سيد الاستغفار-9-11-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1437/11/08 - 2016/08/11 18:44PM
[align=justify]أما بعد: فنبيُنا-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسَلَّم-قَالَ: "سيِّدُ الاسْتِغْفارِ، أَنْ يقُولَ الْعبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ، منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها، فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ".
إن كانَ قد جاءَ في الاستغفارِ فضائلُ عظيمةٌ، وأجورٌ كريمةٌ، فكيفَ بسيِّدِ الاستغفارِ؟ ولذلكَ ليسَ بينَ من قالَه صِدقًا ويقينًا وبينَ الجنَّةِ إلا نزولَ الموتِ وخروجَ الرُّوحِ.
إن الاعترافَ بالذَّنبِ قبلَ الاستغفارِ، هو من أعظمِ أسبابِ حصولِ المغفرةِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ–كثيرُ الخطأِ-وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، ومن التَّوبةِ الشُّعورُ بتَّقصيرِك، في عبادةِ ربِك، ولذلكَ نقولُ: "وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ"، فمن يستطيعُ تحقيقَ كاملِ العباداتِ؟، ومن يستطيعُ الوفاءِ بالعُهودِ الغليظاتِ؟، فنأتي بما استطعْنا ونستغفرُ اللهَ على ما فاتَنا، ونندمُ ونعترفُ بأخطائِنا، وكما جاءَ في الحديثِ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ".
فهذا أبونا آدمُ-عليه الصلاة ُوالسَّلامُ-خلقَه اللهُ-تعالى-بيدِه، ونفخَ فيه من روحِه، وعلَّمه أسماءَ كلِّ شيءٍ، وأسجدَ له ملائكتَه، وأسكنَه جنتَه، ومع ذلكَ كلِّه عصى الربَّ، وخالفَ الأمرَ، وأكلَ من الشَّجرةِ، فلما علمَ اللهُ-سبحانَه-ندمَه على ذلكَ وشعورَه بالتَّقصيرِ، تلَّقى آدمَ وحَواءَ من ربِّهما كلماتٍ قليلةً مباركةً، اعترفا فيها بالذَّنبِ والجنايةِ: [رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا]، ثم طلبا المغفرةَ، [وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ]، فتاب اللهُ-سبحانَه-عليهِما واصطفاهُما واجتباهُما، [ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى]، فما أعظمَ فضلَ اللهِ-تعالى-على منِ اعترفَ بذنبِه واستغفرَ.
أبو بكرٍ الصِّديقِ-رضيَ اللهُ عَنْهُ-أفضلُ الناسِ-بعد الأنبياءِ والرسلِ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-، يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، فإذا كانَ دعاءُ أبي بكرٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا"، فإنه لا ينبغي لأحدٍ منا أن يغترَّ بعملِه، أو يُزكي نفسَه.
ما أجملَ أنْ نستشعرَ هذه المعاني، وندعو دعاءَ المعترفِ بذنبِه النَّادمِ على تقصيرِه.
اسمع إلى أثرِ كلماتِ الندمِ، والاعترافِ بالذنبِ والظلمِ، التي قالها يونسُ-عليه الصلاةُ والسلامُ-في بطنِ الحوتِ، قالَ الرسولُ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "دَعْوَةُ ذِي النّونِ، إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ، إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ"، هذا الاعترافُ بالظُّلمِ، والإقرارُ الجميلُ، إذا خالطَ الدُّعاءَ من العبدِ الذَّليلِ، فإنَّه يصيبُ إجابةَ الكريمِ-سبحانهَ-.
اعترافُ العبدِ المؤمنِ-الذي خاضَ في المحرماتِ-بأنه أجرمَ في حقِّ ربِه ونفسِه والخلقِ، هو أولُ أسبابِ التَّوبةِ والهدايةِ من اللهِ، قالَ-تعالى-: [وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]، وقالَ الرسولُ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ"، وقالَ: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ، فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ، فَاغْفِرْ لي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، قَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ"، فالعبدُ لا بُدَّ له من الخطأِ، فإذا كانَ كلما أخطأَ اعترفَ بذنبِه واستغفرْ، فسيغفرُ اللهُ-تعالى-له.
وانظرْ كيفَ تعاملَ إبليسُ مع الذَّنبِ، فلم يعترفْ بالمعصيةِ، ولم يعاتبْ نفسَه، ولم يَتُبْ منها، بل لامَ ربَّه-سبحانَه وتعالى-: "قَالَ:فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، فلذلكَ طُردَ من ملكوتِ السمواتِ، وأُخْرِجَ من رحمةِ اللهِ محسورًا مذمومًا، مخذولًا مدحورًا، قائدًا للشرِ، خالدًا في النارِ.
وكذلكَ المنافقونَ لا يعترفونَ بذنوبِهم ولا يستغفرونَ، فلما تكلموا في رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-وأصحابِه-رضي اللهُ عنهم-ما ندموا ولا تابوا ولا اعتذروا، وإنما قالوا كما أخبرَ اللهُ-تعالى-: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ".
ذكرَ ابنُ الجوزي-رحمَه اللهُ-قصَّةً أبي نواسٍ بعدَ موتِه، وهو المعروفُ بشاعرِ الخمرِ، يَقولُ صديقُه: "لما ماتَ أَبُو نُوَاسُ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟، قَالَ: غَفَرَ لِي بِأَبْيَاتٍ قُلْتُهَا، هِيَ تَحْتَ الْوِسَادَةِ، فإذا تحتها رُقعةٌ مكتوبٌ فيها:
أستغفرُ اللهَ لي ولكم.
أما بعدُ: فَتأملوا كيفَ خُتمَ سيِّدُ الاستغفارِ، "فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ"، فإذا اجتمعَ مع الاعترافِ بالذَّنبِ، ذُلٌ للهِ-عزَّ وجلَّ-، وأنه الواحدُ القادرُ على مغفرةِ الذُّنوبِ، تحقَّقَ ما يرجوه العبدُ من مغفرةِ الذَّنبِ وحصولِ الأجرِ، وهذا لا يكونُ إلا مع استشعارِ عظمةِ اللهِ وجلالِه، وغناه عن كلِّ خلقِه، فهو يغفرُ ذنبًا، ويفرِّجُ همًّا، ويكشفُ كربًا، ويجبرُ كسيرًا، ويُغني فقيرًا، ويُعَلِّمُ جاهلًا، ويهدي ضالًّا، ويُرشِدُ حيرانًا، ويغيث لَهْفَانًا، ويَفُكُّ عانيًا، ويُشبعُ جائِعًا، ويَكْسُو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويُعافي مبتلى، ويَقبلُ تائبًا، ويَجزي مُحسنًا، ويَنصرُ مظلومًا، ويَقصِمُ جبَّارًا، ويُقيلُ عثرَةً، ويَسترُ عَورةً، ويُؤَمِّنُ رَوعةً، ويرفعُ أقوامًا، ويضعُ آخرينَ.
لا بدَّ أن يكونَ في قلبِكَ أنَّه ليس هناك ذنبٌ لا يغفرُهُ اللهُ، وليسَ هناكَ حاجةٌ تُطلبُ لا يقدرُ عليها.
فإذا اجتمعتْ تلكَ المعاني أو بعضُها أو مثلُها في قلبِ من يقولُ سيِّدَ الاستغفارِ، فلا يكونُ بينَه وبينَ الجنَّةِ-بإذنِ اللهُ-إلا الموتَ ولقاءَ العزيزِ الغفَّارِ.[/align]
إن كانَ قد جاءَ في الاستغفارِ فضائلُ عظيمةٌ، وأجورٌ كريمةٌ، فكيفَ بسيِّدِ الاستغفارِ؟ ولذلكَ ليسَ بينَ من قالَه صِدقًا ويقينًا وبينَ الجنَّةِ إلا نزولَ الموتِ وخروجَ الرُّوحِ.
إن الاعترافَ بالذَّنبِ قبلَ الاستغفارِ، هو من أعظمِ أسبابِ حصولِ المغفرةِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ–كثيرُ الخطأِ-وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، ومن التَّوبةِ الشُّعورُ بتَّقصيرِك، في عبادةِ ربِك، ولذلكَ نقولُ: "وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ"، فمن يستطيعُ تحقيقَ كاملِ العباداتِ؟، ومن يستطيعُ الوفاءِ بالعُهودِ الغليظاتِ؟، فنأتي بما استطعْنا ونستغفرُ اللهَ على ما فاتَنا، ونندمُ ونعترفُ بأخطائِنا، وكما جاءَ في الحديثِ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ".
فهذا أبونا آدمُ-عليه الصلاة ُوالسَّلامُ-خلقَه اللهُ-تعالى-بيدِه، ونفخَ فيه من روحِه، وعلَّمه أسماءَ كلِّ شيءٍ، وأسجدَ له ملائكتَه، وأسكنَه جنتَه، ومع ذلكَ كلِّه عصى الربَّ، وخالفَ الأمرَ، وأكلَ من الشَّجرةِ، فلما علمَ اللهُ-سبحانَه-ندمَه على ذلكَ وشعورَه بالتَّقصيرِ، تلَّقى آدمَ وحَواءَ من ربِّهما كلماتٍ قليلةً مباركةً، اعترفا فيها بالذَّنبِ والجنايةِ: [رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا]، ثم طلبا المغفرةَ، [وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ]، فتاب اللهُ-سبحانَه-عليهِما واصطفاهُما واجتباهُما، [ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى]، فما أعظمَ فضلَ اللهِ-تعالى-على منِ اعترفَ بذنبِه واستغفرَ.
