شبابنا في الإجازة بين الواقع والمأمول
مريزيق بن فليح السواط
الحمد لله، نحمده بكل المحامد على كل النعم، ونستعينة على منع البلايا ودفع النقم، ونستغفره من جميع الخطايا قبل حلول الندم، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، أوجدنا من العدم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا سيد ولد آدم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فالتقوى أريح المكاسب، وأجزل المواهب، بها تستنير البصائر والقلوب، وتُحط الخطايا والذنوب.
عباد الله:
الشباب ثروة الأمة في حاضرها، وأملها في مستقبلها، والاهتمام بهم علامة وعي الأمة، ودليل حضارتها وتقدمها.
الشباب نصر الله بهم الشرائع والأديان، وأظهر الحق في سائر البلدان، وجعل منهم رُواة الحديث وحملة القرآن.
الشباب أهم مرحله في حياة الانسان فهي مرحلة القوة والحيوية والنشاط، والنبوغ والذكاء قال تعالى: "اللهُ الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعف وشيبة" والسؤال يوم القيامة يأتي عن هذه المرحلة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدم إبن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..." وذكر منها "وعن شبابه فيما أبلاه".
الشباب أكثر الناس إستجابة للخير، وأسرعهم تأثرا لداعي الحق، قال تعالى: "فما أمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملإه أن يفتنهم" قال ابن كثير يرحمه الله: لم يؤمن لموسى مع ماجاء به من الأيات البينات، والحجج القاطعات، والبراهين الساطعات، إلا قليل من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب.
الشباب هم الذين يحملون هم الدعوة، ويبلغون رسالة الدين للناس، يقول إبن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا شابا، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" وقال عن يحي عليه السلام: "وأتيناه الحكم صبيا" أي أتيناه العلم. كل جمعة يُسنُّ للمسلم قرآة سورة الكهف، وأصحاب الكهف كانوا شبابا قال تعالى: "إذ أوى الفتية الى الكهف" وقال سبحانه: " إنهم فتية أمنوا بربهم".
الشباب قام على إيمانهم وصدق تدينهم، وجهادهم وتضحيتهم الإسلام فعامّةُ من أسلم أول أمر الدعوة من الصحابة كانوا شبابا، عمر رضي الله عنه أسلم وهو لم يبلغ الثلاثين، وسعد بن إبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير، وسعيد بن زيد، والأرقم بن إبي الأرقم، وعمار بن ياسر، رضي الله عنهم، أسلموا وهم في سن الشباب والفتوة، وعلى أيديهم تحقق للإسلام النصر والعزة والتمكين، وواصل المسيرة من بعدهم جيل عظيم من الشباب، مصروا الأمصار، وفتحوا البلاد، وأدخلوا في دين الله العباد، فهذا عقبة بن نافع، ومحمد بن القاسم، وقتيبة بن مسلم، وغيرهم من أبطال المسلمين كلهم كانوا شبابا.
الشباب هم من يقفون أمام الفتن، ويدفعون عند نزلها البلايا والمحن، أعظم فتنة تمر على البشرية فتنة المسيح الدجال!!! ومن يقف له، ويبين كذبه، شاب من أهل المدينة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يخرج له شاب من أهل المدينة فيقول أنت الأعور الدجال ...".
الشباب هم أهل الجنة جأت إمرآة عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول: أأدخل الجنة؟ فقال : "لا يدخل الجنة عجوز". ثم أخبرها أنها ستدخلها وهي شابة.
عباد الله:
الناظر في حال بعض شبابنا يجد حالهم مُخزي، وواقعهم مُزري، يرى ضياعا لنخبة من شباب الأمة، يجد جهلا بالدين، وضياعا للصلوات، وإتباعا للشهوات، وإغراقا في الملذات، تجد عند بعض شبابنا شكا في المُسلمات، قد أختلطت عليهم الأوراق، وانقلبت لديهم المفاهيم، فأصبحت الاهتمامات بقضايا ثانوية، وغدت الطموحات عادية، يرى المجد في رنة نغم!! أو ركلة قدم!! أو هزة جسم!! بعض شبابنا تجرد من دثار التقوى ليلبس ما يُزري به من ملبوسات أهل الكفر والضلال، يحاكيهم في حركاتهم، ويشابههم في ملابسهم، ويشاركهم في ترهاتهم وسخافاتهم، بل أصبح البعض يكرة الإسلام وشرائع الدين، ويُعْجبُ بالكفرة والمفسدين، ويُفْتن بحضارة الغرب الضالين، زيارة للأسواق وأماكن تجمعات الشباب، تُنْبئُك إلى أي درك وصل شبابنا!!! وإلى أي هبوط بلغ أبنائنا!!! حركات ساقطة، وكلمات بذئية، وملابس سئية، وتقليعات عجيبة، فلا حياء يردعهم، ولا دين يمنعهم.
