شرح حديث أم زرع الجزء الثاني | د. محمد العريفي
مكتب الشيخ د. محمد العريفي
خطبة حديث أم زرع ( الجزء الثاني )
إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ تعالى من شُرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ له ، و أشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَه ، جَلَّ عن الشَّبيهِ ، و الـمَثيلِ ، و الكُفْءِ ، و النظير ، و أشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ و رسولُه ، و صَفِيُّهُ ، و خَليلُه ، و خِيرَتُهُ مِن خَلْقِه و أمينُهُ على وَحيِه ، أرسلَهُ رَبُّــــهُ رَحمةً للعالَـمين ، و حُجَّةً على العبادِ أجمعين ، فصلواتُ اللهِ و سلامُهُ عليهِ ، ما ذَكَرهُ الذاكرونَ الأبرارُ ، و صلواتُ اللهِ و سلامُهُ عليهِ ، ما تَعاقَبَ الليلُ و النهار ، و نَسألُ اللهَ أنْ يَجعلَنا من صالِحي أمَّتِه ، و أنْ يَحشُرَنا يومَ القيامَةِ في زُمرَتِه ، أما بعـد :
أيُّها الأحَبَّةُ الكِرام :
ذَكَرنا في الـخُطبةِ الماضيةِ بدايةَ الحديثِ الذي دارَ بينَ عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنها ، وبينَ رسولِ اللهِ r ، وقد ذكَرَتْ لَهُ أنَّ إحدى عشرةَ امرأةً اجتَمعنَ في الجاهليةِ فتعاقَدْنَ ، وتَعاهَدْنَ على ألّا يَكتُمنَ من أخبارِ أزواجِهنَّ شيئاً.
ورَبْطاً لهذهِ الـخُطبةِ بالّتي سَبَقَت سأعيدُ شيئاً يَسيرًا مـمّا مَضَى .
قَالَتِ الزوجةُ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ: لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ ، تَعني أنَّ زَوجَها كَلَحْمِ الجمَلِ الغَثِّ الذي لا يَشتَهي الناسُ أكْلَهُ ، وقد جُعِلَ في رأسِ جَبَلٍ وَعِرٍ ، فلا يُنالُ اللحمُ بِسُهولَةٍ معَ رَداءَتِهِ، ولا صُعودَ الجبلِ سهلٌ ، فتقولُ : إنَّ زَوجَها معَ قُبحهِ وفَقرِهِ ، هوَ سَيِّءُ الـخُلُقِ .
وقَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ، تَعني أنَّ زَوجَها سَيِّءُ التَّعامُلِ مَعَها ، ولا يـَحْتَمِلُ أخطاءَها ، فلو سَمِعَ أنَّها أظهَرَتْ خَبَـرَهُ ؛ طَلَّقَها .
وقَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِيَ العَشَنَّقُ - يعني الطويل - إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ، تَعني أنَّ زَوجَها إنْ تُطالِبْهُ بـِحُقوقِها يَغضَبْ ويُطَلَّقْها ، وإنْ تَسكُتْ معَ تَقْصيرِهِ في حُقوقِها ؛ تَكونُ كالـمُعَلَّقَةِ ، لا ذَاتَ زَوجٍ يَقومُ بـِحَقَّها ، ولا مُطَلَّقةً يـَخطِبُها غَيرُه ، قالت : إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ .
وقَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ، وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ ، تَعني : إنْ جالَسَتْهُ رَأَتْ الابْتِسامَةَ والتَّلَطُّفَ ، والعِنايَةَ بِها إذا مَرِضَتْ ، والاحْتِفاءَ بها إذا أَقبَلَتْ ، فلا مَـخافَةَ أنْ يَضرِبَها أو يَصرُخَ بها ولا سآمَة .
قَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، أيْ: كثيرُ النَّومِ والخمولِ في بَيتِهِ ، كأنَّهُ اكْتَـرَى فُندُقًا لِينامَ فيهِ ثُمَّ يَخرُجُ لأعمالِه .
قالتْ : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، إذا خرجَ لأصحابِهِ صارَ نَشيطاً مُتَحَرِّكاً.
