شرح صدور المسلمين بكفاية الله لسيد المرسلين

عبدالله بن رجا الروقي
1436/04/02 - 2015/01/22 20:05PM
أما بعد فإن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من آكد فروض الدين ومن لم يكن معظما للنبي صلى الله عليه وسلم التعظيم الشرعي فليس من المسلمين بل لاقيام للدين بدون ذلك ، قال تعالى: ( إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً) فتعزيره هو القيام بنصرته, وتوقيره هو تعظيمه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: " إن قيام المدحة والثناء عليه ، والتعظيم والتوقير له ، قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".
وكل مسلم يجب عليه أن يحب النبي ﷺ أعظم من محبته لولده ، ووالده والناس أجمعين قال ﷺ : لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. متفق عليه.
ولهذا كان من أعظم ما تضيق به صدور المسلمين ، ويستشيطون له غضبًا أن يستهزئ أحد بنبيهم ﷺ ، ولكن أقول ماقاله الله عز وجل حين وقع من وقع في عرض النبي ﷺ في حادثة الإفك ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ)
ولله الحكمة البالغة فيما يقدره سبحانه وتعالى.
معاشر المسلمين إن في كتاب الله الهدى والنور والبيان لعاقبة من تعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد جاء شيء من ذلك في آخر سورة الحجر يقول الله تعالى
( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ * )

وهنا وقفات مع هذه الآيات :
قوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين : الكفاية هي تولي الكافي مهام المكفي؛ فمعنى الآية: كفيناك الانتقام منهم، وإراحتك من استهزائهم.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: وهذا وعد من الله لرسوله، أنلا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.ا.هـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول 2/316-318: (ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه ... وهذا -والله أعلم- تحقيق لقوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر)؛ فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره ... ومن الكلام السائر: "لحوم العلماء مسمومة"؛ فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام؟ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة)؛ فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حارب الله تعالى حُرِب ... ولعلك لا تجد أحدا آذى نبيا من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولا بد أن تصيبه قارعة، وقد ذكرنا ما جربه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة، وهذا باب واسع لا يحاط به). انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
ثم عقّب سبحانه على قوله إنا كفيناك المستهزئين بذكر وصف هؤلاء المستهزئين حيث قال تعالى : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، وهذا فيه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام وتهوين للخطب عليه بأنهم ما اقتصروا على الافتراء عليه؛ بل قد افتروا على الله؛ وهذا أشد وأعظم.
ثم جاء الوعيد بعد ذلك: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، ولم يذكر الله ماالذي سيعلمونه تعظيما وتهويلا، والمعنى معلوم: أي سوف يعلمون جزاء بهتانهم وبغيهم واستهزائهم.
وتأمل حرف التنفيس (فَسَوْفَ) يدلك على أن الحكمة تقتضي تأخير إنزال الوعيد وإمهالهم قليلا، وهذا كقوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
ثم قال سبحانه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ)؛ فهو عليه الصلاة والسلام -بحكم الجبلة الإنسانية- يضيق صدره باستهزائهم ، وكذلك المسلمون الذين يفدُّونه بأرواحهم ويحبونه أعظم من محبة الوالد والولد لا شك أنه تضيق صدورهم وتمتلئ غيظا باستهزاء الكفار بنبيهم ﷺ .
وتأمل قوله جل في علاه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ) تجد فيه ما فيه من طمأنته عليه الصلاة والسلام، وطمأنة أمته من بعده؛ فالله يعلم ما كان منهم، وله في تقديره حكمة عظيمة.
ولو أنعم المسلمون النظر لرأوا عقيب كل محنة استهزاء وسخرية يمتحنون فيها وتتألم لها أفئدتهم - منحةً كبيرة، وفتحا عظيما، وذُلا للمشركين، (وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ).

ثم ختم سبحانه السياق والسورة بوصية عظيمة له عليه الصلاة والسلام -وهي لأمته من بعده-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ): التسبيح والذكر، والسجود والصلاة، ومداومة الطاعة والثبات عليها - فبها دواء الفؤاد وشفاء الصدر، وهي -أيضا- من أسباب الانتقام من أولئك الفجرة، وفي النسائي بسند صحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).
قال العلامة الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان:
اعلم أن ترتيبه - جل وعلا - الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره - صلى الله عليه وسلم - بسبب ما يقولون له من السوء، دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه؛ ولذا كان - صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة. وقال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة الآية.. ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، من حديث نعيم بن همار - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره"، فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه؛ أن يفزع إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من صلاة وغيرها. انتهى

الخطبة الثانية
أما بعد فإن على المسلمين البحثٓ عن الطرق المناسبة للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا عن ردود الأفعال غير المدروسة والتي ربما تكون محرمة أيضا.
ولهذا أذكر هنا بعض الطرق لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة هذه الافتراءات الآثمة:
أولها: حصر الشبهات الواردة والتهم الباطلة التي تضمنها الاستهزاء بالنبي ﷺ والرد عليها ردا علميا وافيا بالمقصود ويكون الرد من قبل أهل العلم الراسخين حتى لايكون الرد ضعيفا فيكون سببا في الصد عن دين الله.
ثانيها: بيان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين وبلغاتهم المتعددة وبيان أخلاقه الكريمة وصفاته الحميدة.
ثالثها: ذكر أقوال المنصفين من الغربيين من غير المسلمين في حق نبينا صلى الله عليه وسلم , وهم كثر ولهم مناصب رفيعة من سياسيين وأدباء
ومؤرخين ومفكرين ونشرُ هذه الأقوال بالطرق المتاحة.
رابعها : استغلال هذا الحدث – وإن كان مؤلما- في التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن هذه الأحداث المؤلمة ينشأ عنها أسئلة لدى المتابع الغربي فطبيعة الحدث توجب انتهاز الفرصة لدعوتهم إلى الإسلام بتعريفهم به وبالنبي الذي جاء برسالة الإسلام ﷺ .
والواجب أن تستغل جميع الوسائل الإعلامية الحديثة من قنوات فضائية وشبكات للتواصل الإجتماعي كتويتر والفيسبوك واليوتيوب في الدفاع عنه ﷺ .
وعلى المسلمين أيضا استغلال هذا الحدث فيمابينهم في مدارسة سيرته صلى الله عليه وسلم وتكثيف الدروس والخطب والمحاضرات والكلمات في بيان سنته وهديه وإشاعة كلماته النيرات واستخلاص العبر والفوائد منها.
وليعتن المتكلم عن سيرته في بيان أصل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
وهو الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك والولاء والبراء على هذا الأصل الذي لاتصح عبادة ولادعوة كائنة ماكانتإلا به , ويذكر الأدلة
على ذلك ليكون المسلمون على بصيرة من دينهم , وعليه أن يبين للناس الواجب عليهم تجاه نبيهم وأنه لاطريق إلى الله عزوجل إلا باتباعه وطاعته فيما أمر واجتناب مانهى عنه والتحذير من مخالفته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (قُلْإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْلَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِوَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَيَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةًوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
اللهم انصر نبيك ﷺ فإنه لاحول لنا ولا قوة إلا بك
اللهم اجمعنا به ﷺ في الفردوس الأعلى وارزقنا اتباعه ظاهرا وباطنًا....



* بعض هذه الخطبة مستفاد من مقال: (إنا كفيناك المستهزئين) لـ ا.د. صالح سندي ، وهذا رابط المقال
http://www.salehs.net/mk20.doc
المرفقات

642.doc

المشاهدات 1683 | التعليقات 0