شركيات منتشرة في أوساط عامة المسلمين

محمد المطري
1446/02/07 - 2024/08/11 09:20AM

شركيات منتشرة

الحمد لله الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، سبحانه هو الواحد الأحد الصمد، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111]، هو العلي العظيم الكبير، الأعز الأكرم الأكبر، له ما في السماوات وما في الأرض، خالقُ كلِّ شيء، ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 93 - 95].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، إمامُ الموحدين، ورسولُ رب العالمين، أرسله الله بالتوحيد بشيرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته. أما بعد:

فإن أعظمَ ما أمر الله به التوحيد، وأعظمَ ما نهى الله عنه الشرك، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وإن أظلم الظلم، وأعظم الإثم: الإشراك بالله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72] وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116]، وقد حذر الله كل نبي من الشرك كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: 65، 66].

وأخبر الله أن أكثر من يؤمن به يقع في الشرك فقال: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾، سواء كان شركًا أكبر أو أصغر، فالأمر خطير، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشرك في أمّتي أخفى من دبيب النمل على الصفا))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً؟)). فعلى المسلم أن يخاف على نفسه من الشرك كبيرِه وصغيرِه، وهذه بعض صور الشرك المنتشرة بين أوساط المسلمين:

الاستغاثة بغير الله تعالى: فمن الناس من يدعو القبور والأولياء، ويستغيث بهم عند الشدائد، وهذا شركٌ أكبرٌ مخرج من الملة، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 5، 6]، فالدعاء هو العبادة، ومن صرفه لغير الله فقد عبد غير الله وأشرك مع الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدعاء هو العبادةُ))، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

ومن الشرك القولي: قول بعضهم: دخلت على الله وعليك، ما لي إلا الله وأنت، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض، وقول: ما شاء الله وشئت، ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان)).

ومن الشرك: نسبة النعمة إلى إنسان، أو إلى بقعة، أو إلى فعل فاعل، أو إلى صنعة، أو إلى مخلوق، وكل ذلك من نسبة النعم إلى غير الله، وهو نوع من أنواع الشرك الأصغر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [البقرة: 22] قال: (الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صخرة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتِك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلان، هذا كله شرك).

ومن أسباب الشرك: الغلو في قبور الصالحين، فمجاوزة الحد في قبور الصالحين سببٌ لتعظيمها وعبادة أصحابها، والغلو في القبور يكون برفعها، أو بالبناء عليها، أو باتخاذها مساجد، وكل هذا من الوسائل المؤدية إلى الشرك الأكبر، ومن صور الغلو في قبور الصالحين أن تُجعل وسيلة من الوسائل التي تقرب إلى الله أو أن يُتخذ القبر أو مَن في القبر شفيعًا عند الله، ووصل الحال ببعض المفتونين بالقبور أن يدعو الميت أو ينذر له، أو يذبح له، أو يستشفع به أو يتمسح بترابه وجدرانه اعتقادًا أن ذلك ينفعه، ولا فرق بين التبرك بالقبور أو التبرك بالأشجار والأحجار، وكله من الشرك.

ومن الشر الاعتقادي: اعتقاد أن غير الله بيده الضر أو النفع، قال سبحانه: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: 17]، وقال عز وجل: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 38].

أيها المسلمون، ومن الشرك: السحر والكهانة، والذهاب إلى المشعوذين والمنجمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزِل على محمد)).

ومن الشرك: الحلف بغير الله تعالى، كالحلف بالنبي أو بجاهه، وقول بعضهم: وحياة أبيك، وقول بعضهم: بشرفي، والحلف بالأمانة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بغير الله فقد أشرك))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فليس منا))، فلا يجوز أن تحلف إلا بالله تعظيمًا له، وأنت صادق، ولا تُكثِر من الحلف بالله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفًا فليحلِف بالله أو ليسكت))، فلا تحلف بغير الله سبحانه، ومن ذلك الحلف بالطلاق والحرام، وهذا مشهور عند كثير من الناس، والله المستعان.

ومن الشرك: الذبح لغير الله تعالى، وهو من الشرك الأكبر؛ لأن الذبح عبادةٌ لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، فقد أمرنا الله أن نذبح له، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ﴾ [الأنعام: 162، 163]، وقال سبحانه: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، فمن ذبح لله فقد عبد الله، ومن ذبح لغير الله تعالى فقد أشرك بالله، كالذبح للقبور والأولياء تقربًا إليهم، والذبح للجن تقربًا إليهم من قِبَل السَّحرةِ والمشعوذين أو من يُطيعهم من الجهال الذين يأتون إليهم طلبًا للشفاء، ومن ذلك الذبح عند بناء البيت بنية صرف الشياطين، وتلطيخ دم الذبيحة على قواعد البناء عند تأسيسه أو بعد الانتهاء من بنائه؛ من أجل حمايته من الجن، وهذا كله شرك لا يجوز.