قالتْ : وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ، أيْ: لا يَهتَمُّ بأولادِهِ ولا بَيتِهِ.
قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ ، أيْ: الطعامَ في يَدِهِ ولَفَّهُ إلى بَطنِهِ ، وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ، ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ، أيْ: شَرِبَ الإناءَ كُلَّهُ ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، أيْ: أخَذَ اللِّحافَ كُلَّهُ عَنِ امْرَأَتِهِ .
قالت وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ.
مَعَاشِرَ الـمُؤمِنين :
فالمرأَةَ قد تَصبِرُ على فَقرِ زَوجِها ، وقُبحِ مَنظَرِهِ ، ودُنُوِّ نَسَبِهِ ، لَكِنَّها قَلَّ أنْ تَصبِرَ على سُوءِ خُلُقِهِ أو سُرعَةِ غَضَبِهِ أو عَدَمِ عِنايَتِهِ بِرائِحَتَهِ ومَظهَرِه ، واللهُ يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
ثم قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، تَعني أنَّهُ عَيِيٌّ لا يَفهَمُ غَيرَ طليقِ اللِّسانِ ولا حَسَنِ الكَلامِ.
قالت : زَوْجِي عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، تَعني الأدوَاءَ الـمُتَفرِّقةَ في الأزواجِ مَجموعَةٌ في زَوجي فهو بَخيلٌ عَصَبيٌّ مُنْتِنُ الرِّيحِ جَهول .
ثُمَّ بَيَّنَتْ أنَّهُ مَعَ ذلكَ لا يَقبَلُ النُّصحَ والتَّوجيهَ .
قالت : إنْ حَدَّثْتِهِ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ ، أيْ: يَضرِبُكِ فَيَشُجُّ رَأسَكِ ، يَكسِرُ ذِراعَكِ ، أو جَمَعَ كُلّاً لَكِ .
قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ ، يَعني لَطيفَ التَّعامُلِ ، رَفيقٌ رَقيقَ الـمَشاعِرِ ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ ، والزَّرَنَبُ نَباتٌ طَيِّبُ الرائِحَةِ .
وهَؤُلاءِ النِّساءِ الثمانِ قد فَصَّلْنا شَرحَ كُلٍ مِنهنَّ في الخُطبةِ الماضِيةِ .
و قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِ.
رَفيعُ العِمادِ : أيْ: يَرفَعُ عَمودَ خَيمَتِهِ ؛ لِيَراهُ الـمُسافِرونَ من بَعيدٍ فَيُقبِلونَ طالبينَ لِلقِرى .
فَلَيسَ بَخيلاً تُغَطِّي خَيمَتَهُ كُثبان الصَّحراءِ .
وهو طويلُ النِّجادِ ، تَعني حَسَنَ الـمَنظَرِ.
عظيمُ الرَّمادِ ، تَشتَعِلُ نَارُهُ دائِماً لِكَثرَةِ طَبخِهِ الطعامَ .
قَريبُ البيتِ من النادِ , النادِ هو النادي ، وهو مَجلِسُهُ معَ أصحابِهِ قَريبٌ من البيتِ لِشِدَّةِ اهتِمامِهِ بأهلِهِ وتَعَلُّقِ قَلبِهِ بِهم ، فالرَّجُلُ وإنْ بَعُدَ مَكانُهُ ؛ إلّا أنَّهُ يَنبَغي أنْ يَبقى على اتِّصالٍ بأهلِه .
قَالَتِ العَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ ، زَوجُها اسمُهُ مالِكٌ ، ثمَّ قالت تَعَجُّباً ! و رَفعًا لِقَدرِهِ : وما مالِكٌ ، يَعني ماذا أقولُ عن مالكٍ ، في مَدحِهِ ، والثَّناءِ علَيهِ .
قالت : وما مالِكٌ ! مالِكٌ خيرٌ من ذلك ، مَهما مَدَحتُهُ فلَن أبلُغَ قَدرَهُ.
قالت : مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، قَلِيلاَتُ المَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ، تَعني أنَّ إبلَهُ أكثرُ الوَقتِ لحاجَتِهِ لها في الإهدَاءِ والنَّحرِ للضُّيوفِ فهيَ قليلاتُ الـمَسارِح .
