سلسلة مقالات (معالم على طريق النقد) للأستاذ إبراهيم العسعس

معالم على طريق النقد 1
للأستاذ إبراهيم العسعس

1- أوَ كلما نقد ناقد، قيل له أهل مكة أدرى بشعابها؟!

2- من هم خارج الشعاب ممنوع أن ينقدوا! ومن هم داخلها يرفضون ممارسته!

... أليس منكم رجلٌ رشيد يحلُّ لنا هذا الإشكال؟!

3- مع أنَّ الرؤية غالباً ما تكون أوضح من الخارج.

4- لو كنا قبل مائتي عام فقط لوافقتُ على قصة الشعاب هذه بكل بساطة. لكن الآن حيث العالم تحت أصبعين من أصابع الإنسان، فهيهات.

5- لم لا نكون أكثر اتزاناً، فنقول: كل الرؤى مهمة، وكل الأبعاد ضرورية.

6- الإحاطة شرط الإنصاف، "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه".

7- النقد يعني أن تتخذ موقفاً.

8- من لم يقل كلا إلا في تشهده (هذا إن كان يصلي) أنَّا له أن يمارس النقد!!

9- العجب كل العجب من عبد يمارس النقد.

10- كثير من الناس عندما يمارس النقد يكون كلابس ثوبي زور!

11- ذلك لأن النقد حالة عامة، وممارسة حياتية، وليست وظيفة تنتهي بانتهاء الدوام.

12- النقد عندما يكون حياة وممارسة لا يحتمله إلا الرجال. الراقصون على أنغـام المصالح، والمتنقلون من إلى لا يستطيعونه.

13- النقد ليس شتيمة، وليس تسلية، وممارسته ليست نافلة، وليس بمقدور الحر أن يمر عنه.

14 هناك فرق بين نقد الواقع بكل مكوناته، وبين مجرد الإحساس به، لأنَّ الإحساس مجرد رؤية ذاتية.

15- النقد في حقيقته أن تقف مع أو ضد!

16- سيعجب كثير من النقاد من هذا، إذ إنهم يفهمون النقد علة أنه رفض دائم.

17- النقد رفض، وهو أيضاً قبول، ولكنه في كلا الحالين يكون بعد تأمـل ومراجعة ودرس.

18- النقد دعوة لاكتشاف الذات، واكتشاف الواقع، واكتشاف الناس.. كل الناس.

19- النقد تشخيص فكيف تريد أن تفهم دون أن تُشخِّص؟!

20- النقد موقف من المعلومة التي عرفتها، وإلا كانت المعرفة مجرد متعة ذهنية مؤقتة!

21- التعليم يجب أن يكون أداة نقدية، يكتشف به المتعلم حقيقة نفسه، وواقعه والكون.

22- المعلومة معيار، والنقد يحتاج لمعيار.

23- عندما تكون المعلومة معياراً تحقق الغاية منها.

24- إذا كان التعليم من أجل التغيير، فهذا يعني أنه لا بد من استمرار عملية النقد.

25- وتسأل بعدها: هل يوجد لدينا نقد؟ وكان عليك أن تسأل: هل يوجد لدينا تعليم.
المصدر: موقع التغيير
المشاهدات 5246 | التعليقات 3

معالم على طريق النقد 3
للأستاذ إبراهيم العسعس


1- في الوقت الذي نعتقد فيه أننا تجاوزنا مسألة مشروعية النقد، وضرورته، يطلع علينا من لا زال يعيش خارج الخارطة، وعلى طريقة: تباً لك ألهذا جمعتنا؟!! يقول: تباً لكم معاشر الداعين إلى ضرورة النقد، تريدون أن تفسدوا علينا استقرارنا، وأن تخرجونا من النعيم المقيم الذي نتفيؤ ظلاله، فيهدمون عليك البنيان الذي تحاول بناءه من قواعده! ولكن لن نسمح لهم بجرنا إلى ساحات انتهينا منها، ولن نمنحهم فرصة التلذذ بنقض غزلنا، والعودة إلى نقطة الصفر، بسبب غبائهم، أو جهلهم، أو منفعتهم.

