شرح حديث (تعوذوا بالله من جهد البلاء ...)
باسم أحمد عامر
الخطبة الأولى:
وبعد،
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ"،
هذا الدعاء الجليل من جوامع الكلم التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جمع الاستعاذة من جميع الشرور في الدين والدنيا،
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهذا الدعاء، ويأمر به، مما يدلّ على أهمّيته، لما احتواه من عظيم الاستعاذات، وشمولها وعمومها، في أمور الدين والدنيا والآخرة،
فأول هذه الأمور الأربعة التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم: الاستعاذة بالله من جهد البلاء، أي شدّة البلاء ومشقّته، الذي لا طاقة للعبد بتحمله، ولا قدرة له على دفعه، سواء كان هذا البلاء جسدياً؛ كالأمراض والأسقام، أم كان بلاء معنوياً؛ كأن يُسلِّط على الشخص من يؤذيه بالسبّ والشتم، والغيبة والنميمة والبهتان، وغيرها،
فالاستعاذة من جهد البلاء تشمل جميع الابتلاءات بشتى أنواعها وأشكالها،
فيدخل في جهد البلاء: المصائب والفتن التي تجعل الإنسان يتمنى الموت بسببها،
ويدخل فيها: الأمراض التي لا يقدر الإنسان على تحملها أو علاجها،
ويدخل فيها: الديون التي لا يستطيع العبد وفاءها،
فكل ذلك يدخل في جهد البلاء، الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم،
وثاني الأمور التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم: الاستعاذة بالله من دَرَك الشقاء، أي نعوذ بالله من أن يدركنا الشقاء، والشقاء ضد السعادة، والسعادة سببها العمل الصالح، أما الشقاء فسببه العمل السيئ، فالاستعاذة بالله من درك الشقاء يتضمن الاستعاذة من الأعمال السيئة،
ثم الأمر الثالث الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم: الاستعاذة بالله من سوء القضاء، وسوء القضاء هو ما يصيب المؤمن مما يسوءه ويحزنه، ويكرهه ولا يحبه، ويشمل ذلك ما يصيب المؤمن في نفسه وماله وأهله وولده وخاتمته ومعاده،
إلا أن المؤمن إن أصابه شيء من تلك الأقدار، وجب عليه الصبر والاحتساب، وعدم الجزع والاعتراض على حكم الله، كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)،
ثم الأمر الرابع والأخير: الاستعاذة بالله من شماتة الأعداء، وشماتة الأعداء هي فرح الأعداء بما يصيب المسلم من مصائب وأحزان وأكدار، فمعنى الدعاء أي: نعوذ بك يا الله من مصيبة في ديننا أو دنيانا يفرح بها أعداؤنا، فالأعداء يفرحون بما ينزل على المسلم من مكروه وسوء، كما قال جل وعلا: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا)، فشماتة الأعداء تحزن القلب، وتؤذي المشاعر، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نستعيذ من شماتة الأعداء،
عباد الله، هذا الدعاء العظيم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ)، من جوامع الأدعية النبوية، التي ينبغي على المسلم أن يحفظها، ويدعو الله تعالى بها، عسى الله أن ينفع بها كل مسلم،
أقول قولي هذا،،،
الخطبة الثانية:
وبعد،
من أعظم الأسباب الجالبة: "لجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء"، هي الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، قال المفسرون : أي بذنبك، وكما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)،
فمن أراد العافية من الشر والسوء فعليه بالبعد عن الذنوب والمعاصي، وعن كل ما يغضب الله تعالى، وعليه بكثرة التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله جل وعلا،
فبالتوبة والاستغفار يكشف الله البلاء والمصائب، فإنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة،
هذا وصلوا على الحبيب،