سلسلة خطب الدار الآخرة (14) الشفاعة العظمى
عبدالله محمد الطوالة
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ، حمداً كثيراً لا يُحدُ ولا يُعدُ، ولا يَبيدُ ولا ينفدُ، سبحانهُ وبحمدهِ، وجلَّ شأنُهُ، واحدٌ لا من عَدَدٍ، دائمٌ لا بأمَدٍ، قائمٌ لا بعَمَدٍ، فردٌ وترٌ صمدٌ، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ...
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، منهُ المبتدأ، وإليه المنتهى، وعليه المعتمدُ، ومنهُ وحدهُ يُطلُبُ المددَ ..
وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ، أحسنُ خلْقِ اللهِ خُلُقاً وخِلْقة ً.. وأطيبَهُم أصْلاً وفرعاً ومولِداً .. وأرجَحَهُم وزْناً وأرفعَهُم ذُرى .. وأطهَرَهُمْ قلباً وأطولَهُم يدا .. فواللهِ لا واللهِ ما جاءَ مثلَهُ .. على الدنيا أبـرَّ وأوفى وأرشـدا، علـيـكَ ســلامُ اللهِ دومــاً ولـم يــزل .. بهِ يُختَمُ الذِّكرُ الجميلُ ويُبتدا، اللهم صلِّ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آله وصحبهِ والتابعينَ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عباد الله، أتقوه حقَّ التقوى، فإنَّ في تقواهُ عزَّ وجلَّ المغفرةَ والرحمة، والأمنَ والسلامة، والنَّورَ التَّامَّ يومَ القيامة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
معاشرَ المؤمنينَ الكرام: هذه هيَ الحلقةُ الرابعةَ عشرةَ من سلسلة دروسِ الدارِ الآخرة، وكنا قد ذكرنا في الحلقة الماضيةِ أحاديثَ الحوضِ المورود .. حين يطولُ الأمرُ على الناس يومَ القيامة، ويصلُ بهم الكربُ إلى ما لا يطيقون، فالشمسُ الحارقةُ فوقَ الرؤوس، والزحامُ والحرُّ شديد، والناسُ في عرقهم على قدر أعمالهم، حتى أنَّ منهم من يُلجمهُ العرقُ إلجاماً، ويشتدُّ العطش، فيُكرمُ اللهُ أوليائهُ المؤمنينَ بأحواض ماءٍ يشربونَ منها شربةً لا يظمؤون بعدها أبداً .. ثم تُقرَّبُ منهم الجنَّة، كما قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}، فيشتاقون لها، ويرغبونَ في الخلاصِ من الموقف؛ وإن كانوا قد ارتووا من ماء الكوثر، وكانوا في الظل آمنين .. وأما الكفَّار والعُصاة الفجَّار، فيزدادُ الأمرُ عليهم بتقريب جهنَّم منهم، كما قال تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}، ويقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، و{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، فإذا رأوها فزعوا وخافوا خوفاً شديداً، يظهرُ أثرهُ على قسمات وجوهِهم، ويجثونَ من هوله على ركبهم، تأمل: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ}، وتأمل أيضاً: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} .. فيأخذُ الناسَ بعدها في البحث عمن يَشفعُ لهم ويُخلِصهم مما هم فيه ..
والشفاعةُ معناها: التحدثُ نيابةً عن الغير, لطلب نفعٍ أو تفريج كُربة، وهي نوعان، حسنةٌ وسيئة، فالحسنةُ في الخير والحق، والسيئةُ في الباطل والشرِّ، قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}، وكما أنَّ الشفاعةَ الحسنةَ رحمةٌ بالمشفوع، فهي كرامةٌ للشافع, يَظهرُ بها فضلهُ ومنزلته، وفي الحديث الصحيح: "اشفعوا تُؤجَروا" .. وكلمَّا كانَت الكربةُ أشدُّ وأعقدُ, كانت الشفاعة أحوجُ وآكدُ, وأعظمُ أجراً .. ولذلك فالشفاعةُ يوم القيامة لها شأنٌ عظيم، لعِظم الكربِ، ولأنَّ الكلَّ في حاجةٍ ماسةٍ لها .. لكن من الذي يستطيعُ أن يشفعَ يومها، فالجبارُ جلَّ وعلا لم يُعطِها إلا لمن رضيَ وأذنَ له، تأمل: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}، وقال تعالى في أعظم آيةٍ في كتابه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقال الله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، فالشفاعة ثابتةٌ بالكتاب والسنة وإجماع سلفِ الأمة، وهي المقامُ المحمودُ الذي يقومهُ المصطفى ﷺ أمامَ الخلائق يومَ القيامةِ، فيشفعُ لهم عند اللهِ جلَّ وعلا ليُريحَهُم من ذلك الكربِ العظيم، وهي المقصودُ بقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، وبقوله ﷺ في صحيح مُسلم: "أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" .. وجاءَ تفصيلُ ذلك في الصحيحين: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ .. فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ .. فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ..
وخلاصةُ الحديث يا عباد الله، أنهم يَأْتُونَ نُوحًا ثم إِبْرَاهِيمَ ثم مُوسَى ثم عِيسَى، وكلهم يَقُولُ كما قال آدم: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، حتى يقولَ عيسى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ .. فَيَأْتُونَ فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ .. وفي رواية قال: (نعم أنا لها) .. فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ .. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ! فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ منْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ" .. ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى" ..