2- أتدرون من المسكين؟ إنه الذي يظن أن النقد شتائم! وقد أعذر فإن المعنى الذي استقر في عقولنا منذ قرون للنقد هو أنه كذلك! فلا لوم علينا من إرث وصلنا عبر أجيال، هكذا تربينا، حتى أصبحت جيناتنا ترفض النقد لأنه شتيمة. لكننا لا نعذر أنفسنا من وضع أصابعنا في آذاننا نرفض الاستماع لمن يفسر لنا الأمور.

3- هدف النقد: أن لا يمر مخطئ دون الإحساس بالذنب! ليس رغبة في إحراج أحد ... ولكنَّ تكررَ الخطأ دون تنبيه سيُحول الخطأ إلى صواب ... "كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً!"، فلسفة ضرورة النقد إعلان عن بقاء من يُمثل الصواب. والمجتمعات لا تسقط عندما تخطأ، ولكن عندما يمرر الخطأ ويزين ويلمع.

4- ولذلك فإنَّ النقد تحدُّث بصدق، وتواصلٌ مع الذات والخلق والحياة بصدق ...لأنه شفقة ورحمة وإن كان مُرَّاً.

5- التعليم الصحيح يبني النقد بأبعاده النظيفة، والتي لا تعني الشتيمة. وعندما لا يوصل التعليم إلى ممارسة النقد، فهذا يعني أن المجتمع الذي يمارس هذا النوع من التعليم مجتمعٌ متخلف. ولقد بدأ المجتمع المسلم بالتراجع لما توقف النقد، وحلت محل ثقافة النقد والمراجعة ثقافة قاتلة متجلية في مجموعة من الأمثال تربت عليها الأمة ولا تزال! فكلنا وصاه الكبار أنَّ: اليد التي لا تقدر عليها بوسها (قبلها) وادع عليها! وأنَّ أفضل طريقة للمشي هي أن تمشي قرب الحيط (الحائط)! وقد أكدوا علينا أن اليد لا تقدر على المخرز! ولم ينسوا أن يذكرونا أن لا فائدة من أي محاولة للتغيير لأنَّ: مالطة قد خربت! وهكذا.. والجميل أن هذه الأمثال منتشرة في العالم العربي! ممكن باختلاف في اسم أو وصف لكن المؤدى واحد، والهدف مشترك: دعونا كما نحن ستر الله عليكم.

6- النقد ليس عملاً فردياً ... إنه جهد جماعي .. وهو سِمَة على نمط حياة ... وعندما لا يتم التفاعل بين أركان العملية النقدية سيحول النقد إلى صراخ وسباب ورفض؛ مجرد رفض... سيتحول إلى فعل بلا هدف، بلا عنوان، مجرد تنفيس عن المشاعر... وسيكون موقف المقابل الدفاع -لمجرد الدفاع- عن الأصنام الموجودة ! الأصنام لا حدود لها : فقد تكون مشاعر وأحاسيس، وقد تكون أفكاراً، وقد تكون أوضاعاً، وقد تكون النفس التي في داخلك .. وهكذا فلا يذهبن خيالُك إلى هبل السياسة وعُـزَّى السياسيين وحسب.

7- رفض النقد يعني: الخضوع للتصورات الكاذبة، والتاريخ المزيف، والواقع المزور، إنه دفاع الاستناد إلى الحائط ذلك الدفاع المستميت... لا منطق، لا استماع، لا حوار .. فقط اعتماد على الحائط!

8- النقد لا بدَّ أن يكون في كثير من الأحيان قاسياً.. مع التنبيه على أن القسـوة هنا نسبية .. هل علينا أن نلفت النظر إلى كل من توجه إليه عملية النقد فإنه يراه قاسياً شديداً ظالماً ؟ لا تطلب أو تتوقع أن يكون النقد حواراً أو هدهدة وترقيع.

المصدر: موقع التغيير


معالم على طريق النقد 2
للأستاذ إبراهيم العسعس


1- تقدم أحدهم لامتحان عن علـم الحيوان، وكان يعـرف كل شيء عن الحيَّـة (الثعبان)، ولا يعرف شيئاً عن الحيوانات الأخرى، ولسوء حظه فقد جاء السؤال عن الفيل .. فكيف يجيب؟ على كل حال فكر وقدَّر وقال:

الفيل حيوان كبير، له خرطوم طويل يشبه الحيَّـة ... والحيَّـة هي ... وأكمل عن الحيَّـة ونسي الفيل!!

.... بعض من يمارس النقد كصاحب الحيَّـة، لا يعرف إلا شيئاً واحداً ويريد أن يقيس كل الوجود عليه!!

2- "إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة "، هكذا قال أحدهم ذات صفاء، ولك أن تعكس قوله فتقول: وإذا ضاقت الرؤية اتسعت العبارة، فالمحدود واسع الخطو في تخطيء الناس، وفي الوقت نفسه مخدوع بما يعرف فينادي بأعلى صوته: أنا المقياس، وأنا الميزان، أنا الصواب! فمن لم يكن (أنا) فهو باطل وهو منحرف وهو خطأ.

3- وهذا ينطبق على المستقبِل للنقد، فمن كان كذلك فأنَّى له أن يستوعب أن قوله الذي لا يعرف غيره محلَّ نظر، فضيق الصدر والأفق والعلم يظن أن كل ما سوى المحدود الذي يعرفه مخالفة أو بدعة أو خطأ! أما الكبير الفطِن فيقول: علم الناس ما لم نعلم .

4- الذين تجاوبوا مع القرآن من الجيل الأول أدركوا أنه يبشر بأفق واسع كاتساع السماوات . فصرخ واحدهم : كيف حصل هذا ؟ لم أنا هكذا ؟ كيف سمحت لهم باستغلالي واستعبادي ؟ وصرخت الأنثى : بأي ذنب قتلت ؟! وصرخ كل الناس: ما هذا الهراء؟! وما هذا الفساد؟! لقد كان نقد القرآن قوياً حاسماً واضحاً فتحول الإنسان إلى كائن جديد يتمتع بإنسانيته، ولا عجب فلقد قضى النقدُ القرآني على التناقض الكامن في نفسه.

5- النقد حالة من الوعي، وهدفه إحداث تغيير جذري ... ولا شك بأن الذين يحملون وِزرَ النقد ! يعانون في سبيل كشف الواقع والوقائع، وهؤلاء -دائماً- فئة قليلة يمثلون نقطة ضوء تدل على النموذج البديل، ومن الطبيعي أن يضيق الجمهور ذرعاً بهذه القلة التي تمثل بالنسبة لهم عامل إقلاق لراحتهم، وسباتهم الممتع، وشخيرهم الطويل . ولأنها تضطرهم إلى البحث وإعادة التنقيب، والمراجعة لما هو قائم، وهذا ما لا يحبه الإنسان، ويبغض من يدعو إليه! فالإنسان المتخلف يريد أن يبقى كل شيء على ما هو عليه، ويريد أن تبقى أصنامه كما هي لا تمس، وكل من يشير إليهم -مجرد إشارة- فإنهم سيصبون عليه لعناتهم بلا رحمة!

6- النقد عدو التأقلم، عدو الاسترواح لما قائم، وخروج من أسر العادة، وحرب على كل من يقول "... إنا وجدنا آباءنا على أمة ...".

7- النقد أهداف واضحة، وتثوير للقدرات، وتنبيه للحواس، وهو تحرير للتوحيد، والتزام صارم به، وإلا دخلت في خطاب :" إنك امرؤ فيك جاهلية "، فلا تعترض إن لم تصل إلى مستواه!

فما علاقة التوحيد بالنقد؟!

إذا أردنا أن تكون لدينا حركة نقدية واعية، فلا بد من امتلاك مرجعية واضحة لهذه الحركة . ومرجعية المسلمين في النقد وفي التغيير هي التوحيد، فهو المقياس الذي يعرف به الصواب من الخطأ، وعلى هذا ينبني النقد.

8- النقد توازن بين معتقداتك، وبين ممارساتك. لقد حول القرآن الإنسان إلى كائن جديد يمارس الانسجام مع ذاته في أرقى صوره:

الإنسان الطبيعي هو إنسان حقق الانسجام ما بين داخله وبين خارجه . والذي يسعى لتحقيق هذا الانسجام هو إنسان امتلك القدرة على النقد، وبعد ذلك انطلق إلى فهم مجتمعه وتقويمه أي نقده.

9- النقد مقاومة لتحييد قدرة المجتمع على التغيير : فهو يواجه المخطئ والظالم فيشعرهما بالضيق والأسى والحسرة . ولكن لا تظن أن نجاح النقـد مرتبط بتجاوب المخطئ والظالم للنقد : غاية النقد أن تبقى أسماء الأشياء كما هي دون تزوير وتشويه. "كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً .."، عندها تنتكس الموازين، وعندها حتى النقد يفقد قيمته!