أبو بكرٍ الصِّديقِ-رضيَ اللهُ عَنْهُ-أفضلُ الناسِ-بعد الأنبياءِ والرسلِ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-، يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، فإذا كانَ دعاءُ أبي بكرٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا"، فإنه لا ينبغي لأحدٍ منا أن يغترَّ بعملِه، أو يُزكي نفسَه.
ما أجملَ أنْ نستشعرَ هذه المعاني، وندعو دعاءَ المعترفِ بذنبِه النَّادمِ على تقصيرِه.
اسمع إلى أثرِ كلماتِ الندمِ، والاعترافِ بالذنبِ والظلمِ، التي قالها يونسُ-عليه الصلاةُ والسلامُ-في بطنِ الحوتِ، قالَ الرسولُ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "دَعْوَةُ ذِي النّونِ، إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ، إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ"، هذا الاعترافُ بالظُّلمِ، والإقرارُ الجميلُ، إذا خالطَ الدُّعاءَ من العبدِ الذَّليلِ، فإنَّه يصيبُ إجابةَ الكريمِ-سبحانهَ-.
اعترافُ العبدِ المؤمنِ-الذي خاضَ في المحرماتِ-بأنه أجرمَ في حقِّ ربِه ونفسِه والخلقِ، هو أولُ أسبابِ التَّوبةِ والهدايةِ من اللهِ، قالَ-تعالى-: [وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ]، وقالَ الرسولُ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ"، وقالَ: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ، فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ، فَاغْفِرْ لي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، قَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ"، فالعبدُ لا بُدَّ له من الخطأِ، فإذا كانَ كلما أخطأَ اعترفَ بذنبِه واستغفرْ، فسيغفرُ اللهُ-تعالى-له.
وانظرْ كيفَ تعاملَ إبليسُ مع الذَّنبِ، فلم يعترفْ بالمعصيةِ، ولم يعاتبْ نفسَه، ولم يَتُبْ منها، بل لامَ ربَّه-سبحانَه وتعالى-: "قَالَ:فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، فلذلكَ طُردَ من ملكوتِ السمواتِ، وأُخْرِجَ من رحمةِ اللهِ محسورًا مذمومًا، مخذولًا مدحورًا، قائدًا للشرِ، خالدًا في النارِ.
وكذلكَ المنافقونَ لا يعترفونَ بذنوبِهم ولا يستغفرونَ، فلما تكلموا في رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-وأصحابِه-رضي اللهُ عنهم-ما ندموا ولا تابوا ولا اعتذروا، وإنما قالوا كما أخبرَ اللهُ-تعالى-: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ".
ذكرَ ابنُ الجوزي-رحمَه اللهُ-قصَّةً أبي نواسٍ بعدَ موتِه، وهو المعروفُ بشاعرِ الخمرِ، يَقولُ صديقُه: "لما ماتَ أَبُو نُوَاسُ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟، قَالَ: غَفَرَ لِي بِأَبْيَاتٍ قُلْتُهَا، هِيَ تَحْتَ الْوِسَادَةِ، فإذا تحتها رُقعةٌ مكتوبٌ فيها:
يَا رَبِّ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً*فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لا يَرْجُوكَ إِلا مُحْسِنٌ*فَمَنِ الَّذِي يَدْعُو وَيَرْجُو الْمُجْرِمُ؟
أَدْعُوكَ رَبِّ كَمَا أَمَرْتَ تَضَرُّعًا*فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فَمَنْ ذَا يَرْحَمُ؟
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلا الرَّجَا*وَجَمِيلُ عَفْوِكَ، ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ.
الخطبةُ الثانيةُ
لا بدَّ أن يكونَ في قلبِكَ أنَّه ليس هناك ذنبٌ لا يغفرُهُ اللهُ، وليسَ هناكَ حاجةٌ تُطلبُ لا يقدرُ عليها.
فإذا اجتمعتْ تلكَ المعاني أو بعضُها أو مثلُها في قلبِ من يقولُ سيِّدَ الاستغفارِ، فلا يكونُ بينَه وبينَ الجنَّةِ-بإذنِ اللهُ-إلا الموتَ ولقاءَ العزيزِ الغفَّارِ.[/align]
المرفقات
سيد الاستغفار-9-11-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf
سيد الاستغفار-9-11-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf
سيد الاستغفار-9-11-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx
سيد الاستغفار-9-11-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx