سَلُوا اللهَ حُسْنَ الخِتَامِ 20/12/1442هـ
خالد محمد القرعاوي
سَلُوا اللهَ حُسْنَ الخِتَامِ 20/12/1442ه
الحمدُ للهِ الكريمِ الفَتَّاحِ، سُبحانَهُ فَالِقِ الإصْبَاحِ، يُعَامِلُ المُؤمِنينَ بِالجُودِ وَالسَّمَاحِ. أَشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ شَهَادَةً تَبعَثُ الانْشِرَاحَ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ بِالهُدى والتُّقى الصَّلاحِ، اللهمَّ صَلِّ وِسَلِّم وَبَارك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابه وأتبَاعِهِ بِإحسانٍ مَا بَدا نَجْمٌ ولاح. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
أيُّها المُسلِمُونَ: هذهِ الدّْنيا مَرَاحِلٌ والنَّاسُ فيها بينَ مُسْتَعِدٍّ وَرَاحِلٍ، وَليسَتْ العِبْرَةُ بِطُولِ العُمُرِ وَقِصَرَهُ ف {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} العِبْرَةُ بِحُسْنِ العَمَلِ والخِتَامِ! {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}. نَسْألُ اللهَ أنْ يُحْسِنَ لَنَا العَمَلَ والخِتَامَ. والعَاقِلُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَه، وَرَجا رَبَّهُ، وَخَافَ مِنْ ذُنُوبِهِ قَبْلَ أنْ تَكُونَ سَبَبَاً فِي هَلاكِهِ. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .
عِبَادَ اللهِ: حُسْنُ الخِتَامِ مَطْلُوبُ المُؤمِنينَ، وَغَايَةُ العَارِفِينَ، وَالخَوفُ مِن سُوءِ الخَاتِمَةِ هُوَ الذي أَرْهَبَ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ! لأنَّهُمْ يُؤمِنُونَ بِقَولِ اللهِ تَعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: يُثَبِّتُ اللهُ عِبَادَهُ المُؤمِنينَ الذين قَامُوا بِمَا عَلَيهِم مِنْ إِيمَانِ القَلْبِ التَّامِّ، الذي يَستَلْزِمُ أَعمَالِ الجَوَارِحِ وَيُثْمِرُهَا، فَيُثَبِّتُهُمُ اللهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهاتِ بِالهِدَايَةِ إلى اليَقِينِ، وَعِنْدَ عُرُوضِ الشَّهَوَاتِ بِالإرَادَةِ الجَازِمَةِ على تَقْدِيمِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلى هَوَى النَّفْسِ وَمُرَادَاتِهَا. وَفِي الآخِرَةِ عِنْدَ المَوتِ بِالثَّبَاتِ على الدِّينِ الإسْلامِيِّ وَالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ.
عِبَادَ اللهِ: دَائِمَاً وَأبَدَاً اسْألوا اللهَ حُسْنَ الخِتَامِ لأنَّ رَسُولَنا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلُّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
أيُّها المُؤمِنُ: حُسْنُ الخِتَامِ مَعْناهُ أنْ يُوفِّقَكَ اللهُ في الدُّنيا لِلعَمَلِ الصَّالِحِ وَأنْ تَمُوتَ على ذلِكَ. أَخرَجَ الإمُامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ). وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ: "يُفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" صَحَّحَهُما الألبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنْ أَرَادَ بِهِمُ الخَيرَ واسْتَعْمَلَهُمْ في طَاعَتِهِ، وَأَحَسَنَ خَاتِمَتَهُمْ. أيُّها المُؤمِنُونَ: الإسْلامُ ليس بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمَنِّي! إنَّمَا صِدْقٌ وَعَمَلٌ كَمَا قَالَ رَبُّنا جَلَّ وَعَلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. نَعَمْ نَحْتاجُ إلى أخْلَصِ العَمَلِ وَأَصْوَبِهِ. وَلْنَعْلَمْ أنَّ اللهَ ليس بظلاَّمٍ لِلعبيدِ، كَمَا قَالَ اللهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي. إلى أنْ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ»