إسئل مُغسلي الأموات وأكثر من يموت هم الشباب فستسمع منهم ما يُحزنك ويسؤك، ويُدمي قلبك ويُهيّج دموعك، فهذا شاب يقود سيارته بسرعة جنونية فينفجر الإطار وتنقلب السيارة عدة مرات، وإذا هذا الشاب ينازع الموت، قد اختلطت الدماء بالدموع، وتمازجت الجراح بالحسرات، فيأتيه شخص ويقول له: قل لا إله إلا الله، فيرفع هذا الشاب رأسه، وينظر إلى الرجل ويقول: ما صليت ولا ابي اصلي روح الله يلعن دينك!!! ثم يموت على هذه الحال، نعوذ بالله من سوء المنقلب والمآل، وشاب آخر إنقلبت سيارته، وانطبقت عليه، واشتعلت فيها النار، فيأتيه
الناس وقد أحترق نصف جسمه، فيقولون له: قل لا إله الا الله. فيصرخ بأعلى صوته وقد أحترق نصف جسمه!!! أنا في سقر!! أنا في سقر!! أنا في سقر!! حتى جأت النار على كل جسمه واحترق!!! من أوصل أبنائنا إلى هذه الدرجة؟؟ ومن ضيع شبابنا وجعلهم أفواجا ممسوخة؟؟ من الذي لبّس ودلّس عليهم حتى أُخذوا بنواصيهم الى سُبل الشيطان؟؟ فاتقوا الله معاشر الأباء وقوموا بواجبكم، وانصحوا لأبنائكم، ربوهم على الصفات الحميدة، والطرق المستقيمة، قربوهم ممن يزرع فيهم الخير، ويحذرهم من الشر، اجعلوا من سلف الأمة قدوة لهم، وعلموهم ما ينفعهم، جنبوهم قرناء السوء ومجالستهم، والسفر معهم ومصاحبتهم. اغرسوا فيهم حب الإسلام ونصرته، والاعتزاز به والدفاع عنه فإنهم رجاله وحملته. "فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
الحمد الله على إحسانه ...
عباد الله:
لقد كرم الله الشباب وأنعم عليهم بنعم كثيرة، وحق النعم استعمالها في طاعة الله، والمجاهدة في مرضاته، والا كانت هذه النعمة نقمة عليهم، وعلى مجتمعهم، وصارت قنبلة مدوية مفسدة مهلكة للحرث والنسل، وتدبير الأمم، ومفخرة الدول، إنما تكون بكثرة شبابها، وصلاح أبنائها، واستقامتهم على الجادة، وبذل وسعهم لخدمة أممهم ومجتمعاتهم، ودولتنا هذه دولة شابة فتية ونسبة الشباب فيها تصل إلى 69 %، وأكثر من نصف السكان أعمارهم أقل من 15 سنة، مع ما حَبى الله هذه البلاد من نعم كثيرة ظاهرة وباطنة، فعار أن يكون الشباب عندنا منحرفين ومفسدين، مفرطين في الحقوق والواجبات، منهمكين في المعاصي والملذات، ضلوا ولم يهتدوا، وانحرفوا ولم يستقيموا، والنعم إذا لم تشكر زالت وذهبت، وأعقبتها النقم والمحن، أن من المؤسف حقا، والمخالف شرعا وعقلا أن تجد ما نسبته 60% من شبابنا يقضون جل وقتهم أمام القنوات الفضائية!! أضاعوا أمام شاشاتها أوقاتهم، ودمروا حياتهم، فلم يُنتفع بهم في أمر دين ولا دنيا.
أيها الشباب:
وأنت تقف أمام المرآة، تصلح شماغك، وتنظر في حسن ثيابك، وجمال ساعتك، وبهاء طلتك، هل تحصي نعم الله عليك في جسمك؟؟ أنظر إلى قِوام قامتك، وحُسن منطقك، وسمعك وبصرك، وقوتك ونشاطك!!! وغيرك عاجز مريض، أو مقعد حسير!! فحمد الله على نعمه عليك، وسمو بنفسك للمعالي، واهجر الذنوب والمعاصي.
