شُبَهُ الاحْتِفَالِ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ وَالرَّدُّ عَلَيْهَا 11 /3/ 1444هـ
محمد بن مبارك الشرافي
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نَتَكَلَّمُ عَنْ مَوْضُوعٍ لَوْلا الضَّرُورَةُ مَا تَكَلَّمْنَا فِيهِ، لِأَنَّ مِنْ طُرُقِ إِمَاتَةِ الْبَاطِلِ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَانْتَشَرَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ حَتَّى صَارَتْ فِي أَيْدِي الْجَمِيعِ، صَارَ انْتِشَارُ الْأَخْطَاءِ وَالْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ سَهْلًا وَسَرِيعًا، فَكَانَ لابُدَّ مِنَ الرَّدِّ وَالْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ الشَّرْعِيِّ : الدَّفْعُ أَهْوَنُ مِنَ الرَّفْعِ، وَفِي الْمَثَلِ الطِّبِّيِّ: دِرْهَمُ وِقَايَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِنْطَارِ عِلَاجٍ، فَلا نُرِيدُ أَنْ نَسْكُتَ حَتَّى إِذَا انْتَشَرَ الشَّرُّ عَالَجْنَاهُ، بَلْ نُحَذِّرُ مِنْهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى عِلْمٍ وَدِرَايَةٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُطْبَتَنا هَذَا الْيَوْمَ عَنْ مَا يُسَمَّى [بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ]، وَهُوَ احْتِفَالٌ يُقَامُ يَوْمَ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كُلَّ عَامٍ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَرَحًا بِيَوْمِ وِلادَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ تَكُونُ احْتِفَالاتٌ مِنْ بِدَايَةِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّل إِلَى نِهَايَتِهِ، وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ مَجَالِسَ يُنْشَدُ فِيهَا قَصَائِدُ مَدْحِ النَّبيِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وِيَكُونُ فِيهَا الدُّرُوسُ مِنْ سِيرَتِهِ وَذِكْرِ شَمَائِلِهِ، وَيُقَدَّمُ فِيهَا الطَّعَامُ وَالْحَلْوَى.
وَنَحْنُ نَقُولُ إِنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعَهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ بَلْ ضَرُورِيٌّ لِدِينِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَلَكِنَّ هَذَا الْعَمَلَ مُحَرَّمٌ وَلا يَجُوزُ.
وَنَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَدًّا عَامًّا وَرَدًّا خَاصًّا، فَأَمَّا الْعَامُّ فَنَقُولُ: إِنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِقَامَةِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، وَدِينُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّلِيلِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَنَقُولُ لَهُمْ : أَعْطُونَا دَلِيلًا صَرِيحًا مِنَ القُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ عَمَلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا تَقُومُونَ بِهِ مِنَ هَذِهِ الاحْتِفَالَاتِ السَّنَوِيَّةِ، وَقَطْعًا لَنْ يَجِدُوا دَلِيلًا مُسْتَقِيمًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الشُّبَهُ التِي اسْتَدَلُّوا بِهَا فَنَعْرِضُ لِأَهَمِهَا وَنَرُدُّ عَلَيْهِ بِإِذْنِ اللهِ.
(أَوَّلًا) قَالُوا إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، قَالُوا: فَنَحْنُ نَمْتَثِلُ أَمْرَ اللهِ فَنَفْرَحُ بِمِيلادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ نَقُولَ أَيّْنَ هَذَا الْفَهْمُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ؟ هَلْ فَعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ؟ وَأَقَامُوا الْمَوَالِدَ كَمَا زَعَمْتُمْ؟ أَمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ لا يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ، وَأَنْتُمْ الذِينَ سَبَقْتُمْ بِهَذَا الاسْتِنْبَاطِ الْعَجَيبِ؟ وَنَقُولُ: إِنَّ الْفَرَحَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ بِاتِّبَاعِ هَدْيِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ، وَلَيْسَ بِالإِحْدَاثِ فِيهَا.
(ثَانِيًا) قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَهَذَا احْتِفَاءٌ وَاحْتِفَالٌ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ بِالصَّوْمِ.
وَنَرُدَّ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ الاحْتِفَالَ الذِي تُقِيمُونَ لا تَصْرِيحًا وَلا إِشَارَةً، بَلْ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ، فَلْنَصُمْ هَذَا الْيَوْمَ كُلَّ أُسْبُوعٍ طُوَالَ السَّنَةِ، وَلَيْسَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَطْ.
(ثَالِثًا) قَالُوا: إِنَّهُ حَدَثَ يَوْمَ مَوْلِدِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ، فَمِنْهَا أَنَّ هَوَاتِفَ مِنَ الْجَانِّ بَشَّرَتْ أُمَّهُ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ، وَمِنْهَا: انْتِكَاسُ بَعْضِ الْأَصْنَامِ، وَارْتِجَاجُ إِيوانِ كِسْرَى وَسُقُوطُ شُرُفَاتِهِ، وَخُمُودُ نِيرَانِ الْمَجُوسِ وَغَيْضُ بِحَيْرَةِ سَاوَة، وَإِخْبَارُ الْيَهُودِ بِلَيْلَةِ مَوْلِدِهِ... قَالُوا فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ يَوْمِ وَلادِتَهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَحْتَفِلُ بِهَذَا الْيَوْمِ.
