شروط العباءة الشرعيّة. 2 / 11 / 1445

أحمد بن ناصر الطيار
1445/11/01 - 2024/05/09 05:43AM

الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء النجباء، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى أن يرث الله الأرض والسماء:

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ هذا الدين جاء بأحسن الشرائع، وأكمل الآداب، التي تكون سببًا في صلاح الأفراد والمجتمعات، والإخلال بها يؤدي إلى المفاسد العظيمة، والأضرار الجسيمة.

ومن هذه الشرائع والآداب: لبسُ المرأة للجلباب عند الرجال الأجانب، فهو يقطع أسباب الفتنة, والمرأةُ من أعظم الفتن على الرجال, فقد ثبت في الصحيحين أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ".

وهذا الجلباب له شروط مذكورة في الكتاب والسنة، والواجب على كل امرأة تقيّة أن تلتزم بها، وألا تخلّ بأحد منها.

فأما الشرطُ الأول: فهو أنْ يستُر الحجابُ جميعَ البدن, والأدلة على ذلك كثيرة, يكفي منها قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} أي يُلقين بالخمار إلقاءً محكماً, على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر.

 وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ, لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: أي: غطين وجوههن. ا.ه

وقال العلاَّمةُ الشنقيطيُّ رحمه الله تعالى: وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّسَاءَ الصَّحَابِيَّاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهِ, فَهِمْنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ، يَقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ ، وَأَنَّهُنَّ شَقَقْنَ أُزُرَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ ، أَيْ : سَتَرْنَ وُجُوهَهُنَّ بِهَا, امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الْمُقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ.. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ ، مِمَّنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ, أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ, مَا يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنِ الْأَجَانِبِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ فَعَلْنَ ذَلِكَ, مُمْتَثِلَاتٍ أَمْرَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِيمَانًا بِتَنْزِيلِهِ. ا.ه

الشرط الثاني: (أن لا يكون زينة في نفسه)؛ لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور: {ولا يبدين زينتهن}، فهي منهيّة أنْ تُظهر زينةَ بدنِها أو لباسِها للرجال الجانب.

والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة.

وقد ظهر في الآونةِ الأخيرة: عباءاتٌ هي في ذاتها جمالٌ وزينة, فبعضُها تحملُ ألواناً فاتنةً لافتة, وبعضُها واسعةُ الأكمام, وبعضُها مُجمَّلةٌ بالزخارفِ والعلامات,  ومثلُ هذه لا يجوزُ لُبسُها وبيعُها.

الشرط الثالث: (أن يكون كَثِيفًا وَاسِعًا)؛ لأن الستر لا يتحقق إلا به، وأما الشفاف والضيّق فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». رواه مسلم (2128).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ : {كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ} بِأَنْ تَكْتَسِيَ مَا لَا يَسْتُرُهَا, فَهِيَ كَاسِيَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عَارِيَةٌ, مِثْلُ مَنْ تَكْتَسِي الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الَّذِي يَصِفُ بَشَرَتَهَا, أَوْ الثَّوْبَ الضَّيِّقَ الَّذِي يُبْدِي تَقَاطِيعَ خَلْقِهَا, مِثْلَ عَجِيزَتِهَا وَسَاعِدِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ, وَإِنَّمَا كُسْوَةُ الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا فَلَا يُبْدِي جِسْمَهَا, وَلَا حَجْمَ أَعْضَائِهَا, لِكَوْنِهِ كَثِيفًا وَاسِعًا. ا.هـ [مجموع الفتاوى 22/ 146]

الشرط الرابع: (أن لا يكون مطيَّباً)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربنَّ طيباً)) رواه مسلم.

فإذا نُهيت المرأة عن الطيب وهي قاصدة الصلاة في بيت الله، فالنهي أشدّ إذا قصدت الأسواق والأماكن التي يكون فيها الرجال.

الشرط الخامس: (أن لا يُشْبِه لباس الرجل)؛ لِمَا رواه البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه – أنه قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ).

نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه، إنه سميع قريب مجيب.

****************

 
 
الحمد لله على إحسانه، والشكر له ‌على ‌توفيقه وامتنانه، وصلى الله وسلم على محمدٍ عبدِه ورسولِه الدّاعي إلى رضوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا, أما بعد:
إخوة الإيمان: وأما الشرط السادس: فهو (أن لا يشبه لباس الكافرات)؛ لما ثبت في الكتاب والسنة من النهي عن التشبه بهم.

والشرط السابع: (أن لا يكون لباس شهرة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه الإمام أحمدُ (5664) وحسنه الألباني.

ولباس الشهرة: هو كل ثوبٍ يُقصد به الاشتهار بين الناس.

هذا - يا أمَة الله- هو التفصيل فيما يجب عليك لُبسه أمام الرجال الأجانب، فاتق الله والتزمي شرع الله، ولا تخالفيه لأي سبب من الأسباب، ولا يجوز التمسك بالعادات إذا كانت مخالفة لدين الإسلام.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا}.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفِّق إمامنا ووليّ عهده لهداك، واجعل عملهما في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1715222632_شروط العباءة الشرعيّة.pdf

المشاهدات 426 | التعليقات 0