عِبَادَ اللهِ: كُلُّنا يَحْفَظُ حَدِيثَ: «إِنَّمَا الأَعْمَا؛لُ بِالْخَوَاتِيمِ». وَهَذا مَا يَدْفَعُنا إلى سُؤَالِ اللهِ حُسْنَ القَصْدِ والعَمَلِ. وَمَنْ كَتَبَ اللهُ لَهُ السَّعَادَةَ وحُسْنَ الخِتَامِ فَسَيَشْرَحُ اللهُ صَدْرَهُ في الدُّنيا، وَيُحَبِّبُ لَهُ الخَيْرَ حيثُمَا كَانَ. وَأَوَّلُ بُشْرَىً لَهُ تَكُونُ فِي سَاعَةِ الاحْتِضَارِ حينَ: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. حِينَهَا نُدْرِكُ مَعْنَى قَوْلَ نَبِيِّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: (لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَه).فاللهمَّ إنَّا نَسْألُكَ حُسْنَ القَولِ والعَمَلِ. وحُسْنَ الخِتَامِ والمُنقَلبِ. وأستغفُرَ اللهَ فاستغفِروهُ إنهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانيةِ: الحمْدُ للهِ المُتَفَرِّدِ بِالبَقَاءِ، كَتَبَ عَلى خَلْقِهِ الفَنَاءَ، أَشهَدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريك لَهُ، لا رَبَّ لَنا سِوَاهُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ تَعَالَى في السِّرِّ والْعَلَنِ، فَالعَبْدُ مَرْهُونٌ بِعَمَلِهِ، إنْ خَيرًا فَخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَثَمَرَةُ العَمَلِ، فِي حُسْنِ الخَاتِمَةِ والمُنْقَلَبِ، خَطَبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، كَالْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَعْلاَهُ طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلاَهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ). عِبَادَ اللهِ: وَفِي إِخْفَاءِ خَاتِمَةِ العَبْدِ حِكَمٌ بَالِغَةٌ، فَإخْفَاؤها مَدْعَاةٌ لِلاجْتِهَادِ في الطَّاعَاتِ، ولِئلا يُصَابَ المَرْءُ بِالتَّوَاكُلِ وَالعُجْبِ أَوْ الكَسَلِ وَالفُتُورِ، وَبالمُقَابِلِ إذَا أيقَنَ بِسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَصَابَهُ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ! فَاْزْدَادَ عُتوَّاً وَنُفُوراً وَفَسَادَاً فِي الأَرْضِ؛ والمُؤمِنُ الحَقُّ هُوَ مَنْ يَرْجُو رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُ عَذَابَهُ.
أيُّها المُؤمِنُ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، سُوءُ الخَاتِمَةِ لا تَكُونُ لِمَنْ اسْتَقَامَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. وَإذَا نَظَرْتَ لِحَالِ بَعْضِ المُحْتَضَرِينَ وَجَدَّتَ أَنَّهُم يُحَالُ بَينَهُم وَبينَ حُسْنِ الخِتَامِ عُقُوبَةً لَهُم عَلى سُوءٍ عَمِلُوهُ، أو فَسَادٍ فِي عَقِيدَتِهِمْ، أَو إصْرَارٍ عَلى كَبِيرَةٍ، أو جُرْأةٍ وَإقْدَامٍ عَلى مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالى، قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذا مِن أَعْظَمِ الفِقْهِ، أنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أنْ تَخْدَعَهُ ذُنُوبَهُ عِندَ مَوتِهِ فَتَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ. وَصَدَقَ نَبِيِّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: حينَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». فَليَبْشِرْ مَنْ كانَ مُقِيماً عَلى الطَّاعَةِ ذِكْرَاً، وَتَسْبِيحَاً، وَتَهْلِيلاً، وَعِبَادَةً، وَطَلَبَاً لِلعِلْمِ، وَفِعْلاً لأنْواعِ البِرِّ فإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. فَاسْعَوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ حُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ
سُوءِ الخَاتِمَةِ؛ فاللهم إنا نسألك قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا، وعلما نافعا، اللهم اجعل زادنا التقوى، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم وفق ولاتنا لما تحب وترضى احفظ حدودنا وانصر جنودنا والمسلمين أجمعين. عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق