سماحة النبي صلى الله عليه وسلم

د. محمود بن أحمد الدوسري
1439/08/01 - 2018/04/17 05:59AM
                                       سماحة النبي صلى الله عليه وسلم
                                          د. محمود بن أحمد الدوسري
1/8/1439هـ
     الحمد لله ... ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع المُثُلِ, وقدَّم أعظمَ الصور في السماحة والتسامح, فأقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم جاءت متطابقة تمامَ التطابق, فلا تناقض بين ما يدعو إليه وبين ما يُطبِّقه, وصورُ تطبيقه لهذا الخُلُق الكريم شملت كلَّ مَنْ تعامل معهم فوجدناها مع أصحابه وأعدائه, وفي السِّلم والحرب, فضلاً عن سماحته مع أهل بيته وجيرانه, وكذا سماحته في البيع والشراء والقضاء, والأخذ والعطاء, ولقد أرسى نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم مبادئ السماحة والتسامح بين الناس من غير ذل, ولا إخلال بعزة الإسلام وكرامة الإنسان, فقد ضرب المثل الأعلى في العفو عمَّن ظلمه, وإعطاء مَنْ حرمَه, وصِلَةِ مَنْ قطعه, كلُّ ذلك تسامحاً منه وتواضعاً لربِّه ورحمةً بالناس وإحساناً إليهم.
       ومن أهم صور سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم ما يلي:
       1- سماحته وتسامحه مع أعدائه:
       مَنْ يُطالع السِّيرة النبوية ويُقلِّب صفحاتها يجد أنها مليئة بتسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه في مواقف شتى؛ فقد دفع دياتِ مَنْ قُتِل منهم خطأً, وعفا عن كلُّ معتدٍ مسيء منهم جاء تائباً, وكان يُشيِّع جنائزهم, ويحضر ولائمهم, ويأكل من أطعمتهم, ويتعامل معهم في التجارة, ويقترض منهم, حتى تُوفِّي صلى الله عليه وسلم ودرعُه مرهونة عند بعض اليهود في المدينة, وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم تعليماً وإرشاداً للمسلمين؛ مع أنه كان في الصحابة مَنْ يُقرِضه بل ويؤثره على نفسه(1).
       2- سماحته وتسامحه مع أهل الكتاب:
       كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود مرضى أهل الكتاب, ويتصدَّق عليهم, بل كان له جيران من أهل الكتاب يتعاهدُهم ببرِّه, ويُهديهم الهدايا, ويتقبَّل هداياهم.
       ومن أبرز صور سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم أنه قَبِلَ الجاريةَ هديَّةً من المُقَوقِس عظيم القِبْط, فتزوَّجها وولدَتْ له إبراهيمَ, وحَفِظَ لأهل مصرَ الأقباط هذا النَّسبَ الذي ارتبط به معهم؛ فعن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فيها الْقِيرَاطُ, فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا)(2).
       وفي رواية: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ, وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فيها الْقِيرَاطُ, فإذا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إلى أَهْلِهَا؛ فإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً) أو قال: (ذِمَّةً وَصِهْراً)(3).
       وفي حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - مرفوعاً: (إذا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا؛ فإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا). قال الزهري: فالرَّحِم أنَّ أم إسماعيل منهم(4).
      (قال العلماء: القيراط: جزءٌ من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما, وكان أهل مِصْرَ يُكثرون من استعماله والتكلم به, وأما الذِّمة: فهي الحُرمة والحق, وهي هنا بمعنى: الذِّمام, وأما الرَّحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم, وأما الصِّهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم)(5).
       وقال ابن عبد البر - رحمه الله: (وكانت مارية القبطية قد أهداها إلى رسولِ اللهِ المُقوقِسُ صاحبُ الإسكندريةِ ومِصْرَ, هي وأختها سيرين, فوهب رسولُ الله سيرينَ لحسانَ بنِ ثابتٍ الشاعر, فولدت له عبد الله بن حسان)(6).
       وقد شهد بسماحة النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه مع أهل الكتاب كثير من المستشرقين, فها هو "جوستاف لوبون" يقول: (إنَّ مُسامحة محمدٍ [صلى الله عليه وسلم] لليهود والنصارى كانت عظيمةً إلى الغاية, وإنه لم يقل بِمِثْلِها مُؤسِّسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص, وسار خلفاؤه على سُنَّته, وقد اعترف بذلك التَّسامح بعضُ علماء أوروبا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النَّظر في تاريخ العرب)(7).
       3- سماحته وتسامحه مع المشركين:
       ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قال: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا, وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)(8).
       وما جاء عن عائشة - رضي الله عنها؛ أنَّ جبريل - عليه السلام - أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ, وما رَدُّوا عَلَيْكَ, وقد بَعَثَ اللهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ؛ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ, فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ, فَسَلَّمَ عَلَيَّ, ثُمَّ قال: يا مُحَمَّدُ! فقال: ذلك فِيمَا شِئْتَ, إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهم الأَخْشَبَيْنِ, فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)(9).