والمتأمِّلُ في هذا الحديث العظيمِ يلحظُ أنَّ هناكَ إشكالاً ظاهراً، بين أولِ النصِ وآخره، ففي أولِ النَّصِ، إنَّ الناسُ يأتونَ آدمَ فمن بعدهُ من الرسل ليُشْفَعَ لهم ويَخلَصوا من الكربِ، بينما في آخر النَّصِ ظهرَ أنَّ شفاعةَ الرسولِ ﷺ خاصةٌ بأمته .. فكيفَ يُدفعُ هذا الاشكال، والجوابُ: أنَّ للرسول ﷺ نوعينِ من الشفاعة عامةٌ وخاصة، فالعامةُ ليقضِيَ اللهُ بين الناس ويُريحُهم من كرب الموقف .. وشفاعةٌ خاصةٌ بأمته ليَدخلوا الجنة، وليَخرُجَ عُصاتها من النار، والشفاعةُ العامةُ لأهل الموقف تدخلُ ضمناً في الشفاعة الخاصةِ لأمته، لأنهُ لا يمكنُ أن يُقضى لأمته دونهم ..
وجوابٌ ثانٍ: أنَّ ما طُوي هنا من أمر الشفاعةِ العامَّةِ أشهرَ من أن يُذكر، وقد أوضحتهُ أحاديثَ أخرى صحيحه، منها حديثُ ابن عمرٍ في البخاري: "إنَّ الشمسَ تدنو يوم القيامةِ حتى يبلُغَ العَرَقُ نِصفَ الأُذُنِ، فبَيْنا هُم كذلك، استَغاثوا بآدَمَ ﷺ فيقولُ: لسْتُ صاحبَ ذاكَ، ثمَّ بموسى ﷺ، فيقولُ ذلك، ثمَّ بمحمَّدٍ ﷺ وعليهم أجمَعينَ فيَشفَعُ لِيقُضَى بيْنَ الخَلْقِ" .. وجوابٌ ثالثٌ: أنَّ الحديثَ جاء خاصٌ بأمّة المصطفى ﷺ, وأنهم وحدهم المخاطبون بهذا الحديث، وأمَّا غيرهم من صالحي الأمم السابقة فقد مضوا، ولا يمكنهم أن يعرفوا عنهُ شيئاً ..
هذه يا عباد الله: هي الشفاعةُ العظمى, والمقام المحمود الذي أكرمَ اللهُ به مصطفاهُ وخليلهُ محمداً ﷺ، وهيَ الشفاعةُ الأولى للرسول ﷺ ضمنَ شفاعاتٍ كثيرةٍ سيأتي بيانها في حلقاتٍ قادمةٍ بإذن الله ... ومن جميل ما قالهُ بعضُ أهل العلم: أنَّ الشفاعةَ العظمى منزلةٌ عظيمةٌ, لا تنبغي إلا لأفضلِ الخلقِ وسيدُهم، وأنَّ إلهامَ اللهِ تعالى لأهل المحشرِ أن يذهبوا لآدمَ فمن بعدهُ من الرسل, ثم تنحِيهم جميعاً عن الشفاعة, أنَّ ذلك إظهارٌ واعلانٌ لمكانه الرسولِ ﷺ, وبيانٌ لمنزلتهِ، وأنهُ سيدُ بني آدم، وأفضلُ الخلقِ أجمعين .. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: " أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وبيدي لواءُ الحمدِ ولا فخرَ، وما من نبيٍّ يومئذٍ آدمَ فمن سواهُ إلَّا تحتَ لوائي" وجاء في رواية صحيحة: "وأَنا أوَّلُ من يدخلُ الجنَّةَ ولا فخرَ" ..
وصدق الله العظيم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ..
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عباده اللذين اصطفى ..
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ, وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ..
معاشر المؤمنين الكرام: رغمَ أنَّ الجميعَ سيكونُ بأمسِّ الحاجةِ للشفاعة يومَ القيامة، إلا أنها لن تكونَ إلا لأهل التوحيدِ والإخلاص، ففي الحديث الصحيح: قال رسول الله ﷺ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)، وفي صحيح البخاري، قال عليه الصلاة والسلام: " أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ" ..
ومن أسباب نيلِ شفاعةِ المصطفى ﷺ يومَ القيامةِ، ما جاءَ في صحيح مُسلم، أنَّ النبي ﷺ قال: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ"، وفي صحيح البخاري: قال ﷺ: "مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذي وعَدْتَهُ، حَلَّتْ له شَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ" ..
ومن أسبابِ نيلِ شفاعةِ النبي ﷺ يومَ القيامة، كثرةُ الأعمالِ الصالحة، خُصوصاً الصلاة، ففي الحديث الصحيح: أنَّ النَّبِيُّ ﷺ قال لْخَادِم له: (أَلَكَ حَاجَةٌ؟)، قَالَ: حَاجَتِي، أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فقَالَ ﷺ: (فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) ..
ومن أسباب نيلِ شفاعةِ المصطفى ﷺ يومَ القيامةِ، العدلُ وعدمُ الظلم، ففي حديثٍ حسنهُ الإمامُ الألبانيُ رحمهُ الله, عن أبي أمامة الباهلي t قال: قال رسول الله ﷺ: "صنفانِ من أُمَّتِي لن تنالَهُما شفاعتي، إمامٌ ظلومٌ غشومٌ، وكُلُّ غالٍ مارقٍ" .. ومِصْداقُ ذلك من كتاب الله، قَولُه تَعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ..
ألا فاتقوا الله عباد الله, وخذوا بأسباب النجاة، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسُنةِ نبيكم ﷺ تفلحوا وتربحوا، وإياكم ومحدثات الأمور, فإنَّ كلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلاله، وكلَّ ضلالةٍ في النار ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل على محمد ..
عبدالله محمد الطوالة
لمتابعة الحلقات السابقة
اضغط هنا
تعديل التعليق