شبهات علي الطريق الي المولد
جابر السيد الحناوي
1431/03/12 - 2010/02/26 06:41AM
بســم الله الرحمــن الرحــيم
شبهــات علي الطريق
إلى المــولد
إن مما يدل على أن مسألة المولد النبوى الشريف قد اتبع فيها الهوى ، ولم يتبع فيها شرع الله عز وجل أن المؤيدين لها يبررونها بعدد من العلل وهي :
1- كونها ذكرى سنوية يتذكر فيها المسلمون نبيهم صلي الله عليه وسلم فيزداد حبهم وتعظيمهم له :
وهذه علة لا تصلح ، لأن المسلم يذكر النبي صلي الله عليه وسلم في كل يوم عشرات المرات ، فما من صلاة من ليل أو نهار إلا ويذكر فيها رسولََََََه صلي الله عليه وسلم ويصلى عليه .
إن الذى تقام له ذكرى خشية النسيان هو من لا يذكر ، فتقام له ذكرى سنوية ، أو شهرية ، أما الذى يذكر فى اليوم عشرات بل مئات المرات ، فكيف تقام له ذكرى حتى لا ينسى ، أليس هذا من تحصيل الحاصل ، وتحصيل الحاصل عبث ينزه عنه العقلاء ؟
2- العلة الثانية : سماع بعض الشماثل المحمدية ، ومعرفة النسب النبوى الشريف :
هذه علة غير كافية في إقامة المولد ؛ لأن معرفة الشمائل المحمدية والنسب الشريف لا يكفي فيها أن تسمع مرة واحدة في العام ، وهي جزء من العقيدة الإسلامية ؛ إن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف نسب نبيه صلي الله عليه وسلم وصفاته كما يعرف الله عز وجل بأسمائه وصفاته ، وهذا لابد له من التعليم ولا يكفى فيه مجرد سماع تلاوة قصة المولد مرة في العام .
3- إظهار الفرح بولإدة الرسول صلي الله عليه وسلم مما يدل على حب الرسول صلي الله عليه وسلم وكمال الإيمان به :
وهذه أيضا علة واهية ؛ إذ الفرح إما أن يكون بالرسول صلي الله عليه وسلم أو بيوم ولادته ، فإن كان الفرح بالرسول صلي الله عليه وسلم فليكن الفرح دائما كلما ذكر الرسول صلي الله عليه وسلم ولا يختص بوقت دون وقت ، وإذا كان الفرح باليوم الذي ولد فيه ، فإنه أيضا اليوم الذى مات فيه ، وليس ثمة عاقل يقيم احتفال فرح وسرور فى اليوم الذى مات فيه حبيبه ، ومن المعلوم أن موت رسول الله صلي الله عليه وسلم أعظم مصـيبة أصابت المسلمين ، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن على موته صلي الله عليه وسلم حتى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون : من أصابته مصيبة فليتذكر مصيبته برسول الله صلي الله عليه وسلم .
أضف إلى ذلك أن الفطرة البشرية قاضية : أن الإنسان يفرح بالمولود يوم ولادته ، ويحزن عليه يوم موته ، فسبحان الله كيف يحاول الإنسان غرورا تغيير الطبيعة !!
4- إطعام الطعام وهو مأمور به ، وفيه أجر كبير لا سيما بنية الشكر لله تعالى :
و هذه الشبهة أضعف من سابقاتها ؟ إذ إطعام الطعام أصلا مندوب إليه مرغب فيه كلما دعت الحاجة إليه " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً " ( [2] ) فالمسلم يقري الضيف ، ويطعم الجائع ويتصدق طوال العام ، وليس في حاجة إلى يوم خاص من السنة يطعم فيه الطعام ، وعليه فهذه ليست بعلة تستلزم إحداث بدعة بحال من الاحوال.
5- الاجتماع على ذكر الله تعالى من قراءة القرآن والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم :
وهذه العلة فاسـدة أيضا وباطلة ؛ لأن الاجتماع على الذكر بصوت واحد لم يكن معروفا عند السلف ، فهو في حد ذاته بدعة منكرة ، وأما المدائح والقصائد بالأصوات المطربة الشـجية فهذه بدعة أقبح ، ولا يفعلها إلا المتحيرون المضطربون في دينهم والعياذ بالله تعالى ، ناهيك عما يكون فيها من غلو في شخص رسول الله صلي الله عليه وسلم أو الشرك بالله عز وجل كما سبق وأن بينا في مدائح البوصيرى في مقام آخر لا داعي لترديده .
والمسلمون ليسوا في حاجة إلى جلسة سنوية الدافع عليها في الغالب الحظوظ النفسية من سماع الطرب والأكل والشرب ؛ لأن المسلمين العالمين بدينهم يجتمعون كل يوم وليلة طوال العالم في الصلوات الخمس في المساجد ، وفي حلق العلم لطلب العلم والمعرفة .
6 - وهناك شبهة سادسة يستند عليها المبتدعون للمولد النبوى ، وهى أن النبى صلي الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين وتعليله صلي الله عليه وسلم ذلك بقوله : " عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ قَالَ : ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ " ( [3] )
وهذه شبهة باطلة ؛ لأنه إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله سبحانه وتعالي على نعمة ولادة الرسول صلي الله عليه وسلم فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلي الله عليه وسلم ربَّه به وهو الصوم ، وعليه فلنصم كما صام ، وإذا سئلنا قلنا إنه يوم ولد فيه نبينا فنحن نصومه شكرا لله تعالى ، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه لأن الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب ، وهم يريدون ذلك الطعام والشراب ، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله عز وجل ، ولذلك نجدهم قد اتخذوا من هذا اليوم موسما لما تشتهيه الأنفس من الطعام والشراب وحلوى المولد ، وهي زلّة عند ذوي البصائر والنهى .
ومن ناحية أخرى فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ، إنما صام يوم الاثنين الذي يجيء في كل أسبوع مرة ، ويتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات أو أكثر ، وعليه فإن تخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما ، دون يوم الإثنين من كل أسبوع ، يعتبر استدراكا على الشارع ، واتهاما له بالنقص ، وتصحيحا لعمله ، وما أقبح هذا إن كان والعياذ بالله تعالى.
وشئ آخر وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم لما صام يوم الاثنين شكرأ على نعمة الإيجاد وتكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، هل أضاف إلى الصيام احتفالا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب ؟
والجواب : لا وإنما اكتفى بالصيام فقط .
إذن ألا يكفى الأمة ما كفى نبيها ؟ ويسـعها ما وسـعه ؟ وهل يقدرعاقل أن يقول لا ؟ وإذاً فلم الافتئات على الشارع والتقدم عليه بالزيادة ؟ والله سبحانه وتعالي يقول : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " ( [4] ) ويقول عز وجل أيضا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( [5] )
ورسوله صلي الله عليه وسلم يقول : " ... إِيَّاكُمْ وَمُحْدِثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ شَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " ( [6] ) والرسول صلي الله عليه وسلم يقول أيضا: " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها ( انتهك الشيء : انتقصه واعتدى عليه ) وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها " ( [7] )
هذه هى العلل التى يتعلل بها الذين يجيزون المولد ، وهي علل كما رأينا باطلة وغير كافية ، لما فيها من معنى الاستدراك على المشـرع ، واتهامه بالتقصير بتشريعهم ما لم يشرعه مع الحاجة إليه . فلو كان المولد يصلح شرعا نَتَعَبَّدُ به ، فَلِمَ لَمْ يَدْعُ إلى ذلك رسولُ الله صلي الله عليه وسلم ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال ؟ كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى ؟ أنسي ذلك أم كتمه وهو المأمور بالبلاغ ؟ سبحانك اللهم إن رسولك صلي الله عليه وسلم ما نسي ولا كتم ، بل نشهد أنه صلي الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركنا على " الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلا هَالِكٌ " ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلا!!
اللهم هل بلغت ؟؟ اللهم فاشهد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
المشاهدات 3025 | التعليقات 2
جزاكم الله كل خيرعلي إطلالاتكم المنيرة
علي ما نكتب في الملتقي ،
وأبشركم بأن أهل مصر بخير بصفة عامة ،
ويجيدون الإستماع إلي الكلمة الصادقة ، بل ويبحثون عنها .
والحمد لله فإن الأصوات المعارضة بين عمار مسجدنا قليلة ،
بل إن البعض يأتي إلينا من الأماكن المجاورة ،
تاركين وراءهم عديدا من المساجد التي لا تلتزم بالسنة ،
أو التي تشتهر بالبدع ،
لما علموا من أنني التزم منهجا واضحا في إنكارعامة البدع .
وهذا أمرمنطقي فما يخرج من القلب يصل أيضا للقلب ،
فالقلوب جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ...
نسأل الله العلي العظيم أن يؤلف بين قلوب المسلمين علي البيضاء ،
وأن يبارك لنا وللملتقي فيكم ، وفي إدارتكم الواعية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أسأل الله العظيم أن يبارك في جهودك وأن ينفع بك .
ما شاء الله تبارك الله هذه الخطبة الثالثة عن بدعة الاحتفال بالمولد، ولا شك أن المنطقة التي تخطبون فيها بحاجة لإشباع الموضوع، وتعدد الأساليب، وتكرار الفكرة من أوجه مختلفة.
وأحب أن استفسر منك فضيلة الشيخ جابر: كيف التجاوب من الأهالي؟ هل يستنكرون عليكم؟ أم يؤيدونكم؛ لأنه أمر هرم عليه الكبير وشب عليه الصغير، فلربما يصعب على البعض سرعة الاقتناع بهذا الطرح السلفي الناصع، والصريح.
في انتظار بشارتك عن أهلنا في مصر ،،،
ودمت مسدداً.
تعديل التعليق