ومن الشرك: النذر لغير الله، فالنذر عبادة لله لا يجوز صرفها إلا لله وحده، فالعبادات كلها لله، كالقيام مع الخشوع والركوع والسجود، وصرف أي عبادة لغير الله شرك.

ومن الشرك: التعلق بالأسباب من دون الله تبارك وتعالى، والواجب التوكل على الله وحده، فيتعلق القلب بالله وحده مع الأخذ بالأسباب الشرعية، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].

ومن الشرك: التطير، وهو التشاؤم ببعض الأيام أو الشهور أو الطيور أو الأسماء أو الألفاظ أو البقاع وغيرها، فبعض الناس يتشاءم بيوم معين كالأربعاء أو يتشاءم بشهر صفر أو يتطير إذا رأى غرابًا أو غيره من الطيور أو إذا سمع اسمًا أو مر بقعة، وهذا كله مخالف للتوحيد والتوكل على الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطِّيَرةُ شِرْك)).

ومن الشرك: اتخاذ حلقةٍ أو خاتمٍ أو حبلٍ أو أيِّ حرزٍ لجلب الخير أو دفع الشر، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الرُّقى والتَّمائمَ والتِّوَلةَ شرك))، والتِّوَلةُ شيءٌ تصنعه بعض النساء لأزواجهن لزيادة المحبة، وهذا من الباطل والشرك.

أيها المسلمون، ومن الشرك: قول بعض الجهلة: (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا)، ومُطرنا بالنجم الفلاني، وإذا أراد بذلك أن النجم هو الذي أحدث المطر وأنه المتصرف في الكون فهذا شرك أكبر، وإن كان قصده أن النجم سبب للمطر فهذا شرك أصغر، فليس للنجوم أيُّ سببٍ ولا أثرٍ في نزول الأمطار، بل المطر ينزل بأمر الله ورحمته ومشيئته، يصيب به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، والمشروع عند نزول المطر أن يقال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته.

ومن الشرك: اعتقاد تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس، والتنجيم: هو الاستدلال بالأحوال الفلَكية على الحوادث الأرضية، فينظر المنجم في النجوم واجتماعها وافتراقها وطلوعها وغروبها وتقاربها وتباعدها بدعوى علم الغيب، وهذا كله من الباطل والشرك، فلا يعلم الغيبَ إلا الله وحده، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: 179]، وأمر الله نبيه محمدًا أن يبين للناس أنه لا يعلم الغيب، وإنما أطلعه الله على بعض الغيب مما شاء الله أن يطلعه عليه كأخبار الأمم الماضية وعلامات الساعة وما يكون يوم القيامة، ونحو ذلك، قال الله سبحانه: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 188]، ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: 25 - 27]، ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: 46].

أيها المسلمون، ومن الأخطاء اللفظية قول بعض الناس: شاءت الأقدار، أو شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا، وهذا قولٌ منكرٌ لا يجوز؛ لأن الظروف أو الأقدار لا تشاء شيئًا، وإنما المشيئة والأقدار بيد الله تبارك وتعالى وحده.

ومن الأخطاء القولية المنتشرة في الوسائل الإعلامية: نسبة الكوارث إلى أسبابها الطبيعية، لا إلى الله المتفرد بالخلق والتدبير في الكون، فالزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير كلها بتقدير الله ومشيئته، فلا يصح نسبتها إلى الطبيعة كما يقول الجاهلون.

ومن الأخطاء: قول الإنسان إذا حصل له أمرٌ يكرهه: لو أنني فعلت كذا لكان كذا وكذا، وهذا الاعتراض محرم، والواجب الرضا بالقضاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ اللهِ وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).

اللهم اهدنا لما اخْتُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وارزقنا عبادتك بإخلاص، ونعوذ بك أن نشرك بك شيئًا ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم.