قالت: إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ ، والمزهَرُ قيلَ هو صَوتُ سَنِّ السِّكينِ ، وقيلَ عُودٌ تَضرِبُ بهِ العَرَبُ إذا أقبلَ الضَّيفُ فَرَحاً بهِ ، فتقولُ: إنَّ الإبِلَ مِن كَثرَةِ ما يُنحَرُ منها صارَتْ إذا سَمِعَتْ صَوتاً يَدُلُّ على قُدومِ الضيفِ عَرفنَ أنَّ إحداهُنَّ سَتُنحَر.
يَجودُ بالنَّفسِ إنْ ضَنَّ البَخيلُ بِها *** والجودُ بالنَّفسِ أعلَى غايَةُ الجودِ
ولا شَكَّ أنَّ الكَرَمَ خَصلَةٌ جَميلَةٌ .
والنبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أقبَلَ إليهِ قَومٌ يُبايِعونَهُ ، فَسأَلَهم: مَنْ سَيِّدِكُم ؟
قالوا : سَيِّدُنا فلانٌ " وذَكَروا مِن شَأنِهِ ، وعَظَمَتِهِ ، وشَجاعَتِهِ ، ثُمَّ قالوا : غَيرَ أنَّنا نُبَخِّلُهُ .
فقالَ عليه الصلاة والسلام : " وأيُّ دَاءٍ أدْوَى مِنَ البُخْلِ " هُلْ يُوجَدُ دَاءٌ أشَدُّ دَاءً وقُبحًا من البُخلِ؟ وأيُّ دَاءٍ أدْوَى مِنَ البُخْلِ إنَّما سَيِّدُكُم فلانٌ " رواه البخاري في الأدب المفرد ، فَعَزَلَ سَيِّدَهُم عَنِ السِّيادَةِ لِأنَّهُ بَخيلٌ .
والنبيُّ الكريمُ r يُعطي عَطاءَ مَن لا يَخشى الفَقْرَ .
لما خَرَجَ إلى حُنَينٍ وقَفَ على وَادٍ فيهِ من غَنائِمِ الإبِلِ والغَنَمِ والبَقَرِ ، الشَّيءَ الكثير ، فَوقَفَ بِجانِبِهِ رَجُلٌ من الأعرابِ فقال : يا مُحمدُ ما أحسَنَ هذا !
فقال r : أعْجَبَكَ
قال : نَعم
قال : هُوَ لَك
فمَضى الرجُلُ إلى قومِهِ فقال: يا قَومِ ! أسلِموا فإنَّ مُحمداً يُعطي عَطاءَ مَن لا يَخشى الفَقْرَ ، رواه مسلم.
ولابُدَّ من النِّيةِ الصالحةِ في كَرَمِ المرءِ وسَخائِهِ ويَحذَرَ من الرِّياءِ والفَخرِ .
وأولَى الناسِ بِكَرَمِكَ وسَخائِكَ أهلُكَ وأولادُكَ وزَوجُكَ ؛ إهدَاءً إليهم وسَعَةً في النَّفَقَةِ ، و«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رواه أحمد وأبوداود.
ثم قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ... فَمَن هوَ أبو زَرْعٍ ؟ وما قِصَّتُهُ مَعَها ؟
لَعَلَّنا نُكمِلُ ذلِكَ في الخُطبَةِ الثانِيةِ .
أقولُ ما تَسمعونَ وأستَغْفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ مِن كُلِّ ذَنْبٍ ؛ فاستَغفِروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقِهِ وامتِنانِه ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعظيماً لِشأنِه ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رِضوانِهِ ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وإخوانِهِ وخِلَّانِه ، ومن سارَ على نَهجِهِ واقْتَفَى أثَرَهُ إلى يَومِ الدين .
أما بعدُ أيُّها الإخوةُ الكرام :
قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، أناسَ يَعني أسْمَعَ ، و النَّوسُ هو الصوتُ الذي يَصدُرُ عَن حَرَكَةِ الحُلِيِّ في اليَد ، أيْ: غَطَّاها حُلِيّاً .
