شأن الصلاة عَظيم
سعود المغيص
اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى :
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد عباد الله :
اتقوا الله تعالى، وعظِّموا شعائرَ الله, فإنَّ ذلك مِن تَقْوَى القُلُوب, واعلمُوا أنَّ شأنَ الصلاةِ عَظيم, لأنَّها أوجبُ الواجباتِ بعدَ الشهادتين. ولِعِظَمِ شأنِها: حّثَّ الشارِعُ الحكيمُ على احتِرامِ الْمُصَلِّي, وأعطاهُ مِنَ الْحُقُوقِ والْخصائِصِ والفضائِل ما يَدُلُّ على مكانتِهِ وعَظِيمِ قَدْرِه. فَمِنْ ذلك:
أولا: تَحْريمُ المُرُورِ بين يَدَي الْمُصَلِّي: لِقَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْراً لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بين يَدَيه ). فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَمُرَّ أمامَ الْمُصلِّي, احتراماً له, ولِعِبادَتِه, ولأنه يُناجي ربَّه. والمُرادُ بِقولِه: ( بَينَ يَديِهِ ), أي: بَيْنَ الْمُصَلِّي وبَيْنَ السُّتْرَة, إذا كانَ قَدْ وَضَعَ سُترةً أمامَه. فَإن لَمْ يَكُن أمامَه سُتْرة, فإنَّ المُرادَ هو المسافَةُ المُقَدَّرةُ التي تكونُ بين الْمُصَلِّي والسُّترة, وهي ثلاثةُ أذْرُعٍ, أي قُرابَةَ مِتْرٍ ونِصْفِ المِتْر. فإذا أرادَ الشَّخْصُ أن يَمُرَّ أمامَ الْمُصَلِّي, فَلْيَبْتَعِدْ عنه مسافةَ مِتْرٍ ونِصف, كَيْ لا يَقَعَ في الإثم.
ثانيا: أن الْمُصَلِّي يناجي ربه: وهذا تكريمٌ مِنَ اللهِ لعبدِه المؤمن, إذا
قامَ بين يديه يصلي, فينبغي للمؤمنِ أن يستشعِرَ هذا التكريم, ويحترمَ
هذا المقامَ العظيم.
ثالثاً: أن العبدَ إذا خرَجَ من بيتِهِ إلى المسجِدِ لا يُريدُ إلا الصلاةَ, فإنه لا يخطو خطوة إلا رفَعَه اللهُ درجة, وحَطَّ عنه خطيئة, كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: أن العبدَ إذا دَخَلَ المسجدَ وجَلَسَ ينتَظِرُ الصلاةَ فإنه في صلاة, والملائكةُ تستغفِرُ له وتدعو له, ( اللهم اغفر له, اللهم ارحمه ), ما لَمْ يُحْدِثْ أو يُؤذِ أحداً, كما أخبَرَ بذلك الرسولُ صلى الله عليه وسلم.
خامساً: أنَ الْمُصَلِّيَ قريبٌ من الله, خاصةً حالَ السجود, قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ).
سادساً: أن المؤمنَ العاصي, إذا مات مِنْ غيرِ توبة, فإنَّ أَمْرَه إلى الله, إن شاءَ غَفَرَ له, وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ بِقَدْرِ ذنبِه لِيُطّهِّرَه, ثُمَّ يُدْخِلُهُ الجنة, ولكن الأمْرَ العَجيبَ هو أنه إذا دَخَلَ النارَ, فإنَّ النارَ لا تأكل مواضع السجود, لأنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ على النارِ أن تأكُلَ مَواضِعَ السجود. فهيَ مواضِعٌ مُحْتَرَمةٌ في بَدَنِ المُصَلِّي.
سابعاً: قال صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ). قال صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ). ففي الحديث النَّهْيُ عن التَّعَرُّضِ بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن مَنْ صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله. ومن تعرَّضَ له، فقد أخفر ذمةَ الله وأمانَه، فيستحق عقابَ الله له على إخفارِ ذمتِه، والعدوان على من في جواره. وفيه دليل على أنه يجب احترامُ المسلمين الذي صدَّقوا إسلامَهم بصلاة الفجر, لأن صلاة الفجر لا يحافظ عليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم.
أقول قولي هذا ..
اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمّا بَعدُ عباد الله :
ومِنَ الأُمورِ المتعلِّقةِ باحتِرامِ الْمُصَلِّي: مَنْعُ مَنْ أكَلَ الثومَ والبَصَلَ من دُخُولِ المسجِد, كي لا يتأذَّى الْمُصَلِّي بالرائِحَةِ الكريهة. وبناءً عليهِ فإنه ينبغِي لِمَن دَخَلَ المسجِدَ أن يَحْذَرَ من ذلك. وليسَ الحُكْمُ خاصًّا بالثومِ والبصل, لأن الحُكْمَ يدورُ مَعَ عِلَّتِه وُجوداً وعَدَماً, فَكُلُّ رائِحَةٍ مُؤذِيةٍ فإنه يَجُبُ التَخَلُّصُ منها قَبْلَ دخولِ المسجد.
ومن الأمورِ المتعلِّقَةِ باحترامِ الْمُصَلِّي: أن الْمُصَلِّيَ مَشْغُولٌ بِمناجاةِ الله, فلا يَجوزُ التشويشُ عليه بِرفْعِ الصوتِ بالقراءَةِ, أو التحدُّثِ عنده بصوتٍ مرتَفِع. والنبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً على أصحابه وهم يصلون في المسجد ويجهرون بالقراءة، فقال: ( كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ) وفي رواية: ( فلا يؤذ بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ). وإذا نُهِيَ المسلم عن أذى أخيهِ المصلي برفع الصوت بالقرآن, فما بالُكُم بنغماتِ الجوالِ الموسِيقِيَّة التي تساهَلَ فيها كثيرٌ من المسلمين, والتي ينبغي التخَلُّصُ منها في غير المساجد, لِنَهْيِ الشارعِ الحكيمِ عنها, فكيف بها في بيوت الله؟.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم ارزقنا الإخلاص والقبول في القول والعمل