سلسلة خطب عن علامات الساعة الصغرى خطبة رقم (1).
قاسم الهاشمي
سيكون بإذن الله سلسلة خطب عن علامات الساعة الصغرى
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الحكيم؛ خلق كل شيء فقدره تقديراً، فجعل لكل أجل كتاباً، ولكل بداية نهاية، نحمده على ما هدانا وكفانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هدانا للإيمان به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ورزقنا العلم بذلك في كتاب مقروء محفوظ، على يد نبي مصطفى مبعوث، فكانت الهدايةُ منه وحده لا شريك له (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)كما أن العلم بالوحي وبشرائع دينه منه سبحانه وتعالى ) فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ قام في أصحابه رضي الله عنهم مقاماً فأخبرهم عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتزودوا بالباقيات الصالحات فيما بقي من أيامكم، واعتبروا بما مضى من أعماركم؛ فإن الأمر عظيم شديد، وإن الموعد آتٍ قريب ( اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ).
أيها الناس: من رحمة الله تعالى بنا، وتعليمه إيانا: أنه سبحانه أخبرنا عما يقع بين يدي الساعة؛ مما لا سبيل إلى العلم به إلا بوحيه عز وجل لرسوله ﷺ؛ فإن العلم بذلك سبب لثبات الإيمان، وزيادة اليقين، والاستعداد ليوم الدين، وقطع حجج المكذبين.
والله سبحانه قد استأثر بعلم الساعة، فلم يطلع عليها أحداً من خلقه ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ).
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ). والساعة اسمٌ من أسماء يوم القيامة.
وجعل سبحانه وتعالى للساعة أمارات كثيرة تدل على قربها؛ منها أمارات كبرى تكون عند دنوها، ومنها علامات صغرى بعضها وقع منذ قرون وانتهى، وبعضها وقع ولا زال يقع، وبعضها لم يقع بعد، وكأن هذه العلامات التي تقع عبر القرون المتتابعة تذكرة من الله تعالى للناس؛ ليثوبوا إلى رشدهم، وينتبهوا من غفلتهم، ويتوبوا إلى ربهم سبحانه وتعالى.
ولكن الله جل ثناؤه أخبر رسولنا محمدًا ﷺ بعلامات للساعة تدل على قرب وقوعها.
وعلينا أن نعلم ابتداءً أن علامات الساعة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: علامات الساعة الصغرى.
والقسم الثاني: علامات الساعة الكبرى.
والفرق بين علامات الساعة الصغرى وعلامات الساعة الكبرى:
أن علامات الساعة الصغرى تقع قبل قيام الساعة بأزمان متطاولة، بينما علامات الساعة الكبرى تقع قبل قيام الساعة بوقت قريب.
وكذلك علامات الساعة الصغرى تقع في أوقات متباعدة، بينما علامات الساعة الكبرى تقع متتابعة كالعقد إذا انفرط.
وبإذن الله تعالى سيكون حديثنا عن علامات الساعة الصغرى.
فمما أخبر الله تعالى عن وقوعه من علامات الساعة الصغرى بعثة النبي ﷺ ووفاته، كما قال ﷺ: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ" وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوسْطَى.
وقال ﷺ: "اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ"، وذكر منها: "موتَهُ". رواه البخاري.
ومن علامات الساعة الصغرى: التي وقعت وانتهت "فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" رواه البخاري، وهذا الشرط قد حدث في عهد عمر بن الخطاب t سنة ست وثلاثين من الهجرة.
ومن علامات الساعة الصغرى، طاعون (عمواس)، وهي بلدة في فلسطين. قال ﷺ : "ثُمَّ موتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ"، وهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الدَّوَابَّ فَيَسِيلُ مِنْ أُنُوفِهَا شَيْءٌ فَتَمُوتُ فَجْأَةً.
قال ابن حجر: "إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ظَهَرَتْ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
ومن العلامات، ظهور الفتن، قال ﷺ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وأولها قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، قَالَ حُذَيْفَةُ: "أَوَّلُ الْفِتَنِ قَتْلُ عُثْمَانَ".
ومن العلامات، ظهور مدعي النبوة، فقد قال النبي ﷺ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ" رواه مسلم.
وقد ظهر بعد موته ﷺ من ادعى النبوة، ولا يزال الدجالون الكذابون يظهرون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا فمن يغفر الذنوب إلا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه؛ فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
ومن العلامات، فتح القسطنطينية: عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟» قالوا: "نعم يا رسول الله" قال: «لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها – قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر – ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون (رواه مسلم.
والقسطنطينية هي المعروفة الآن بـِ (إسطنبول) من مدن تركيا، وقد حاول الصحابة -رضي الله عنهم فتحها فغزوها بقيادة يزيد ابن معاوية وفيه أبو أيوب الأنصاري t ولكن لم يتم لهم فتحها، ثم حاصرها بعد ذلك مسلمة بن عبد الملك، ولم تفتح أيضاً، ولكنه صالح أهلها على بناء مسجد بها، ثم فتحت أيام الترك بقتال في عهد السلطان محمد الذي لُقب "بالفاتح"، وستفتح بإذن الله مرة ثانية كما أخبر النبي ﷺ.
وللقيامة أشراطٌ وقد ظَهَرَتْ *** بعضُ العلاماتِ، والباقي على الأثرِ
بعضُ الذي قاله خيْرُ الأنـام جرَى *** والبعضُ يأتي كما قد نُصَّ في الخبَر
وسـوف تظهَـر تصدِيقًا لـه فتنٌ *** كَقِطْعِ ليـلٍ خَلا مِـن غُرّة القمر
نقف على ما ذكرنا من علامات الساعة الصغرى، وللحديث بقية في جمعة قادمة بإذن الله.
ألا.. وصلوا عباد الله على سيد الأولين والآخرين؛ فقد أمركم الله -تعالى- بالصلاة عليه في قوله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
وقد قال ﷺ: " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا "؛ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.. اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .....
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم وارض عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ثبتنا على دينك يارب العالمين.. اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.. اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.. أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين..
اللهم أنت رب العالمين الرحمن الرحيم.. أنت مجيب المضطرين.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا ياكريم يارب العالمين يا أرحم الراحمين.. إنك على كل شيء قدير..
اللهم لا تؤاخذ الناس ولا تؤاخذنا بذنوبنا يا أرحم الراحمين.. اللهم لا تمنع عنا بذنوبنا فضلك برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا.. اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى.. اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك.. اللهم وأعنه على أمور الدنيا والدين.. اللهم انصر به دينك و أعلي به كلمتك إنك على كل شيء قدير.
المرفقات
الساعة-الصغرى-28-2-1439هـ-1
الساعة-الصغرى-28-2-1439هـ-1