قالت : أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، تَعني أثْنَى عَلَيها ومَدَحَها حتَّى تَـمَّتْ ثِقَتُها بِنَفسِها .
وهذا أمرٌ مُهِمٌ عندَ التَّعامُلِ معَ الزَّوجَةِ فإذا أرَدْتَ أنْ تُحْسِنَ زَوجَتُكَ تَربِيَةَ أبنائِك ، ويَكونُ لها شَخصِيَّةٌ قَوِيَّةٌ عندَ غيرِها فَأكْسِبْها أنتَ أوَّلاً باحْتِرامِكَ لها واستِماعِ آرائِها وحِفْظِ كَرامَتِها والثَّناءِ على كلامِها ولِبسِها وطَبخِها وبِالتالي تَستَطيعُ هذهِ الزوجةُ أنْ تَقودَ البَيتَ في غِيابِكَ .
وقد كانَ النبيُّ r يُشْعِرُ نِساءَهُ بِقيمَتِهنَّ ويَستَمِعُ آرَاءَهُنَّ .
كانَ r في الحُدَيبِيةِ معَهُ ألفٌ وأربعُمِائةِ صَحابيٍّ فمَنَعَتْهم قُريشٌ من العُمرَةِ ، فقالَ r : احْلِقوا رُؤوسَكُمْ وانْـحَروا هَدْيَكُم فَكَأنَّهم تَكاسَلوا .
فَدَخَلَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ على زَوجِهِ أمِّ سَلَمَهَ فسألَتْهُ ما بَالُهُ ضَائِقٌ ؟ فأخبَرَها
نعم .. هو قَائِدُ أمَّةٍ ، ونَبيٌّ ، يُوحَى إليهِ ، وهو في قَضِيَّةٍ مهمة تَتَعَّلُق بجيشٍ كامِلٍ ، وتَسألُهُ زَوجُهُ فيُجيبُها ؛ لأنَّهُ لا يَحتَقِرُ نِساءَهُ بَلْ يُشعِرُهُنَّ بأهَمِّيَتِهِنَّ ويَزْرَعُ الثِّقَةَ في نُفوسِهِنَّ ، أخبَرَها أنَّهُ أمَرَهم أنْ يُحِلُّوا إحرامَهم ويَحلِقوا .. فَتَكاسَلوا
فقالتْ أمُّ سِلَمَةَ : قُمْ أنْتَ فاحلِقْ رأسَكَ ، فإذا فَعَلْتَ ذلِكَ فَعَلوا مِثْلَكَ ، فَفَعَلَ r ما أشارَتْ بهِ وانْتَهَتْ الـمُشكِلَة ، رواه البخاري .
ودَخَلَ على عائِشَةَ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ ناحِيَةَ السِّتْرِ عن بَناتٍ لِعائِشَةَ لُعَبٍ فقال : ما هذا يا عائشةُ ؟ قالت : بَناتي، ورأى بَينهن فرسًا له جَناحانِ من رِقاعٍ ،
فقال : وما هذا الذي أرى وَسَطَهنَّ ؟
قالت : فرسٌ ،
قال وما هذا الذي عليه ؟
قالت : جناحان ، قال : فرسٌ لهُ جناحان ؟
قالت : أما سَمِعتَ أنَّ لسُليمانَ عليهِ السلامُ خَيلاً لها أجنِحَةٌ ؟ فَضَحِكَ حتى رأيتُ نَواجِذَهُ، تَلَطُّفاً مَعَها وتَعَجُّباً ، رواه أبوداود .
نعودُ إلى قِصَّةِ أمِّ زَرْعٍ ..
ثمَّ ذَكَرَتْ أمُّ زَرْعٍ حَالَها قبلَ أبي زرعٍ فقالت : وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ أيْ : في أهلٍ فُقَراءَ عندَهم غُنَيماتٍ في شِقِّ جَبَلٍ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، أيْ: نَقَلَني لِأهلِ خَيلٍ وإبِلٍ ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، أيْ بَقَرٍ وغَنَمٍ .
قالت : فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ أي : يُنْصَتُ لِكَلامِها دونَ انتِقادٍ ، وتَنامُ إلى الضُّحى لِوجودِ من يَخدِمُها .
