سلوك المخبتين في الأضحية وعرفة

عبدالكريم الخنيفر
1442/12/05 - 2021/07/15 17:59PM

الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنِا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له.

وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليما كثيرًا.

عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنَّ التقوى هي المنالُ الذي يناله اللهُ من أعمالنا، قال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ).

أيها المسلمون، كيف نعرفُ قيمةَ الشيء؟

وما الذي يجعل الأشياءَ مرتفعةً أو منخفضة؟

وهل نحنُ فعلا نعطي كلَّ شيءٍ ما يستحق؟

هل كان تأثرُ المسلمِ الجديدِ بقراءةِ القرآن أو برؤية الكعبة عيانًا لأنها عباداتٌ حديثةٌ عليه فلم يعتدْ عليها؟

فلماذا نرى آباءَنا وأمهاتِنا ممن شابوا في الإسلام يتأثرون ويُعظّمون العباداتِ وقد أدّوها آلاف المرات ولعشرات السنوات؟

فليس الأمرُ متعلّقا إذا بالجِدّة، بل هو شيءٌ وقر في القلبِ فملأهُ نورًا ليَنهضَ بالجوارحِ والعيونِ، فأضحتْ خاشعةً دامعةً، إنَّه الشيءُ العظيمُ الذي سمَّاه الله الإخبات: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

هذه الحالةُ الإيمانيةُ العاليةُ تجعل صاحبَها يُعظّمُ شعائرَ اللهِ فيكونُ أثناءَ أداءِ العبادةِ سلوكُه معظِّمًا وسمتُه خاشعًا وكلامُه قليلا نافعًا،

هذه الحالةُ الإيمانيةُ التي سمّاها الله (الإخبات) مرحلةٌ عزيزةٌ ومنزلةٌ عليَّة، لاسيَّما في زمنٍ كثُرتْ فيه التفاهةُ وسادتْ عليه البلاهة، فرُدمتْ الروحُ وغابَ المعنى وآلتِ الأشياءُ إلى لونِ الرماد.

ثم يأتي المخبتُ معظِّما لشعائرِ اللهِ خاشعًا مستكينًا..

يمسك بسكينَتِه..

يسوقُ بُدُنَه..

يذبحها..

ينالُ منها اللحمَ وينالُ اللهُ التقوى.

كذلك سخرها لنا، لنعظّمَه سبحانه في قلوبِنا وسلوكِنا، لنُظهرَ التوحيدَ له، ليرى أهلُ بيتنا ويرى الناسُ تعظيمَنا لربّنا في عبادةٍ ظاهرةِ السلوكِ، مشترَكةِ الأداءِ معَ الآخرين، تأخذُ بعضَ الوقت، فلابدّ أن تكونَ بهذه الكيفية، بعيدةً عن العبثِ والضحكِ وعدمِ المبالاة، منزهةً عن التصويرِ والاستخفافِ واللهو.

هكذا يكونُ حقُّ هذه الشعيرةِ العظيمةِ يا عبادَ الله، أن نُعظِّمَها ونُحسنَ أداءَها، وما اجتماعُ ذكرِ تعظيمِ الشعائر والأضحيةِ في موضعٍ واحدٍ من القرآنِ إلا دليلٌ على أهميةِ تعظيمِ الشعائر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر  ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ۚ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).

اللهم بلِّغنا منزلة المخبتين، واجعلنا لشعائرك معظِّمين، أقولُ قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كلّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية/

الحمدُ لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانِه، أما بعد، عبادَ الله،

وإنَّ من تعظيمِ الشعائرِ في هذه العشرِ المباركاتِ تعظيمَ يومِ عرفة الذي يوافق يومَ الاثنين القادم، ذلك اليومُ العظيمُ من أيامِ السنة، ولعظمَتِه كان أهمَّ أيامِ الحجّ، بل هو الحجُّ كما أخبرَ الرسولُ ﷺ.

ومن تعظيمِهِ أداءُ أنواعِ العباداتِ فيه، ومنها صيامُ يومِ عرفة، فقد صامه النبيُّ ﷺ وأوصى بصيامه فقال: ((صيامُ يومِ عرفة، أحتَسِبُ على اللهِ أن يُكفِّر السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعدَه)).

وكذلك الدعاءُ في يوم عرفة عبادةٌ عظيمةٌ تُرجى فيه الإجابة، قال النبيُّ ﷺ: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون مِن قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)). وكذلك الصدقةُ وصلةُ الرحم وسائرُ أنواعِ البر.

كما أنَّه يجب في هذه الأيام خاصةً وفي سائر الأيام تعظيمُ حُرُماتِ الله، ويعني البعدَ عن المحرَّماتِ والمنهيِّات، وعدمَ اقترافِها والاقترابِ منها.

فالحرصَ الحرصَ يا إخوةَ الدِّين بتعظيمِ شعائرِ الله، بحسنِ أداءِ الواجبات، والإكثارِ من المباحات، وبتجنُّب المعاصي والمحظورات، والبعدِ عن المكروهات.

اللهم اجعلنا لشعائركَ معظِّمين، ولحُرماتِك معظِّمين،

اللهم اجعلنا من المخبتين المحسنين، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذابَ النار،

اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين، واحفظهم بحفظك، وولِ عليهم خيارَهم.

اللهم إنا نعوذُ بك من الوبا والبلا والغلا يا رب العالمين،

اللهم احفظْ حُجاجَ بيتك المحرَّم، ويسِّر لهم حجَّهم، وتقبَّل منهم، ورُدَّهم إلى أهلهم سالمين غانمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه لما فيه خير الإسلام والمسلمين،

سبحان ربك ربِّ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1626371884_سلوك المخبتين في الأضحية وعرفة.pdf

المشاهدات 1257 | التعليقات 0