(سوف ولعل وعسى) جنودُ الشيطان [حول المبادرة للخيرات وترك التسويف]
سامي بن محمد العمر
(سوف ولعل وعسى) جنودُ الشيطان [حول المبادرة للخيرات وترك التسويف]
أما بعد، عباد الله: الوقت أنفس ما يملكه الإنسان، ولكنه سريع الانقضاء، وما مضى منه لا يمكن أن يعوض أو يعود.
ولذا كان التسويف داءً دوياً لا يكاد يسلم منه إلا أصحاب الهمم العالية، والإرادات القوية والعزائم الصادقة.
أما بليد الحس، عديم المبالاة، فهو الذي كلما همّت نفسه بخير، أعاقها (بسوف) وأخواتها حتى تفْجأه الشواغل وتتلاعب به الصوارف.
عباد الله:
التسويف: الذي هو المماطلة والتأجيل في تنفيذ المطلوب، أمرٌ أجمع العقلاء على ذمِّه والتحذير منه , وأنه داء عُضال ومرض قتال.
ولقد جاء علاجه في الوحي الإلهي والقول النبوي:
* تارة بالأمر بالمبادرة، والحث على المسارعة وانتهاز الفرصة واغتنام اللحظة
فقال تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)
وقال (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)
وقال (فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا)
ومدح أنبياءه وأصفياءه فقال ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات)
* وتارة بالكشف والتحذير عن جملة العوائق التي ستصيب المفرطين المماطلين:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة سبعا: هل تنتظرون إلا فقراً منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا - أي يصيب بالفند وهو الخرف -، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" رواه الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم : "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"
أيها المؤمنون:
إن الذي لا يقفز إلى الفريسة تفلت منه، ومن لا يغتنم الفرصة في وقتها لا يجدها، ومن لا يضرب الحديد حامياً لا يستطيع أن يضربه إذا برد، والذي يؤجّل ما يجب عليه لا يقدر أن يؤديه كاملاً.
والتسويفُ جند من جنود إبليس عظيم، طالما خَدَع به الناس، وهو سُم الأعمال، وعدو الكمال ، ونتيجته : مرارة الخيبة، وحسرة الإخفاق.
والمرء مرتهن بسوفٍ وليتني ... وهلاكه في سوفِهِ واللّيتُ
ولا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت الفكرة من عمله، والذكر من شأنه، والمحاسبة من همته. ولا يزال بشَرٍّ ما استعمل التسويف، واتبع الهوى، وأكثر الغفلة، ورجَّح الأماني.
يا عبد الله:
ما يدعوك إلى التسويف اليوم، هو موجود غدا، ومشاغل الأمس أقل من مشاغل اليوم، ومن طال عمره كثر همه وشغله.
وعظ أبو الدرداء رضي الله عنه الناسَ فقال: " ما لي أراكم تَبنون ما لا تَسكُنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتُؤمِّلون ما لا تُدرِكون؟ فإن مَن كان قبلكم بنَوا مشيدًا، وأمَّلوا بعيدًا، وجمعوا كثيرًا، فأصبح أملهم غرورًا، وجمعهم بُورًا، ومساكنهم قبورًا".
وقال لقمان لابنه: "أي بُنيَّ، إنك من يومِ نزلتَ إلى الدنيا.. استدبرتَ الدنيا واستقبلتَ الآخرة، فأنت إلى دار تُقبِل عليها أقرب من دار تَبتعِد عنها".
يا عبد الله:
إنه إن صح عزمك ، وعلت همتك، واتضح أمرك ... فاعلم أن أول مشاريع العمر التي لا تنتظر التأجيل ولا تقبل التسويف : هو البدار إلى الله والتوبة إليه ، فإنه أولى ما يحرص الشيطان في تثبيطك عنه، وإنه لمفتاح الخيرات والسعادة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)
ويقول سبحانه (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)
ويقول تعالى (إن الله يحب التوابين)
مَضى العمر النَبيل بغير فضل فَدونك ما بقي فاجعله فضلا
وَتب وارجع إِلى مَولاك واعلم بأَنَّك قَد أَضعت العمر جهلا
دَع التَسويف إِنَّ النفس تدعو إِلى شَهواتها فرعاً وَأَصلا
فكن حَرباً لها؛ سِلْماً لِقَومٍ أَهانوها مخالفةً وَعدلا.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن الإمام ابن القيم رحمه الله يسألكم: " كم جَاءَ الثَّوَاب يسْعَى إِلَيْك فَوقف بِالْبَابِ، فَرده بواب سَوف وَلَعَلَّ وَعَسَى؟؟ "
كثيرًا حَدَثَ ذلك أيُّها الناس...
وها هي أيام الثواب العظيم، والفضل الكبير، والأجر الجزيل، والرِياض الغناء، والسعد والهناء، و الفوز والرضى. ها هي تلوح في الأفق مقبلة ...
في شهر ما أسعد من أدركه وأحسن فيه عمله.
ويا خسارة من كان التسويفُ مركبَه، وخيالاتُ الأماني بضاعتَه.
فاعتبروا بتقصيركم فيه في السنينِ الماضية، واعقدوا العزم على اغتنام لحظاته القادمة..
واللهَ اللهَ في الجد والاجتهاد وصدق العمل بعيدا عن شوائب الفتور ووعود التسويف والتهاون، فهي أضر شيء على العبد.
ومن بذر شجرة السين وسوف، ولعل وعسى ، أثمرت له الخسران والندامة والأسى.
المرفقات
1648147951_التسويف.pdf