أيها الشاب:
بالله عليك هل شاهدت عن أعمى يغازل بالأسواق أو ينظر إلى الأفلام الخليعة والصور المحرمة؟؟ وأنت تنظر الى الحرام بنعمة البصر!! هل سمعت عن أصم يستمع للأغاني والموسيقى؟؟ وأنت تستمع لها بنعمة السمع!! هل مرّ بك مشلول يرقص على الأرصفة، ويتمايل داخل سيارته؟؟ وكم من شبابنا من يرقص بنعمة اليد والرجل على الأرصفة وفي الشوارع وعلى خشبة المسرح؟؟ هل رأيت مقعدا يسافر إلى خارج هذه البلاد ليعب في الشهوات، ويشرب الخمر والمسكرات، ويعاشر البغايا والعاهرات!! يمشي على رجليه للحانات والبارات ليقضي شهوة عابرة ونزوة عارمة!! تذهب لذتها وتبقى حسرتها.
قد يجد بعض الشباب الذين يمتعون أنفسهم بالحرام، لذة ومتعة، مع أنهم يخسرون أعظم خسارة، ويضيعون على أنفسهم أعظم فرصة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا بن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعم قط؟ فيقول لا والله يا رب" كل الشهوات والملذات، والمتع والمحرمات ينساها بغمسة واحده في النار!! "ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة -فقير مشلول لا يسمع ولا يبصر لكنه تقي نقي، حافظ لفرجه، مقبل على طاعة ربه- فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا إبن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يارب" ينسى بؤسه وفقره ومرضه بغمسة في الجنة، أنه النعيم المقيم، والفوز الكبير. الحورية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "لنصيفها على الرأس خير من الدنيا ومافيها" هذا الغطاء الذي تضعه على رأسها خير من الدنيا بقصورها وكنوزها ومتعها وشهواتها!! فكيف بمن تحت الغطاء؟؟.
ويقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أطلت على أهل الأرض لملأت ما بين السموات والأرض ريحا، ولذهب ضوء الشمس والقمر، ولو بصقت في بحار الدنيا لتحول الماء الأجاج الى عذب سلسبيل" تحلية بتفلة واحدة!! فيا عجبا لمن إختار نساء الأرض على نساء السماء!! وأشتغل بحور الطين عن الحور العين!! وتبا لعقل لاتعي وقلوب لا ترعوي.
الشباب غنيمة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أغتنم خمساً قبل خمس..." وذكر منها "شبابك قبل هرمك" وغنيمة الشباب لابد من إستثمارها والمحافظه عليها وشغل الوقت بالعمل الصالح فيها .
المشاهدات 3817 | التعليقات 6
رفع الله قدرك، ويسر أمرك، وغفر ذنبك أخي الحبيب شبيب
وجزاك عني وعن المشاركين بهذه الملقى خير الجزاء.
مع بداية الإجازة الصيفية والحاجة للتذكير بمرحلة الشباب وأهميتها وكيف يكون شبابنا صالح في نفسه نافع لمجتمعه وأمته وضعت هذه الخطبة لعل الله أن ينفع بها صاحبها ومستمعها،،،،
شيخ ابو عمر الطائفي السلام عليكم ورحمة الله
بورك فيك شيخ أبا عمر وفع بك وبعلمك
نود أن تغير اسمك من صديق الخطباء إلى خطيب طالما وهذه الخطب لك أم ترغب أن نغير ذلك نحن؟؟
بل "أمر" أخي زياد فمثلك يأمر ولا يطلب.
أخي الغالي جزاك الله خير ع حسن ظنك، والأمر لك في تغيير المسمى...
هذه الخطبة وأخواتها بضاعة مزجاة وجهد المقل العاجز حالي كما قال الأول: "أجمع من هنا ومن هنا وأقول ألفته أنا" شاركت بها في هذا الملتقى نفعا لنفسي فالدال على الخير كفاعله، وأنا الى النقد والتصحيح أحوج لا سيما وهذا الملتقى المبارك يشارك به أفاضل الخطباء، ويستفيد منه مقدم الناس وأئمتهم.
نفعني الله بكم وجزاكم عني وعن المشاركين والمستفيدين من هذا الملتقى خير الجزاء،،،،،
هذا ظننا فيك وبك ونشكرك على القبول فما اسمك إذا؟؟؟
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق