْغَالِبِ سَبْعُ سِنِينَ وَقَدْ يُمَيِّزُ الصَّغِيرُ قَبْلَهَا , فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ كَمَا لَوْ كَان َذَكِيَّاً فَطِينَاً , وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ , قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا بِدْعَةٌ , وَلابُدَّ كَذَلِكَ أَنْ نَحْذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْوَسْوَاسِ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا , وَمِمَّا يُلاحَظُ أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ الْوَسْوَاسُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَخَاصَّةً فِي النِّيَّةِ , فَيَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ : إِنَّكَ لَمْ تَنْوِ الْوُضُوءَ , أَوْ لَمْ تَغْسِلْ يَدَكَ أَوْ لَمْ تَمْسَحْ رَأْسَكَ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَاحْذَرْهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ وَلا تَطَاوِعْهُ ولا تُعِدْ وَضُوءَكَ أَوْ صَلاتَكَ مِنْ أَجْلِ الْوَسْوَاس , وَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْهُ .
وَأَمَّا شَرْطُ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ النِّيَّةِ فَمَعْنَاهُ : أَنْ لا يَنْوِيَ قَطْعَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ حَتَّى تَتِمَّ الطَّهَارَةُ ، وَبَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لا يَضُرُّكَ لَوْ نَوَيْتَ قَطْعَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ . وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْمُوجِبِ فَمَعْنَاهُ : أَنْ لا يَبْدَأَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَنْقَطِعَ بَوْلُهُ وَنَحْوُهُ كَمَا لَوْ كَانَ يَبُولُ وَالْمَاءُ بِقُرْبِهِ , وَهَذَا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ كِبَارِ السِّنِّ وَالْعَوَامِ , وَلا بُدَّ كَذَلِكَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَوْ يَسْتَجْمِرَ قَبْلَ الْبَدْءِ فِي الْوُضُوءِ . وَأَمَّا طُهُورِيَّةُ الْمَاءِ فَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ , فَلا يَصِحُّ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ , وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَصِحُّ مِنْ هَذَا الْمَاءِ , فَإِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءِ لَيْسَ مُبَاحَاً , فَوُضُوءَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لا يَصِحُّ , وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ مَعَ الإِثْمِ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ أَوْ الْغَصْبِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَلا بُدَّ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ إِزَالَةِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ إِلَى الْبَشْرَةِ ، فَلَوْ كَانَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ صِبْغٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ فَلا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهِ قَبْلَ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ .
وَلَكِنْ هَلْ الدُّهْنُ أَوْ الزَّيْتُ الذِي عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَمْنَعُ صِحَّتَّهُ أَمْ لا ؟ الْجَوابُ : فِيهِ تَفْصِيلٌ , فَإِنَّ كَانَ عَلَى الْجِلْدِ طَبَقَةٌ مِنَ الدُّهْنِ لَمْ يَصِحَّ , وَعَلامَةُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا أَمْرَرْتَ أُظْفُرَكَ عَلَى الْجِلْدِ خَرَجَ مَعَكَ الدُّهْنُ فِي أُظْفُرِكَ وَاضِحَاً , فَهُنَا لا يَصِحُّ الْوُضُوءُ حَتَّى تُزِيلَ ذَلِكَ الْمَانِعِ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُجَرَّدَ دُهْنٍ لَيْسَ لَهُ طَبَقَةٌ فَيَصِحُّ الْوُضُوءُ , حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْزِلُ إِذَا مَرَّ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ .
وَأَخِيرَاً فَمَنْ كَانَ حَدَثُهُ دَائِمَاً يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْوَقْتِ لِيَصِحَّ وُضُوؤُهُ , فَلَوْ كَانَ الإِنْسَانُ مَعَهُ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ , وَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِلْفَرِيضَةِ فَيَنْتَظِرُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ لَهَا , ثُمَّ لا يَضُرَّهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ هَذَا النَّاقِضِ الذِي هُوَ مُصَابٌ بِسَلَسٍ فِيهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا فُرُوضُ الْوُضُوءِ فَهِيَ سِتَّةٌ : غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْفَمُ وَالأَنْفُ مِنْهِ , وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ , وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَمِنْهُ الأُذُنَانِ , وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ , وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ .
وَأَخِيرَاً : الْمُوَالاةُ , وَمَعْنَاهَا : أَنْ لا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَّ الذِي قَبْلَهُ .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ , فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ , فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ , ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً , وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا , ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ , ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا , ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، وَقَالَ ( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ التَّوَّابِينَ , وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ , وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ , الْحَلِيمِ الْعَظِيم , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم , وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الوُضُوءَ لَهُ نَوَاقِضُ إِذَا حَصَلَتْ بَطَلَ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ أكَانَ الإِنْسَانُ مُتَعَمِّدَاً أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ , وَسَوَاءٌ أكَانَ جَاهِلاً أَوْ عَالِمَاً , وَهِيَ : الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ ,
وَالنَّوْمُ المُسْتَغْرقُ , وَزَوَالُ الْعَقْلِ ، وَمَسُّ الْفَرْجِ بِالْيَدِ قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرَاً ، وَأَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِسْلامِ أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَلِكَ .
فَأَمَّا الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ نَاقِضٌ مُطْلَقَاً سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادَاً أَوْ نَادِرَاً , فَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالدَّمُ كُلَّهُا تَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرَاً , وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَصَاةٌ أَوْ شِبْهُهَا فَيَبْطُلُ وُضَوءُهُ .
وأما النَّوْمُ المُسْتَغْرقُ فَهُوَ الذِّي فَقَدَ مَعَهُ الإِحْسَاسَ بِمَا حَوْلَه , وَأَمَّا النَّوْمُ اليَسِيرُ وَالنُّعَاسُ فَلا يَنْقُضُ عَلَى الأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيِ العُلَمَاء .
وَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ فَيَنْقُضُ مُطْلَقَاً حَتَّى لَوْ كَانَ لِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ لِأَنَّهُ لا يَدْرِي مَا خَرَجَ مِنْهُ , فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ بِسَبَبِ صَرَعٍ أَوْ بَنْجٍ أَوْ سُكْرٍ فَإِنَّ وُضُوءَهَ يَنْتَقِضُ .
وَأَمَّا مَسُّ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ , وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ يَمَسَّ الْفَرْجَ بِشَهْوِةٍ , وَلا يُطْلَقُ الْمَسُّ إِلَّا عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ سَوَاءٌ أكَانَ بِظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا , وَأَمَّا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ غَيْرِهِ قُبُلاً كَانَ أو دُبُرَاً بِغَيْرِ الْكَفِّ فَلا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ , وَأَمَّا إِذَا غَسَلَتِ الْمَرْأَةُ طِفْلَهاَ وَمَسَّتْ فَرْجَهُ فَالصَّوَابُ أَنَّ وُضَوءَهَا لا يَنْتَقِضُ .
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنَ النَّوَاقِضِ : أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ , وَالْمُرَادُ بِالْجَزُورِ الإِبِلُ , فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ أَكَلَ لَحْمَاً أَوْ شَحْمَاً أَوْ كَرْشَاً أَوْ كَبِدَاً , وَأَمَّا حَلِيبُ النَّاقَةِ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ , لَكِنْ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَمَضْمَضُ بَعْدَ شُرْبِ الْحَلِيبِ لِأَنَّ لَهُ دَسَمَاً .
وَأَمَّا لَمْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ الْقَيْءُ فَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ أَنَّه لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِعَدِمِ الدَّلِيلِ .
وَيَنْبَغِي التَنْبِيهُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ , بِمَعْنَى : أَنَّ حَالَهُ السَّابِقَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ هِيَ الْبَاقِيَةُ , فَمَثَلاً : لَوْ تَوَضَّأَ لِلْمَغْرِبِ فَلَمَّا جَاءَ الْعِشَاءُ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لا ؟ فَهُنَا نَقُولُ : َأنْتَ عَلَى وُضُوءٍ , فَصَلِّ وَلا عَلَيْكَ , وَأَمَّا لَوْ قَالَ : إِنَّنِي بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ نَقَضْتُ وُضُوئِي لَكِنَّنِي لا أَدْرِي هَلْ تَوَضَّأْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لا ؟ فَنَقُولُ : اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلاةُ وَالطَّوَافُ , وَلَوْ فَعَلَ مُتَعَمَّدَاً أَثِمَ وَبَطُلَتْ صَلاتُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ , وَبَطُلَ طَوَافُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ , وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيَاً أَوْ جَاهِلاً فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ صَلاتُهُ بَاطِلَهً وَطَوَافُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً وَرِزْقَاً حَلالاَ , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ .
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ , كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللهُ , فَمَنْ صَلَّى عَلِيْهِ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ بِهَا عَشْرَاً ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ , اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
المرفقات
شُرُوطُ الْوُضُوءِ وَفُرُوضُهُ وَنَوَاقِضُهُ 3 جمادى أولى 1434 هـ.doc
شُرُوطُ الْوُضُوءِ وَفُرُوضُهُ وَنَوَاقِضُهُ 3 جمادى أولى 1434 هـ.doc
المشاهدات 2725 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
ابو عبدالله التميمي
اللهم يامعلم ابراهيم علمنا ويامفهم سليمان فهمنا.موفق ياشيخنا وبارك الله في علمك.
تعديل التعليق