شرح بعض أسماء الله الحسنى، الرحمن الرحيم
زكي اليوبي
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما. أما بعد: إن أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،".
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى فإن منِ اتّقى الله وقاه، وأرشدَه إلى خير أمور دينه ودنياه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)} [سورة الأحزاب]، عباد الله: إن الله سبحانه لا شريك له في جميع صفاته ولا مضاهي له في أسمائه وتقديراته، فهو الرحيم الموصل الرحمة إلى من يشاء من عباده، و جاء هذا الاسم مقترناً بالرحمن كما في البسملة وأول سورة الفاتحة، وجاء أيضاً مقترناً بأسماء أخر كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} [سورة الشعراء: آية 9]، و قوله تعالى: {نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [سورة الحجر: آية 49]، وجاء كثيراً مرتبطاً برحمة الله تعالى بالمؤمنين كما في قوله تعالى: {وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا} [سورة الأحزاب: من الآية 43] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الرحمن ذو الرحمة الواسعة؛ الرحيم الموصل للرحمة من يشاء من عباده. ا.ه. إن في هذين الاسمين دلالة على كمال الرحمة التي هي صفة الله تعالى وسعتها، فجميع ما في العالم العلوي والسفلي، من حصول المنافع والخيرات من آثار رحمته، كما أن ما صرف عنهم من المكاره والأخطار من آثار رحمته، لا يأتي بالمنافع إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، فهو أرحم الراحمين، ورحمته تعالى سبقت غضبه، وظهرت في خلقه ظهوراً لا ينكر حتى ملأت أقطار السماوات والأرض، وامتلأت منها القلوب حتى حنت المخلوقات بعضها على بعض بهذه الرحمة التي أودعها في قلوبهم. وكذلك ظهرت رحمته في أمره وشرعه ظهوراً تشهده البصائر والأبصار، ويعترف به ذوو العقول، فشرعه نور ورحمة وهداية، موصلاً إلى أجلّ رحمة وكرامة وسعادة وفلاح، شرع فيه من التسهيلات ونفي الحرج والمشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته وجوده وكرمه، وكل ما نهى عنه رحمة لأنها حفظ لعقولهم وأعراضهم وأبدانهم وأخلاقهم وأموالهم من الشرور والأضرار، ويوم القيامة يختص سبحانه بالرحمة والفضل والإحسان المؤمنين به وبرسله، ويكرمهم بالصفح والعفو والغفران ما لا يخطر على بال، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ. (أخرجه مسلم/ 2752) والله عز وجل أرحم من الأم بولدها، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قَدِمَ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، تَبْتَغِي، إذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ، أَخَذَتْهُ فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "أَتَرَوْنَ هذِه المَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وَاللَّهِ وَهي تَقْدِرُ علَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا" (أخرجه مسلم/ 2754)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ووفقنا لاتباع سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وجعلني الله وإياكم من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِر اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} [سورة البقرة: آية 281].
عباد الله-: إن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان: رحمة عامة وهي التي قرنها بالعلم في قوله عز وجل: {رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا} [سورة غافر: من الآية 7] فهي الرحمة الشاملة لكل شيء، لأن الله عز وجل قرن هذه الرحمة به، وهي الرحمة التي تعم جميع المخلوقات حتى الكفار، وهي رحمة جسدية دنيوية بالطعام والشراب واللباس والمسكن ونحو ذلك، ورحمة خاصة: وهي التي ميز الله تعالى بها عباده المؤمنين، وهي رحمة إيمانية دينية دنيوية أخروية، بالتوفيق للطاعة، والتيسير للخير، والتثبيت على الإيمان والهداية على الصراط، والإكرام بدخول الجنة والنجاة من النار. فكيف تُنال هذه الرحمة الخاصة؟ تنال بالطاعة والتقرب إلى الله تعالى، فكلما عظمت طاعة العبد وزاد قربه عظم استحقاقه لهذه الرحمة، قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} [سورة آل عمران: آية 132]
وفقني الله وإياكم لفعل مراضيه وجنبنا أسباب سخطه ومعاصيه وأرانا الحق حقا ورزقنا اتباعه وأرانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه إنه جواد كريم رؤوف رحيم، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم تول أمر إخواننا في فلسطين، وفي السودان، اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي امرنا خادم الحرمين الشريفين، وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير، وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.