       وما جاء عن الْبَرَاءِ - رضي الله عنه: (أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ, فَاشْتَرَطُوا عليه أَلاَّ يُقِيمَ بها إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ, ولا يَدْخُلَهَا إلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ(10), ولا يَدْعُوَ منهم أَحَدًا. قال: فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ, فَكَتَبَ: هذا ما قَاضَى عَلَيهِ مُحَمَّدٌ رسولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رسولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ, وَلكِنِ اكْتُبْ: هذا ما قَاضَى عليه مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ, فقال: (أَنَا واللهِ محمدُ بنُ عبد اللَّهِ, وأَنَا واللهِ رسولُ اللَّهِ). قال: وكَانَ لاَ يَكْتُبُ, قال: فقال لِعَلِيٍّ: (امْحُ رَسُولَ اللَّهِ). فقال عَلِيٌّ: واللهِ لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا. قال: (فَأَرِنِيهِ), قال: فَأَرَاهُ إِيَّاهُ, فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بيده. فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَىِ الأَيَّامُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ. فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فقال: (نَعَمْ) ثُمَّ ارْتَحَلَ(11).
       (قال العلماء: وافَقَهم النبي صلى الله عليه وسلم في تَرْكِ كتابة "بسم الله الرحمن الرحيم", وأنه كتَبَ "باسمك اللهم", وكذا وافقهم في "محمد بن عبد الله", وتَرْكِ كتابة "رسولِ الله" صلى الله عليه وسلم, وكذا وافقهم في: "رد مَنْ جاء منهم إلينا, دون مَنْ ذهب منا إليهم"؛ وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح, مع أنه لا مفسدةَ في هذه الأمور)(12).
       و(قال العلماء: والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح: ما ظَهَرَ من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة؛ التي كانت عاقبتها فتح مكة, وإسلام أهلها كلها, ودخول الناس في دين الله أفواجاً, وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين, ولا تتظاهر عندهم أمورُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما هي, ولا يَحُلُّون بمَنْ يُعلمهم بها مُفَصَّلة, فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين, وجاءوا إلى المدينة, وذهب المسلمون إلى مكة, وحَلُّوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم مِمَّنْ يستنصحونه, وسمعوا منهم أحوالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُفصَّلة بجزئياتها, ومعجزاته الظاهرة, وأعلام نبوته المتظاهرة, وحسن سيرته, وجميل طريقته, وعاينوا بأنفسهم كثيراً من ذلك, فمالت نفوسهم إلى الإيمان حتى بادر خلْقٌ منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة, وازداد الآخرون مَيلاً إلى الإسلام, فلمَّا كان يوم الفتح أسلموا كلُّهم؛ لِمَا كان قد تمهَّد لهم من المَيل, وكانت العرب من غير قريش في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلامَ قريشٍ, فلمَّا أسلمت قريشٌ أسلمت العربُ في البوادي)(13). هذا كلُّه أثر من آثار سمحاته وتسامحه صلى الله عليه وسلم في مجال الدعوة ومعاملة الناس, وصدق اللهُ العظيم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. وليتأس الدعاة بهذا الخُلُق العظيم, وليكن شعارهم ما قاله الإمام الشافعي - رحمه الله: وَعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ، وَسَامِحْ مَنِ اعتَدَى
                                                                                        ودَافِعْ وَلَكِنْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(14)
       4- سماحته وتسامحه مع أصحابه:
       امتلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم قلوبَ أصحابه, فامتلأت حُبًّا له, وهانت عندهم الدنيا وما فيها إذا ما قُورنت بالنبي العظيم صلى الله عليه وسلم, وهذا مرجِعُه إلى ما أودعه الله فيه من الرقة والرأفة واللطف والسماحة, قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159], وقد تعدَّدت المواقف التي تدلُّ على سماحة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؛ لتكون شاهدةً على هذا الخُلُق الرفيع الذي اتَّسم به النبي الكريم, ومن ذلك:
       * ما جاء عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: كان لِرَجُلٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم سِنٌّ من الإِبِلِ, فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ, فقال: (أَعْطُوهُ), فَطَلَبُوا سِنَّهُ, فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا, فقال: (أَعْطُوهُ), فقال: أَوْفَيْتَنِي(15) أَوْفَى اللهُ بِكَ, قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)(16).
       وفي رواية: أنَّ رَجُلاً تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ له, فَهَمَّ به أَصْحَابُهُ, فقال: (دَعُوهُ, فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً, وَاشْتَرُوا له بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ)(17).
 
                                                              الخطبة الثانية
        الحمد لله وحده, والصلاة والسلام الأتمان على مَنْ لا نبي بعده:
       5- سماحته وتسامحه مع أهل بيته:
       أمَّا سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته فهي بحقٍّ مضرب الأمثال, إذ تدل دلالة قاطعة على سموِّ خُلُقِه صلى الله عليه وسلم ورقيِّ تعاملِه, ولا سيما مع المرأة التي يحاول المغرضون أن يُشكِّكوا في مكانتها ومنزلتها في الدِّين الإسلامي الحنيف, إذْ بلغ احتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بزوجاته وأهل بيته وسماحته وتسامحه معهم مبلغاً عظيماً في جميع أحواله, وَلِما لا, وهو القائل: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وأنا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)(18), ولِمَا لا وهو صاحب الخُلُق العظيم؛ كما زكَّاه ربُّه بذلك فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4], إنه نال هذا الخُلُقَ العظيمَ ليس في أرقى الأكاديميات, ولا على أيدي أعظم المربين والمُؤدِّبين, وإنما ناله فِطْرَةً فطره الله تعالى عليها, وامتن عليه, وقد جاءت السنة النبوية للدلالة على سماحته وتسامحه مع أهل بيته واضحةً صريحة, دالة على عظمة سُنَّته صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك:
       1- ما جاء عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ - رضي الله عنه؛ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - في حَجَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الحديثَ, قال: (وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً سَهْلاً, إذا هَوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عليه(19), فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أبي بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ, من التَّنْعِيمِ)(20).
       وجه الدلالة: حسن معاشرة الزوجة, والسماحة في التعامل معها.
       2- وما جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ, فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فيها طَعَامٌ, فَضَرَبَتْ التي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ, فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ, فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ, ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فيها الطَّعَامَ الذِّي كان فِي الصَّحْفَةِ, وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ(21) ). ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أَتَى بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ التي هُوَ في بَيْتِهَا, فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى التِّي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا, وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ التي كَسَرَتْ(22).
       وجه الدلالة: حُسْنُ خُلُقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم, وإنصافِه, وحِلْمِه, وسماحتِه وتسامحِه مع نسائه وأهل بيته, وفيه إشارةٌ إلى عدمِ مؤاخذة الغَيْراءِ بما يصدر منها؛ لأنَّها في تلك الحالة يكون عقلُها محجوباً بشدة الغضب الذي أثارته الغَيرةُ(23).
       قال ابن حجر - رحمه الله: (قال ابن العربي: وكأنَّه إنما لم يؤدِّب الكاسرةَ, ولو بالكلام, لِمَا وقع منها من التَّعدِّي؛ لِمَا فُهِمَ من أنَّ التي أهدتْ, أرادتْ بذلك أذى التي هو في بيتها, والمُظاهرةَ عليها, فاقتصرَ على تغريمِها للقصعة)(24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: التسامح في الإسلام, شوقي أبو خليل (ص14).
(2) رواه مسلم, (4/1970), (ح2543).
(3) رواه أحمد في (المسند), (5/173), (ح21560).
(4) رواه الطبراني في (الكبير), (19/61), (ح112)؛ والحاكم في (المستدرك), واللفظ له, (2/603), (ح4032) وقال: (صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في (صحيح الجامع), (1/70), (ح700).
(5) شرح النووي على صحيح مسلم, (16/97).
(6) الاستيعاب في معرفة الأصحاب, (1/59).
(7) حضارة العرب, (ص128).
(8) رواه مسلم, (4/2006), (ح2599).
(9) رواه البخاري, (3/1180), (ح3059)؛ ومسلم, (3/1420), (ح1795).
(10) (جُلُبَّان السِّلاَح): هو ألطفُ من الجِراب يكون من الأدم, يوضع فيه السَّيف مُغمداً, ويطرح فيه الراكبُ سوطَه وأداتَه ويُعلِّقه في الرَّحْل. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم, (12/136).
(11) رواه البخاري, (3/1162), (ح3013)؛ ومسلم, (3/1410), (ح1783).
(12) شرح النووي على صحيح مسلم, (12/139).
(13) المصدر نفسه, (12/140).
(14) ديوان الإمام الشافعي, (ص108).
(15) (أَوْفَيْتَنِي): أي أعطيتني حقي وافياً كاملاً. انظر: عمدة القاري, (12/231).
(16) رواه البخاري, (2/908), (ح2182).
(17) رواه البخاري, (2/842), (ح2260).
(18) رواه ابن ماجه, (1/636), (ح1977)؛ والترمذي, (5/709), (ح3895)؛ والبزار في (مسنده), (3/240), (ح1028)؛ وابن حبان في (صحيحه), (9/484), (ح4177), وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي), (3/579), (ح3895).
(19) (إذا هَوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عليه): المعنى: إذا هَوِيَتْ شيئاً لا نَقْصَ فيه في الدِّين؛ مثل طلبها الاعتمار وغيره, أجابها إليه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم, (8/160).
(20) رواه مسلم, (8/160), (ح1213).
(21) (غَارَتْ أُمُّكُمْ): قال الطيبي – رحمه الله: الخطاب عامٌّ لكلِّ مَنْ يسمع بهذه القصة من المؤمنين, اعتذاراً منه صلى الله عليه وسلم؛ لئلاَّ يحملوا صَنِيعَها على ما يُذَمُّ, بل يجري على عادة الضَّرائر من الغريزة, فإنها مُركَّبة في نفس البشر, بحيث لا تقدر أنْ تدفعها عن نفسِها. عون المعبود, (9/348).
(22) رواه البخاري, (5/2003), (ح4927).
(23) انظر: فتح الباري, (9/325).  
(24) فتح الباري, (5/126). 
 
 
المرفقات

النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-21

النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-21

المشاهدات 799 | التعليقات 0