10- ممارسة النقد بداية التوجه للتغيير، هكذا الأصل، فهو ليس التغيير إذن: المشكلة أن كثيراً من الناس يرتاح عند ممارسة النقد ظناً منه أنه قد بذل الوسع . وقد تفطن القاهرون، أصحاب المصلحة في بقاء الأحوال كما هي، فقال قائلهم: ليقل من شاء ما شاء، المهم في النهاية أن أفعل ما أشاء!

المصدر: موقع التغيير


معالم على طريق النقد 4

للأستاذ إبراهيم العسعس

1- النقد هو السبيل إلى التحرر؛ فكيف يتحرر العبيد إذا لم ينقدوا واقعهم؟!
2- النقد تأكيد على أنك لست معزولاً عما وعمن حولك؛ فهو يرفعك من حالة القناعة بالراحة,، ويخرجك من الانكباب حول نفسك والرضا بما تؤديه على المستوى الشخصي,، إلى الإحساس بما حولك والمشاركة فيه,، لا أن تكون مجرد متلق ومستقبل.
إنه ينقلك نقلة هائلة, من إنسان خامل إلى إنسان فعال متفاعل.
3- النقد لا يكون إلا بالفهم والعلم كي يحقق غايته. يسبق النقـد عادة تساؤل,، وقراءة.
4- النقد يقول: لا يمكن لأي إنسان مهما بلغ أن يقف عند نقطة ثابتة. لذلك فلا بدَّ من استمرار عميلة قياسية معه تتابعه وتقيمه؛ تقيسه على معايير المنهج,، وتقيمه على مقاييس العقل,، والنتيجة:
- مراقبة للذات شديدة, فلا يبقى أحد يشعر بأنه فوق النقد.
- محافظة على المنطق والحقيقة.
... هذا وإلا سيبقى المتلاعبون بالعقول بلا رقيب ولا حسيب.
5- النقد حاسة تنمو بالتعليم والممارسة,، لذلك فإن من لا يملكها يثور إن رآها على الآخرين! إنه عملية مستمرة خارج أسوار المدارس والجامعات,، أي أنه ليس عملية أكاديمية,، بل نمط حياة . فهو يقوم على طرح القضايا المهمة,، ويقتضي الملاحظة المستمرة,، وينبهك على توظيف الحواس,، وعندها يصبح التعليم عملية مشتركة.
... والسؤال الآن: هل يمكن أن يحصل التغيير عن طريق التعليم الذي يجعل همَّ الإنسان الآخرة دون السعي لعمارة الدنيا؟!
وهل يمكن للتعليم الذي يصف ولا يحلل,، يقنع ولا يرفض أن تنهض به الأمة؟!
6- النقد صراع بين منهجين ورؤيتين للحياة؛ منهج يُموِّه الحقائق,، ويحجب المعلومات,، ومنهج يقدم الحقيقة كما هي,، ويعرض المعلومة بسهولة. منهج يفضل التدجين,، ومنهج يريد أن يمارس الإنسان إنسانيته,، ليحقق حريته.
7- قامت الحضارة الإسلامية على النقد: لأنها بدأت بإقرأ,، وبإقرأ أثيرت التساؤلات التي صدمت المتلقي,، وعرَّت أمامه الواقع. هناك نصان؛ نصٌّ يصف الواقع ويؤكده كما هو بلا نقد,، ويزرع في الأذهان استحالة تغييره لأنه مقدس أو شيء من هذا القبيل,، ونصٌّ يطرح التساؤلات,، ويعري الواقع ليكشفه أمام المتلقي.
8- النقد يعني أنك بدأت تشعر بالتناقض والقهر والخطأ,، لتسعى بعد ذلك لتعديل الواقع وتعديل علاقتك به.
النقد إحساس بالإنسانية لأنك تسعى من خلاله لإزالة التناقض الذي تعيش فيه.
لماذا لا بد للإنسان من مزاولة النقد؟ حتى يغير حالة فاسدة,، أو ظرفاً خاطئاً.
لينقد ثقافة الشرك,، وثقافة التسلط,، وثقافة التعصب ... هذه التي قتلت روح الحياة,، ومزقت معنى حياتنا,، ودمرت إنسانيتنا.
المصدر: موقع التغيير