شاب نشأ في عبادة الله

هلال الهاجري
1443/10/18 - 2022/05/19 02:41AM

الحمدُ للهِ العظيمِ الشَّأنِ، ذي القوةِ والجبروتِ والسُّلطانِ، والرحمةِ والسِّترِ والغُفرانِ، عزَّ ربَّاً وخالقاً، وجلَّ إلهاً ومالكاً، وما من شيءٍ إلا يسبحُ بحمدِه، وما من مخلوقٍ إلا محتاجٌ لرحمتِه، إلهٌ واحدٌ أحدٌ، فَردٌ صمدٌ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ذَلتْ الرقابُ أمامَ جَلالِه، وخشعتْ الأصواتُ لبهاءِ مَقالِه، (أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خيرُ من دعاهُ ربُه فأجابَه، وأصدقُ من لاذَ به واحتمى بجنابِه، فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلِه وذريتِه وأعلامِ صحبتِه وأنصارِ دعوتِه، أما بعد:

يومٌ عبوسٌ قمطريرٌ مِقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ، لا تسمعُ فيه إلا الهمسَ ولا ترى فيه إلا المسكنةَ، لحظاتٌ عاصفةٌ، وقلوبٌ واجفةٌ، ونظراتٌ خاطفةٌ، (تَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ الْأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ)، وإذا رأيتَ هناكَ .. رأيتَ سبعةَ أصنافٍ من البَشرِ، في ظلٍّ من الشَّمسِ وأَمنٍ من الخَطرِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: -وذكرَ منهم- وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ).

أيُّها الأحبابُ .. عندما نتكلمُ عن الشَّبابِ، فإننا نتكلمُ عن المرحلةِ العُمريةِ الأهمِّ في حياةِ كلِّ إنسانٍ، هي المرحلةُ التي تختلطُ فيه المشاعرُ، وتمتليءُ بالعَواطفِ الفيَّاضةِ، والقوَّةِ والهِمَّةِ، والَحماسِ والشَّهوةِ، والطَّاقةِ والإبداعِ، ولكن العَجَبَ أنَّ الكثيرَ يَفَرِّطُ في شَبابهِ ثُمَّ يَندمُ بعدَ الضَّياعِ، كما قالَ الشَّاعرُ:

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عَيني *** فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النَّحيبُ

فيَا لَيتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوْماً *** فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ

عندما نتكلمُ عن الشَّبابِ، نتكلمُ عن قُوةٍ تحملُ الحِملَ الثَّقيلَ، ونتكلمُ عن إيمانٍ يُحقِّقُ المُستحيلَ، نتكلمُ عن عالي الهِممِ، ونتكلمُ عن أساسِ الأُممِ، فلا مجدَ ولا نجاحَ لأمَّةِ، حتى يكونَ شبابُها أصحابَ همَّةِ.

إيمانُ الشَّبابِ، شيءٌ عُجابٌ، ولذلكَ مُليءَ القُرآنُ بأخبارِ إيمانِ الشَّبابِ، أنبياءَ كانوا أو أولياءَ، ، ومنها قِصَّةٌ عجيبةٌ قَصَّها اللهُ تعالى كِتابِهِ، أبطالُها شبابٌ مؤمنونَ: (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، فحُقَّ لنا أن نُكرِّرَها كلَّ جُمعةٍ، لنتذكرَ كيفَ تركَ الشَّبابُ ما عليه قومُهم من الشِّركِ والشَّهواتِ، وتوجَّهوا إلى عبادةِ ربِّ الأرضِ والسمواتِ: (فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، فَجُعلَ لهم الكهفُ مع الإيمانِ، مكاناً للرَّحمةِ والتَّوفيقِ والأمانِ: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا)، فما أَغَلى الشَّبابَ المُؤمنُ.

