سلوا اللهَ العافيةَ-17-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد بن سامر
سلوا اللهَ العافيةَ-17-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ-رَضِيَ الله عَنْهُ-قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ-عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
فَما رَأيُكم بِدُعاءٍ عَلَّمَهُ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-لِعَمِّهِ؟
والرسولُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-أرحمُ الناسُ بالناسِ، فلمْ يُخْفِ عنهم خيرًا، فقد أخبَرهم بهذا الدُّعاءِ وفضلِه وهو على المنبرِ ليسمعَه الجميعُ، فَقَدْ قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ-رَضِيَ الله عَنْهُ-عَلَى المِنْبَرِ يَومًا ثُمّ بَكَى، فقَالَ: "قامَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَامَ الأوَّلِ عَلَى المنْبَرِ ثُمّ بَكَى، فقَالَ: سَلُوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ، فإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بعد اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ"، وهذا يَشمَلُ عَافيةُ الدنيا والآخرةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، والصحةِ في الجسمِ والنفسِ، والروحِ والعقلِ.
إخواني: أيُّ طعمٍ للدُّنيا دونَ العافيةِ؟ وكيفَ سترى الحياةَ بألوانِها الجميلةِ؟ وأخبرني عن الأماني والأحلامِ، هل ستبقى أو ستتلاشى مع الآلامِ؟ سترى قيمةَ العافيةِ، عندما ترتفعُ حرارتُكَ، وتسري الحُمَّى في كلِّ ذرةٍ من جسمِك، ويلفُّ الصُّداعُ رأسَكَ، ويشلُّ التَّعبُ جوارحَكَ، ويُقَيِّدُ الوجعُ مفاصلَكَ، فتصبحَ طريحَ الفِراشِ بينَ الحياةِ والموتِ، عندها لن تجدَ لأيِ شيءٍ طعمًا ولا لذةً.
دعا الحجاجُ بنُ يوسفَ الثَّقفيُ أعرابيًا إلى مائدتِه، فقالَ له الأعرابيُ: إني صائمٌ، قالَ له الحجاجُ مُرَغِّبًا: إنه طعامٌ طيبٌ، فقالَ الأعرابيُ: واللهِ ما طيَّبَه خبازُك ولا طباخُك، ولكن طيَّبتْه العافيةُ.
أخبرني عندما يحضرُ عقلُكَ حِينًا ويغيبُ أحيانًا بسببِ الألمِ، وتمرُّ الأفكارُ مُبعثرةً مُتتاليةً مُتشابكةً كالخيالِ، ذكرياتُ طُفولةٍ، وأمنياتُ مُستقبلٍ، وأضغاثُ أحلامٍ، لا تُفرِّقُ بينَ الليلِ والنَّهارِ، ولا السَّاعاتِ والأيامِ، عندَها تتذكَّرُ قولَ رسولِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"، وتتذكَّرُ كيفَ فرَّطتَ في العملِ في أوقاتِ العافيةِ، وكيفَ قَصَّرْتَ في الأيامِ الخاليةِ، وتريدُ تعويضَ ما فاتَ، وتَبديلَ السيئاتِ بالحَسناتِ، حينها ستعلمُ حقيقةَ الدُّنيا، وأنَّها دونَ العافيةِ لا تُساوي شيئًا، قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِه، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، فاحمدِ اللهِ أنْ رَزَقَكَ صحةً في بدنِك، وحافظْ على هذه النِّعمةِ قبلَ أنْ تزولَ.
قالَ رجلٌ لصاحبِه وهو يتأملُ في القصورِ: أينَ نحنُ حينَ قُسمتْ هذهِ الأموالُ؟ فأخذَه صاحبُه إلى المستشفى، وقالَ له: وأينَ نحنُ حينَ قُسمتْ هذه الأمراضُ؟ والقصدُ أنَّ الصحةَ والعافيةَ أهمُ من الدنيا كلِها.
إخواني: أخبروني ما هي الآمالُ لولا العافيةَ؟ وهل ستبقى الأموالُ عندنا غاليةً؟ كيفَ ستُبنى الأوطانُ؟ وهل سيتزوجُ الإنسانُ؟ وهل سيسعى في إنجابِ الوِلدانِ؟ هل ستُعْمَرُ المساجدُ بالمُصلينَ؟ وهل ستمتلئُ المقاعدُ بالطُّلابِ؟ وهل سنرى العُمَّالَ والموظفينَ، يذهبونَ ويأتونَ في كلِّ حينٍ؟ وهل سترونَ البسمةَ على الشِّفاهِ؟ وهل سيكونُ لنا رغبةٌ في الحياةِ؟ ولأنَّ العافيةَ نعمةٌ غاليةٌ، فقد كانَ النبيُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-يسألُ ربَّه العَافيةَ كلَّ يومٍ في الصَّباحِ والمساءِ، ثلاثَ مراتٍ فَيَقُولُ: "اللَّهمَّ عافِني في بَدَني، اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهمَّ عافِني في بَصَري، لا إلهَ إلَّا أنتَ".
إخواني: أتعلمونَ ما هي أولُ نعمةٍ يُسألُ عنها العبدُ يومَ القيامةِ، قالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عَنْهُ يوم الْقِيَامَةِ-يَعْنِي الْعَبْدَ-من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، وَنُرْوِكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ؟".
فينبغي علينا أن نعرفَ قدرَ هذه النِّعمةِ، وقديـمًا سـمعنا حكمةً يومَ كنا صغارًا، وَعَيْنا معناها يومَ صِرنا كِبارًا: "الصِّحةُ تاجٌ على رؤوسِ الأصِّحاءِ لا يراهُ إلا المرضى".
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فأما أنتم يا أهلَ البلاءِ، فعزاؤُكم أنَّ لكم ربًا في السَّماءِ، ما منعَكم إلا ليُعطيَكم، وما حرمَكم إلا ليُكرمَكُم، وما ابتلاكم إلا لِحُبِهِ لكم، فعليكم بالرِّضا، قالَ الرسولُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ أو السُخْطُ"، وسيتمنى أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ لو أُصيبوا في الدنيا بأعظمَ مـما أُصبتم به، إذا رأوا ما خصَّكم اللهُ-تعالى-به من الكرامةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ، لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ".
حينها ستنسونَ كلَّ ما أصابَكم من البأساءِ والضَّراءِ، وستعرفونَ عاقبةَ الصَّبرِ على البلاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً-يُغْمَسُ غمسةً-فِي النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً-يُغْمَسُ غمسةً-فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ".
فإنما هي ساعاتٌ وأيامٌ، فتذهبُ الآلامُ، وتُقبلونَ على ذي الجلالِ والإكرامِ، وتدخلونَ دارَ السَّلامِ خالدينَ، بصحةٍ وعافيةٍ وسلامٍ آمنينَ.
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ الطفْ بإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بهم على كلِ حالٍ، وبلغهم من الفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ كن لهم ناصرًا ومعينًا يا ربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.
اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ.
اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.
اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.
اللَّهُمَّ إِنَّا والمسلمينَ مَغْلُوبُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1701423308_سلوا الله العافية-17-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1701423308_سلوا الله العافية-17-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf