سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الجزء 1
أحمد بن صالح العجلان
الخطبة الأولى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ وَالَاهُ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ اخواني: قبل مولد الرسول r بليلة رأت أمه آمنة بنت وهب في منامها كأنه يخرج منها نورأضاءت منها قصور الشام وَذَلِكَ النُّورُ عِبَارَةٌ عَنْ ظُهُورِ نُبُوَّتِهِ واضمحلال ظُلْمَةُ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ. وارتج لمولده r قصر كسرى, وخمدت نيران المجوس وسقط كثير من الأصنام وهتفت به الجان وقبل أن تلده مات أبوه وهو حمل في بطن أمه وولد بمكة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول عام الفيل فنشأ يتيماً بلا أب فسلمته الى المرضعة حليمة السعدية فأرضعته وحلت البركة عليها ولما بلغ أربع سنوات وهو يلعب مع الغلمان أتاه جبريل فشق صدره فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه فخافت عليه حليمة فأعادته إلى أمه فأخذته وسافرت به إلى المدينة ولكنها مرضت في الطريق ثم ماتت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة وعمره ست سنوات فكفله جده العطوف عبدالمطلب فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده ولما بلغ ثمان سنوات توفي جده عبدالمطلب وكفله عمه أبو طالب فأحبه حبا عظيما وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم،وظل فوق أربعين سنة يحميه ويخاصم من أجله ويدافع عنه ولما بلغ الخامسة والعشرين من عمره عرضت عليه خديجة بنت خويلد أن يتاجر بمالها إلى الشام لما رأت منه الأمانة والصدق ومكارم الأخلاق حيث كان يلقبه قومه بالأمين فتاجر بمالها مع غلامها ميسرة ولما قدم من الشام تزوج من خديجة ولما بلغ الخامسة والثلاثين من عمره جرف مكة سيل عظيم، وانحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الإنهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه فاصطلحوا على أن أول من يدخل الحرم هو الذي يحكم في القضية فدخل رسول الله rفلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد فطلب منهم رداء، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده، فوضعه في مكانه وفي صحيح مسلم: {كان يمرُّ في وديان مكة، فيراه الحجر فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله! ويراه الشجر فيقول الشجر: السلام عليك يا رسول الله} قبل النبوة، يسلم عليه الشجر والحجر، فيفزع ويخاف وينظر فلا يرى شيئاً. وكان r يخرج من مكة إلى غار حراء في جبل النور يتعبد، فكان يتحنث ويتوجه بقلبه إلى الله، يعرف أن للكون إلهاً خالقاً رازقاً وأنه يستحق العبادة غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَانْبِي بَعْدَهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ وَأَفْضَلُ مَآبٍ وَالْمُوصِلُ إِلَى رِضَى رَبِّ الْعِبَادِ. اخواني ولما بلغ النبيr أربعين سنة جاءه جبريل ودخل عليه في الغار فضمه ضمة شديدة حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله وقال له: اقرأ.فأجابه الرسول r ما أنا بقارئ فكرر جبريل عليه القول ثلاث مرات، والرسولrيجيبه بنفس الجواب، فقال له جبريل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}وهكذا ابتدأت دعوة الحق نورًا أضاء في غار تقاس مساحته بالأشبار، حتى لم يلبث هذا النور إلا قليلًا حتى ملأ الأقطار والأمصار وقد رجع رسول الله r عقب نزول الوحي عليه يرجف فؤاده، ودخل على زوجته خديجة، وقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم أخبرخديجة بما وقع له في غار حراء فطمأنته و قالت له: "والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان عنده علم بالكتب السماوية، فلما سمع من الرسول rخبر ما رأى أدرك أن هذا هو الوحي الذي كان ينزل على الأنبياء من قبل، فبشر محمدًا rبأنه سيكون نبي هذه الأمة وتمنى ورقة لو يطول به العمر حتى تظهر رسالة محمد r فيكون من أنصاره وأعوانه فمنعت الشياطين من خبر السماء وهتف الجان برسالة سيد الأنبياء ومن ذلك ماقاله عمر بن الخطاب t قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى شَرٍّ نَعْبُدُ الأصنامَ، وَنَعْتَنِقُ الأوثانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وبالإِسلام .وقال أيضا : وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبح لَهُ رجلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَه ليقْسِم لَنَا مِنْهُ، إذْ سمعتُ مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صَوْتًا مَا سمعتُ صَوْتًا قطُّ أَنْفَذَ مِنْهُ يَقُولُ: يَا ذَري، أمرٌ نَجِيحٌ، رجلٌ يَصِيحُ، يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وسمع أحدهم وهو نائم قرب مكة هاتفا يقول: عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا ولما دخل مكة وجد محمد r يدعوا الناس إلى لاإله إلا الله. هذا وصلوا وسلموا على نبيكم كما امركم بذلك ربكم فقال عز من قائل حكيما( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقالr «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا») فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد بن عبدالله البشير النذير، والسراج المنير صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونستعيذك من شر ما ستعاذك منه عبدك ونبيك محمد r.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . وفق ولي أمرنا بتوفيقك يارب العالمين اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والرِّياء، والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عِبَادَ اللهِ :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}.