سَلامٌ عَلَيكُم رِجالَ الوَفاءِ *** وَأَلفُ سَلامٍ عَلى الوَافِياتِ

إِذا أَنا أَكبَرتُ شَأنَ الشَبابِ *** فَإِنَّ الشَبابَ أَبو المُعجِزاتِ

العزيمةُ الصَّادقةُ للشَّبابِ، ليسَ لها حدٌ إلا السَّحابَ، فهذا شابٌ يُناقشُ أباهُ وقومَه في عبادةِ الأصنامِ، وأن هذا ليسَ من فعلِ ذوي الأحلامِ: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)، ولمَّا لم يقبلوا منه الكلامَ، أقبلَ على تكسيرِ الأصنامِ: (قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)، عجيبٌ أمرُ الشَّبابِ إذا اقتنعوا بشيءٍ من الأشياءِ، فعندَهم استعدادٌ لمواجهةِ الخَلائقِ جَمعاءَ، (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)، فجاءَ النَّصرُ: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)، فَتىً بحثَ عن الحقِّ وحاربَ الأباطيلَ، فرفعَه اللهُ تعالى إلى منزلةِ الخَليلِ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ والمسلماتِ، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنَّ ربي كانَ غفورًا رحيمًا.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ مُفرجِ الكُروبِ، وغَافرِ الذُّنوبِ، وصلى اللهُ على عبدِه ورسولِه النَّبيِّ المحبوبِ، الذي بُعث إلى الناسِ جميعاً، لِيُخرِجَهم من ظُلماتِ الجاهليةِ إلى نورِ الإيمانِ، وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليماً، أما بعد:

اسمَعوا للشَّبابِ، عِندَما يَملأُ حُبُّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ قُلوبَهم، فَهَذا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي غَزوةِ بَدرٍ، فَغَمَزَهُ شَابٌّ مِنَ الأنصارِ فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ بِهِ؟، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُفَارِقْ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَغَمَزَنِي آخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، قَالَ: فَرَأَيتُ أَبَا جَهْلٍ، فَقُلْتُ لَهُمَا: هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: (كِلَاكُمَا قَتَلَهُ)، أتلوموني في الشَّبابِ وقد قتلوا فرعونَ هذه الأمَّةِ، فهل بعدَ هذه الهمَّةِ من همَّةٍ؟.

أيُّها الشَّبابُ .. الكلُّ يُراهنُ عليكم، أعداءُ الإسلامِ يُراهنونَ ليَجعلوكم في لهوٍ وغَفلةٍ وضَياعٍ، والمصلحونَ يُراهنونَ لتكونوا في عِزَّةٍ وعُلوٍ وارتفاعٍ، وأنتم أخبروني أين تنظرونَ أإلى القمَّةِ أم إلى القَاعَ؟.

ألستَ شاباً قوياً تُحبُّ التَّحدَّي والمغامرةَ، فهل تستطيعُ تحتَ وطأةِ الفتنِ والمُغرياتِ المُعاصرةِ، أن تجعلَ أمنيةَ تحقيقِ ظلِّ اللهِ في ذِهنكَ حاضرةٌ .. واعلموا أنَّه ليسَ لنا خيارٌ إلا حبُّكم، وليسَ لنا أمنيةٌ إلا صلاحُكُم، فحافظوا على صلاتِكم، واحفظوا كتابَ ربِّكم، وأطيعوا والديكم، واحفظوا أبصارَكم، وفرِّغوا بالطَّاعاتِ والمباحاتِ طاقاتِكم، واسألوا اللهَ الهِدايةَ والثَّباتَ، في زمنِ الشَّهواتِ والشُّبهاتِ.  

اللهم أصلحْ شبابَ المسلمينَ ذكورًا وإناثًا، اللهم اجعلهم هداةً مهتدينَ، بالقرآنِ عاملينَ وبسنةِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ متمسكينَ، اللهم جنّبهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ربنا أعنا ولا تُعن علينا، وانصرنا ولا تَنصر علينا، وامكرْ لنا ولا تمكرْ علينا، واهدنا ويَسرْ الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم إنا نسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، اللهم أحينا سعداءَ، وتوفنا شهداءَ، واحشرنا في زمرةِ الأتقياءِ يا ربَّ العالمينَ.

المرفقات

1652928042_شاب نشأ في عبادة الله.docx

1652928080_شاب نشأ في عبادة الله.pdf

المشاهدات 1899 | التعليقات 0