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي لا يستحق العبادة إلا هو وحده، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

أيها المسلمون، علينا أن نُعظِّم اللهَ حق تعظيمِه، ونعرفَ قدْره وعظمتَه، فنعبدَه وحده لا شريك له، ونحذرَ من جميع صور الشرك، ومن أعظم الأخطاء التي تؤدي بصاحبها إلى الشرك والكفر: موالاة الكفار، والموالاة هي المحبة بالقلب والنصرة بالفعل والقول، وهذه الصفة مناقضة لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام؛ لأن الكفار أعداءٌ لله ولرسوله وللمؤمنين، فكيف يحبهم المسلم ويناصرهم؟!

وهناك صور شائعة لأنواع من موالاة الكفار منها:

·       محبة الكفار، وذلك يكون غالبًا بسبب كثرة الاختلاط بهم في بلادهم أو في بلاد المسلمين، وكثرةِ مشاهدتهم في وسائل الإعلام، والواجب بغضهم لكفرهِم بالله ورسوله، وتكذيبِهم بالقرآن، وتركِهم عبادةَ الله وحده والعملَ بشريعته، اتباعًا للأهواء أو تقليدًا للآباء أو انشغالًا بالدنيا والشهوات والمغريات، قال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4].

·       ومن ذلك: السفرُ إلى بلاد الكفار لغير حاجة ولا ضرورة، والبقاءُ في بلادهم مع الوقوع في الفتنة.

·       ومن ذلك: التعلقُ ببعض الكفار من اللاعبين والمغنين والممثلين والسياسيين.

·       ومن ذلك: الثناء على الكفار وتلميع أحوالهم بما يؤدي إلى احتقار المسلمين.

·       ومن ذلك: مناصرة الكفار ومعاونتهم ضد المسلمين، وهذه ردة عن الدين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 51 - 56].

أيها المسلمون، يجب على كل مسلم أن يوالي جميع المؤمنين من السابقين والتابعين والمعاصرين، كما قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، فيُحب المسلمين، ويناصرهم على الحق، ويتعاون معهم على إقامة الصلاة وشعائر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز الاستهزاء بالصالحين وبشعائر الإسلام، كالصلاة أو اللحية أو غير ذلك مما ورد في القرآن أو السنة، قال الله تعالى عن المنافقين: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 65، 66]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: 28، 36].

أيها المسلمون، ومن الشرك: طاعة الكُبَراء في تغيير أحكام الله، وهذا شركٌ أكبر؛ لأن التحليل والتحريم حقٌّ لله تعالى وحده، فجعلُه لغير الله شركٌ ورِدة، قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: 21]، وقال سبحانه عن أهل الكتاب من قبلنا: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31]، فذكر كفرَهم بسبب طاعتِهم لكبرائهم في تحليل ما حرَّم الله، وتحريمِ ما أحل الله، فالحلالُ ما أحلَّه الله، والحرامُ ما حرَّمه الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 ومن الشرك: الحكمُ بغير ما أنزل الله تعالى، وفصلُ الدين عن الدولة، ورفضُ بعضِ أحكام الشريعة، قال الله سبحانه: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 40]، فخلاصة الإسلام شيئان: أن يكون الحكم لله وحده، وأن نعبد الله وحده، وفي ذلك صلاحُ الناس في دينهِم ودنياهم وآخرتِهم.

ومن الشرك: عبادة الهوى، واتخاذه إلهًا من دون الله، كمن يترك الصلاة وطاعة الله انشغالًا بدنياه واتباعًا لهواه، قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 43، 44].

أيها المسلمون، يجب علينا أن نستسلم لله بالتوحيد، ونخلصَ له العبادة والنية، ونحذرَ من الشرك في الإرادات والنيات، فمن أراد بعمله الصالح غير وجه الله، ونوى بعمله غير التقرب إلى الله فقد أشرك في نيّتِه وإرادته، ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصًا له، والرياءُ يُحبط الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ وفي الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك، من عَمِل عملًا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشِركَه)).

اللهم ارزقنا التوحيد الخالص، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك، ونعوذ بك من الشرك والرياء والسمعة، اللهم اجعلنا من الموحدين المخلصين، الصالحين الصادقين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم وجَّهنا وجوهَنا إليك، ربنا آمنا بما أنزلتَ واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ونبرأ إليك من كل الكفار والمشركين، ونبرأ إليك من كل شرك ورياء، اللهم لك نصلي، ولك نركع ونسجد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اهدنا وجميعَ المسلمين، واغفر لنا أجمعين، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واهدنا الصراط المستقيم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، إنك تهدي من تشاء، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1723357249_شركيات منتشرة.docx

1723357249_شركيات منتشرة.pdf

المشاهدات 325 | التعليقات 0