وَنَرُدَّ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ قَدْ ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ، فَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا، ثُمَّ عَلَى فَرْضِ صِحِّتَهَا فَلَيْسَتْ دَلِيلًا لِهَذَا الْعِيدِ الذِي تُقِيمُونَهُ، بَلِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَبْدَلَ أَعْيَادًا كَانَتْ الْعَرَبُ تُقِيمُهَا بِعِيدِ الْفِطْرِ وَعِيدِ الْأَضْحَى، وَلَمْ يَذْكُرْ عِيدَ مَوْلِدِهِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ (قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
(رابعا)قَالُوا: إِنَّ النَّصَارَى يُقِيمُونَ عِيدًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَحْتَفِلُونَ بِيَوْمِ وِلادَتِهِ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نُقِيمَ عِيدًا يَوْمَ وِلادَتِهِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: بِئْسَ مَنِ اقْتَدَيْتُمْ بِهِ، أَتَقْتَدُونَ بِالنَّصَارَى؟ فَهَلْ هُمْ أَهْلٌ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ؟ بَلْ إِنَّ الاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ حَرَامٌ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ، فَهُوَ مِنْهُمْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان.
(خَامِسًا) قَالُوا: إِنَّنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ نَتَذَكَّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقْرَأُ سِيرَتَهُ وَنُعَلِّمُهَا النَّاسَ، وَهَذَا أَمْرٌ حَسَنٌ يَحُثُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ.
وَنَرُدُّ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّكُمْ بِئْسَ الْأَتْبَاعُ إِذَا كُنْتُمْ تَغْفُلُونَ عَنْ نَبِيِّكُمْ طُولَ السَّنَةِ وَلا تَتَذَكَّرُونَهُ وَلا تَقْرَأُونَ سِيرَتَهُ إِلَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَأَيُّ اتِّبَاعٍ هَذَا ؟ وَأَيُّ مَحَبَّةٍ تِلْكَ ؟ إِنَّنَا نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ نَتَذَكَّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ، فِي عِبَادَاتِنَا وَعَادَاتِنَا وَيَقَظَتِنَا وَمَنَامِنَا، أَلَسْنَا نَرْفَعُ اسْمَهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فِي الْأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ؟ أَلَسْنَا نَتَذَكَّرُهُ حِينَ نَتَوَضَّأُ وَحِينَ نُصَلِّي ؟ لِأَنَّنَا نَتَوَضَّأُ وَنُصُلِّي عَلَى حَسَبِ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَكَذَلِكَ نَدْخُلُ بُيُوتَنَا وَنُقَابِلَ أَهَالِينَا وَنَأْوِي إِلَى فُرُشِنَا حَسَبَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ! أَفَمِثْلُ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ نُقِيمَ عِيدًا لِنَتَذَكَّرَهُ؟ أَمْ أَنَّهُ فِي حِيَاتِنَا وَيَقَظَتِنَا وَنَوْمِنَا وَيَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا ؟
(سَادِسًا) قَالُوا : إِنَّهُ وَرَدَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِمَشْرُوعِيَّةِ إِقَامَةِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، وَهُمْ عُلَمَاءُ أَجِلَّاءُ، وَهُمُ الذِينَ يُؤْخَذُ مِنْهمُ الْعِلْمَ .
وَنَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يُحْتَجُّ لَهُمْ وَلا يُحْتَجُّ بِهِمْ، فَكَلَامُ الْعَالِمِ لَيْسَ دَلِيلًا، بَلْ نَحْتَاجُ لِلدَّلِيلِ لِتَصْدِيقِ كَلَامِ الْعَالِمِ، ثُمَّ نَقُولُ : إِنَّ الْعَالِمَ مَهْمَا بَلَغَ عِلْمُهُ قَدْ يُخْطِئُ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مَأْجُورًا لِاجْتِهَادِهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُصِيبٌ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ، فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا حَكَمَ، فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ نَقُولُ: لَدَيْنَا عُلَمَاءُ أَكَبْرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الذِينَ قَالُوا بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، وَهُمُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَهُمْ قَادَةُ الْعُلَمَاءِ وَمُقَدَّمُوهُمْ، فَهَلْ قَالُوا بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ ؟ أَمْ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَهُ وَأَنْتُمْ الذِينَ تَعْرِفُونَهُ ؟ أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذُرُوا مُخَالَفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا خَطَرٌ وَمَهْلَكَةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتِغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنا يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ النَّجَاةَ والْفَلاحَ هُي فِي اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْحَذَرِ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ آخِرِ وَصَايَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي.
وَإِنَّ هَذَا الاحْتِفَالَ وَهَذَا الْعِيدَ بِالْمَوْلِدِ النَّبَوَيِّ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ فِي دِينِ اللهِ، حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَلا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَهُ أَهْلُ الْبِدَعِ بَعْدَ 300 سَنَةٍ مِنَ الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ، فَأَقَامَهُ الرَّافِضَةُ الْعُبَيْدِيُّونَ حِينَ اسْتَولَوْا عَلَى بِلادِ مِصْرَ، وَمِنْهَا انْتَشَرَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ مَشْرُوعًا أَوْ وَاجِبًا، وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالةٌ.
نَسْأَلُ اللهُ الْهِدَايَةَ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المشاهدات 913 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
محمد بن مبارك الشرافي
❌أصحاب الفضيلة❌
هذا الموضوع مهم جدا، والخطبة فيه الآن وتحذير الناس أنفع قبل أن يقعوا فيه فيصعب اجتذاذه منهم.
والآن وسائل التواصل تعج بالترويج له، وكثير من العامة ليس عنده تمييز، ولذلك فتحذيرهم ابتداء نافع بإذن الله
تعديل التعليق