قالت : وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ ، أي: أشبَعُ من الشَّرابِ لِكَثرَتِهِ عِندي .
ثم قالت مَادِحَةً لِعائِلَةِ أبي زَرعٍ ، تَمدَحُ أمَّهُ ، وبِنتَهُ ، ووَلَدَهُ ، وخادِمَتَهُ ،
قالت : أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، عُكُومُهَا رَدَاحٌ، أي: سَمينَةٌ من كَثرَةِ النِّعمَةِ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ، أي واسِعٌ .
قالت: ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، أي : لا يَحتاجُ لمكانٍ واسِعٍ لينامَ ، بل يَكفيهِ ما يَكفي جَريدَةَ النَّخْلِ .
وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ ، الجفرةُ هي العَنْزُ الصغيرةُ ، لو أعطَيتَهُ ذِراعَها شَبِعَ ، لَيس نَهِماً للطعام .
قالت : بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، أي مُتَسَتِّرَةً ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، أي وزَوجُها عندَهُ زَوجَةٌ غيرُها وهيَ يَعني تَغلِبُها بِلُطفِها معَ زوجِها ، واهتِمامِها بِه .
قالت : جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، أي: خادِمَةٌ كَتومٌ لَيستْ نَقَّالَةً لأخبارِ البيتِ ، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، أي : لا تَعْبَثُ بالطعامِ وتُسرِفُ فيه ، وَلاَ تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا أيْ: لا تُهمِلُ البيتَ فتَجتَمِعَ الأوساخُ فيُصبِحُ كَعُشِّ العُصفورِ الـمَليءِ بالقَشِّ .
أيُّها المسلمون :
الخادِماتُ قَديماً كُنَّ جَوارِيَ مَملوكاتٍ ، فالجارِيَةُ كَأنَّها إحدى الزَّوجاتِ ؛ لأنَّها مِلْكُ يَمينٍ ، ورُبَّما أشْبَهَتْ الزوجةَ ؛ لأنَّ سَيِّدَها يَطَؤها ، معَ ذلكَ فالجاريةُ لا تَبُثُّ حَديثَهم تَبثيثا ، فالخادماتُ اليومَ يَنبغي أنْ يُحَرِّصْهُنَّ رَبُّ البَيتِ على كَتْمِ الأخبارِ وحِفْظِ الأسرَارِ وعَدَمِ إجابَةِ أسئِلَةِ الـمُتَطَفِّلين السائِلينَ عمّا لا يَعنيهم ، وتَذَكَّرْ دَوماً أنَّ الخادِمَةَ أجنبيةٌ عنكَ لابُدَّ أنْ تَعتَنيَ بِحجابِها وعَدَمِ الخَلوَةِ بـِها أو كَثرَةِ اختلاطِ الرِّجالِ بها .
أسألُ اللهَ تعالى بـِمَنِّهِ وكَرَمِهِ أنْ يَستَعمِلَنا جميعاً في طاعَتِه ، وأنْ يُعيذَنا جميعاً من مَعصِيَته ، وأنْ يَهدِيَنا سُبُلَ الـهُدى والرَّشاد ،
اللهمَّ وَفِّقْنا لِفِعْلِ الخيراتِ ، وتَركِ الـمُنكراتِ ، وحُبِّ المساكينِ ، وإذا أرَدْتَ بِعِبادِكَ فِتنةً فَاقْبِضْنا إليكَ غيرَ خَزايا ولا مَفتُونينَ .
اللهمَّ إنَّا نسألُكَ! من الخيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجلِهِ ماعلِمنا منهُ وما لم نعلَم ونعوذُ بكَ ربَّنا من الشرِّ كلهِ عاجلهِ وآجلهِ ما علمنا منه وما لم نعلم ،
اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين ، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين .
اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا همّاً إلا فرّجْته ، ولا دَيناً إلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته ، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ و على آلِ إبراهيم ، و بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ و على آلِ إبراهيم إنَّكَ حَميدٌ مَجيد .
عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفون ، وسلامٌ على المرسلين ، و الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين .