شبح الأوبئة 1443/10/26هـ

يوسف العوض
1443/10/23 - 2022/05/24 13:30PM

الخطبة الأولى

 

أيّها المؤمنون : يقول الله تعالى: "  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " يقول الشيخ ابن السعدي - رحمه الله – " ظهرَ الفسادُ في البرِ والبحرِ , كالجدبِ وقلةِ الأمطارِ وكثرةِ الأمراضِ والأوبئْة ! وذلكَ بسببِ المعاصي التي يقترفها البشرُ ليصيبهمْ بعقوبةِ بعضِ أعمالهمْ التي عملوها في الدنيا كيُ توبوا إلى اللهِ - سبحانهُ - ويرجعوا عنْ المعاصي , فتصلحَ أحوالهمْ , وتستقيمَ أمورهمْ " .

أيّها المؤمنون : في خِضَم تصاعدِ الاصواتِ بانتشارِ الأوبئةِ المعاصرةِ ومن آخرها جدري القرود - وليس الأخيرَ مؤكداً- يحسنُ بنا التأملُ والتفكرُ في هذه الجوائحِ التي كثرت وعمّت في الأزمنةِ المتأخرةِ فنقولُ مستعينين باللهِ إنَّ هذهِ الأمراضَ بتعددِ أنواعِها : “ كورونا ، إنفلونزا الخنازيرِ ، إنفلونزا الطيورِ ، جنونِ البقرِ ، الطاعونِ ، الكوليرا ، إيبولا ، الجدري ..ألخ  ” ما هيَ إلا مخلوقاتٌ مؤتمراتٌ بأمرِ اللهِ تعالى : ” وللهِ جنودُ السماواتِ والأرضِ وكانَ اللهُ عليما حكيما ” وحصرها متعذرٌ ؛ فهيَ تتجددُ ما بينَ الفينةِ والأخرى : ” وما يعلمُ جنودَ ربكَ إلا هوَ وما هيَ إلا ذكرى للبشرِ ” وللهِ تعالى الحكمةُ البالغةُ في خلقها والابتلاءِ بها ، و لولا محنُ الدنيا ومصائبُها لأصابَ العبدَ منْ أدواءٍ الكبرِ والعجبِ والفرعنةِ وقسوةِ القلبِ ما هوَ سببُ هلاكهِ عاجلاً وآجلاً ، فمنْ رحمةِ أرحمِ الراحمينَ أنْ يتفقدهُ في الأحيانِ بأنواعٍ منْ أدويةِ المصائبِ ، تكون حميةً لهُ منْ هذهِ الأدواءِ .

أيّها المؤمنون : ولتفشي هذهِ الأوبئةِ العامةِ أسبابٌ منها : – ظهورُ الفاحشةِ والمجاهرةُ بها : فعنْ عبدِ اللهْ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : “ أقبلَ علينا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ : يا معشرَ المهاجرينَ ، خمسٌ إذا ابتليتمْ بهنَ ، وأعوذُ باللهِ أنَ تدركوهنْ : لمْ تظهرْ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتى يُعلنوا بها ، إلا فشا فيهمْ الطاعونُ والأوجاعُ التي لمْ تكنْ مضتْ في أسلافهمْ الذينَ مضوا ” ، وعنْ بريدةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : “ ولا ظهرتْ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ ، إلا سلّطَ اللهُ عليهمْ الموتَ ” .

أيّها المؤمنون : ومن أسبابها التعدي على حُرماتِ اللهِ تعالى بأكلِ ما حُرّمَ : ” حُرمتْ عليكمْ الميتةُ والدمُ ولحمُ الخنزيرِ وما أهلَ لغيرِ اللهِ بهِ والمنخنقةُ والموقوذةُ والمترديةُ والنطيحةُ وما أكلَ السبعُ إلا ما ذكيتمْ وما ذُبحَ على النُّصبِ وأنَ تستقسموا بالأزلامِ ذلكمْ فسقٌ ” .

أيّها المؤمنون : ومن أسبابها قلةُ النّظافةِ وملامسةُ القاذوراتِ : فعنْ أبي هريرة رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ : “ إذا استيقظَ أحدُكمْ منْ نومهِ ، فلا يغمسْ يدَهُ في الإناءِ حتى يغسلها ثلاثا ؛ فإنّهُ لا يدري أينَ باتتْ يدهُ ”

أيّها المؤمنون : وقدْ يكونُ منْ أسبابها التجبرُ والغرورُ : قالَ تعالى : ” كلا إنَ الإنسانَ ليطغى أنْ رآهُ استغنى ” وقالَ تعالى : ” إنّما مثلُ الحياةِ الدنيا كماءٍ أنزلناهُ منَ السماءِ فاختلطَ بهِ نباتُ الأرضِ ممّا يأكلُ الناسُ والأنعامُ حتى إذا أخذتِ الأرضُ زخرفَها وازيّنتْ وظنَّ أهلُها أنّهمْ قادرونَ عليها أتاها أمرُنا ليلاً أوْ نهارا فجعلناها حصيدا كأنَ لمْ تغنَ بالأمسِ كذلكَ نفصلُ الآياتُ لقومٍ يتفكرونَ ” .

 

الخطبة الثانية

 

أيّها المؤمنونَ : أكثروا منْ سؤالِ اللهِ تعالى العافيةَ ؛ فهيَ وصيةُ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لعمهِ العباسِ رضيَ اللهُ عنهُ فقدْ قالَ لهُ : » يا عباسُ يا عمَ رسولِ اللهِ ، سلِ اللهَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ «  رواهُ الترمذي وصححهُ ، ومنَ الصيغِ الواردةِ عنِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في ذلكَ : ما جاءَ عنْ  ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما قالَ : لمْ يكنْ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يدعُ هؤلاءِ الدعواتِ حينَ يمسي وحينُ يصبحُ : » اللهمَ إنّي أسألكُ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ ، اللهمَ إنّي أسألكُ العفوَ والعافيةَ في ديني ودنيايِ وأهلي ومالي ، اللهمَّ استرْ عوراتيِ وآمنَ روعاتي ، اللهمَ احفظني منْ بينِ يدي ومنْ خلفي وعنْ يميني وعنْ شمالي ومنْ فوقي وأعوذُ بعظمتكَ أنْ اغتالَ منْ تحتيٍ «  رواهُ أحمدْ وأبو داودْ وغيرهما وصححهُ الألباني ، ومنْ الأدعيةِ التي كانَ يقولُها صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في الاستعاذةِ منْ الأمراضِ : ما رواهُ أنسُ رضيَ اللهُ عنهُ أنَ النبيَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كانَ يقولُ : » اللهمَ إني أعوذُ بكَ منْ البرصِ والجنونِ والجذامِ ومنْ سيئِ الأسقامِ «  رواهُ أحمدْ وأبو داودْ وهوَ صحيحٌ.

 
المرفقات

1653398751_الأوبئة.pdf

المشاهدات 1162 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا