سلسلة الإيمان باليوم الآخر - الخطبة الأولى

محمد بن جلبان
1434/07/01 - 2013/05/11 20:11PM
المرفقات

سلسلة الإيمان باليوم الآخر- عذاب القبر ونعيمه(2).doc

سلسلة الإيمان باليوم الآخر- عذاب القبر ونعيمه(2).doc

المشاهدات 8549 | التعليقات 9

موعظةٌ جليلة جميلة ، وشكرًا على هذه السلسلة الطيّبة فهي عِمادُ الخطابة المسجديّة ، وأساس التغيير المنشود ، كيف لا و أساسُ صلاحِ كلّ الأعمال والأقوال والأحوال إنّما هو الإيمان بالله و اليوم الآخر ! . نحن في انتظار إبداعاتكم فضيلة الشيخ .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكم حسن ظنكم، وجعلني خيرًا مما تظنون ، وغفر لي ما لا تعلمون.


الخطبة الثانية

https://khutabaa.com/forums/موضوع/140428


جزاك الله خيرا
ألا تنزلها على ملف وورد ليعم النفع بها


الخطبة الأولى
سلسلة الإيمان باليوم الآخر - عذاب القبر ونعيمه

سلسلة الإيمان باليوم الآخر - أسباب عذاب القبر ونعيمه


السلام عليكم ورحمة الله
حاولت قدر الإمكان أن أرفق ملف الورد لكن يرفض ويقول الملف خاطي فياليت أحد يفيدنا من مشرفي الملتقى


الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ عالمِ الغيب، ساترِ العيب، غافرِ الذنبِ وقابلِ التوبِ شديدِ العقابِ ذي الطولِ لا إلهَ إلا هو إليه المصير، (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)( ) ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، لهُ الحمدُ في الأولى والآخرةِ، ولهُ الحكمُ وإليهِ ترجعون، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وصفيهُ مِنْ خَلقِه، رحيمٌ بأمته، حريصٌ عليهم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، أنذرَ وحذّرَ، ودعا وبشر، وأَخْبَرَ أمتَه فقال: قد أوحىَ إليَّ: أنكم تُفتَنُون في القبورِ قريباً مِن فتنةِ الدجال، فجَعَلهُم على المحجةِ البيضاءِ ليلُها كنهَارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فهدى اللهُ تعالى به من الضلالة، وبصَّرَ به من الجهالة، فصلواتُ الله وسلامُهُ عليه، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، وما وعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن أيامكم قلائل، وأعماركم رواحل، فاستيقظوا قبل سير القوافل، وليوقن المرء أنه لا شك عنها راحل، فلا يكن عن ذكر قبره غافل.
أيها الأحبة الكرام:
عنوان خطبتنا لهذا اليوم "أول منازل الآخرة"، سبق الحديث عن سلسلة الإيمان باليوم الآخر، وأن بدايته من قبض روح العبد، وعند ذلك تبدأ رحلة الآخرة، ومنازل البعث، وحديثنا اليوم عن أول منزلة، وأعظم مرحلة، فإن أفلحت فيها فما بعدها أهون منها، وإن كانت الآخرى فما بعدها أشد منها، كان عثمان بن عفان  إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تُذكر الجنةُ والنارُ فلا تبكي, وتبكي من هذا ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة, فإن نجا منه فما بعده أيسر منه, وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ". القبر فظيع، أيقظ مضاجع الصالحين، وكدر ذكره صفو حياة الطالحين، هي حفرة موحشة ضيقة، تقشعر منها الجلود، حينما تقف عليها الآن، وما من أحدٌ إلا وسيسكنها، موسد على جنبه الأيمن، لا يستطيع الحراك أو التململ، من فوقه اللبن، يهال عليها التراب، فلا فرجة ولا ضياء، ولا ماء ولا هواء، ليس معك إلا الكفن والعمل، ويبلى الكفن ويبقى العمل، آخر سماعك قرع نعالهم راحلين، لا أنيس ولا جليس، لا منعة من هوام أو دود، فما أوعظها من موعظة، وما أشدها من نهاية، تحتاج منا أن نتفكر فيها، وأن نعد لها، كم مرة أودعنا فيها أحبابنا و أصحابنا، كم مرة وقفنا على شفير قبر نذرف الدموع على حبيب لنا؟! سيأتي يوم نُودَع فيها كما أودعنا غيرنا، وكم قد وعظهم غيرنا بالحفرة المظلمة، ويأتي زمان علينا فنقول قد وعظنا، ولكن العبد ينسى والقلب يغفل. كم من إنسان وقف على شفير قبر فقال متساءلا ما مصير صاحب هذا القبر، أيرى مقعده من النار وقد أبدل بمقعد من الجنة أم غير ذلك، يا ترى ما كانت أمنياته، أفرح بلقاء ربه أم شقي بعمله، هل ضمه قبره أم وسع له، أفرش له من الجنة أم من النار؟ هذه أسئلة لطالما طرحناها، نتطلع لمعرفتها، لكن حينما يحين الرحيل، تعاين ذاك بأم عينك، فقدم ما شئت لنفسك، سيرحل الناس عنك، وتسمع قرع نعالهم، وتلقى مصيرك وحدك، لا أب يحتمى فيه ولا أم تحن ولا ابن شفيق، ولا قريب ينتخى، وحيد تحت الجنادل والتراب، متحمل تبعة عملك، صلاتك شاهدة وزكاتك حاضرة، وسائر عملك إن خيرًا فهنيئًا لك، إي والله هنيئًا لك، وإن شرًا فعسى أن يعفو عنا وعنك.
أيها الأحبة الكرام:
القبر حياة مدهشة، وعالم عجيب، لا يعرف كنهه إلا الله جل في علاه، جعله من علم الغيب، وأخبر به في كتابه، وفي سنة رسوله، فمن آمن بالله ورسوله آمن به، ومن كفر بالله ورسوله جحده وأنكره، ولولا أن الله ذكره لنا في كتابه وسنة رسوله ما آمن به، فعقيدتنا الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عن القبر وعذابه ونعيمه، لا ندرك كيفيته ولا نعلم وصفه، إلا ما أوضحه لنا، ونقف عند ما وقف عنده، لأنه عالم غيبي لا ندركه، وعقولنا قاصرة عن إدراكه، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، بل بما تحار فيه العقول، وقد أخبر الله في كتابه عن فتنة القبر فقال سبحانه:( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون )( ) بوب البخاري في صحيحه فقال: باب ما جاء في عذاب القبر ثم ساق هذه الآية. وقال الله جل في علاه:(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)( ) فالمنافقون يعذبون ثلاث مرات، عذابان قبل العذاب العظيم، قال الطبري :" سنعذبهم مرتين، عذاب الدنيا وعذاب القبر". وقال الله عن فرعون وآله:النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وهذه حجة واضحة، فإن الحق تبارك وتعالى قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا قبل يوم القيامة، لأنه قال بعد ذلك: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ، قَالَ القَاضِي ابْنُ الطَّيِّبِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ أَنَّهُ لاَ غُدُوَّ وَلاَ عَشِيَّ فِي الآخِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا، فَهُمْ مَعْرُوضُونَ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ عَلَى النَّارِ». قال القرطبي:(وهو حجة في تثبيت عذاب القبر). بل تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه، فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أُقعِد المؤمن في قبره، أتى! ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ"
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((دخلت عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عُجُز يهود المدينة دخلتا عليَّ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم ". قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر)) .
ولعظم هذا الأمر وخطورته كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعظ أصحابه ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: قالت: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة". رواه البخاري وزاد النسائي: ((حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم، قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر قوله؟ قال: قد أوحى إلي: أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال)).
وقد أُعطِى نبي الله  القدرة على سماع المعذبين في قبورهم، روى مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه)) .
وفي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس، فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)) .
ومرّ بقبرين ، فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير..)).
ولذا قال العلماء رحمهم الله نعيم القبر وعذابه ثابت في حق كل ميت، قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو ابتلعه حوت أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، أيًا كان يصل إلى روحه وجسده من النعيم أو العذاب ما يصل إلى المقبور، لا يشعر بعذابه ونعيمه أحد ممن حوله، فيالله تبصر القبور منهم من هو في نعيم وحبور وجاره في نار تلظى قد اختلفت أضلاعه، كم من قبر في غرف مذهبة مزينة يشتعل على صاحبه نار، وكم من قبر بقفرة موحش هو جنة ونعيم على صاحبه، فسبحان من جلت قدرته، وتناهى علمه، يعلم ما فوق الأرض وما تحتها، قد أحاط علمه بكل شي، فلا إله إلا هو الحي القيوم أتوب إليه وأستغفره، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليع وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الأحبة الكرام:إذا وضع العبد في قبره، وأسلم وحده ليس له أنيس إلا عمله، ردت روحه في جسده كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في حديث البراء بن عازب، وبعد ذلك يسمع قرع نعالهم راحلين عنه، روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم". فلا إله إلا الله ستأتي ساعة نسمع قرع نعال القريب والصديق راحلين، ونحن في حفرة مظلمة موحشة، ثم يأتيه ملكان فيسألانه ثلاثة أسئلة سهلة في الحياة، صعبة في القبر بعد الممات، لا يوفق لإجابتها إلا من كان لله طائع، فأما المؤمن ففي حديث البراء عند أبي داود وأحمد فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: ما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ ، فَيَقُولَانِ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَيَقُولانِ : قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ، ثم يقال له : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعا. وفي رواية:" فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً)، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة، قال: ربِّ عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن). وفي رواية ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : نَمْ ، فَيَقُولُ : أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ ، فَيَقُولَانِ : نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله، فجزاك الله شراً، ثم يقيض الله له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار، فيقول رب لا تقم الساعة). وفي رواية يقول المنافق: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ.فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.
وليس هذا فحسب بل يعرض عليه مقعده كل يوم بالغداة والعشي ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
أيها الكرام: السعيد من وعظ بغيره، وقد وعظنا بالعظات، خطب ومحاضرات، وجنائز غاديات رائحات، قيل لأحد السلف:"ما أبلغ العظات؟ قال: النظر في محلة الأموات". فتوبوا إلى ربكم وأعدوا لمنزل ضيق موحش، فالنجاة بالعمل، والفلاح بالطاعة، وكما دخلتها خالي اليدين، سترحل منها خالي اليدين، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)( )
عباد الله : صلوا وسلموا.....


الخطبة الثانية من سلسلة الإيمان باليوم والآخر
أسباب عذاب القبر



الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ واسعِ المغفرة، باسطِ اليدين بالمرحمة، سامعٍ لكلِ نجوى، ومنتهى لكلِ شكوى، كريمِ الصفح، عظيمِ المن، مقيلِ العثرات، جعلَ الدنيا دارًا فانية، والآخرةَ دارًا باقية، وجعلَ القبورَ برزخًا بين الدارين، فمن طَابَتْ دنياه طَابَ قبرُهُ وآخرتُهُ، ومَنْ فَسَدَتْ دنياه فَسَدَ قبرُهُ وآخرتُهُ، كلُ نفسٍ بما عملتْ رهينة، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له، أظهرَ الجميل، وسترَ القبيح، ولم يؤاخذْ بالجريرة، ولم يهتكِ الستر، أحمدُهُ سبحانَهُ وأشكرُهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، بيَّنَ سبيلَ المفلحين، وحذَّرَ من طُرقِ الخاسرين، فمن أطاعَهُ نجا، ومن عصاَهُ غوى، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِهِ أولي العلمِ والنهى، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا سرمدى.
أما بعد: عباد الله: فاتقوا يومًا ترجعون فيهِ إلى الله، ثم توفى كلُ نفسٍ بما كسبَتْ وهم لا يظلمون، واتقوا الله يومَ تجدُ كلُ نفسٍ ما عملَتْ من خيرٍ محضرا، وما عملَتْ من سوءٍ تَوَدُ لو أنَّ بينَها وبينَهُ أمدًا بعيدا ويحذركُمُ اللهُ نفسه.
أيها الأحبةُ الكرام: عُنوانُ خُطبتِنا لهذا اليوم "أسبابُ عذابِ القبر والمنجياتُ منه". سبق الكلامُ في خطبتين عن الإيمانِ باليوم الآخر ومنازلِهِ، فكان القبرُ أولَ منازلِهِ، والناسُ يفتنون في قبورِهم قريبًا من فتنةِ الدجال، ولذا كان الحبيبُ  يقولُ لأصحابِهِ: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ). قال ابْنِ عَبَّاسٍ كان رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. رواه مسلم.
أيها الكرامُ: إنَّ نعيمَ القبرِ وعذابَهُ واقعٌ على الروحِ والبدن، ولا ينكرُهُ إلا من ضلَّ سعيُهُ، وخابَ مآلُهُ، قالَ الإمامُ أحمدُ رحمَهُ اللـه: "عذابُ القبرِ حقٌ ومن أنكرَهُ فهو ضالٌ مُضل". وقالَ الإمامُ القرطبيُ والإمامُ الحافظُ ابنُ حجرٍ: "لم يُنكرْ عذابَ القبرِ إلا الملاحدةُ، والزنادقةُ، والخوارجُ، وبعضُ المعتزلةِ، ومن تَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ الفلاسفة". ومن آمَنَ بربهِ، وعرفَ قدرتَهُ، لم يُنكرْ ذلك فما أمرُهُ جلَّ في علاهُ إلا بينَ الكافِ والنون، إذا أرادَ شيئًا فإنما يقولُ له كنْ فيكون، أسندَ البخاريُ في صحيحه عن أبي هريرةَ أن رسولَ اللهِ صلىَ اللهُ عليه وسلم قالَ: " قالَ رجلٌ لم يعملْ خيراً قطُ: فإذا ماتَ فحرّقوهُ واذروا نِصفَه في البر، ونصفه في البحر، فواللهِ لئن قَدِرَ اللهُ عليه ليعذبنَّهُ عَذابًا لا يُعذبُهُ أحداً من العالمين، فأمرَ اللهُ البحرَ فجمعَ ما فيه، وأمرَ البرَ فجمعَ ما فيه، ثم قال: لم فعلتَ؟ قال: من خشيَتِكَ وأنت أعلم، فغفرَ له ". فلا مجالَ للعقلِ القاصرِ أن يخوضَ في قدرةِ الله، بلْ يقفُ عندَ ما أمكنَهُ مولاهُ، وما سوى ذلكَ فالإيمانُ بالغيبِ والتسليمُ بما لا يُدركُ من صفاتِ المتقين.
ومَعَ ذلكَ أطلَعَ اللهُ نبيَهُ  على صورِ منْ عذابِ القبر، وأَسْمَعَهُ بعضَ منْ يعذبونَ في قبورِهِم، لِيُنبهَ أمتَهُ ويُحذرَهَا من تلك الحفرةِ الموحشة، وبَيَّنَ لنا الحبيبُ  بعضًا من أسبابِ عذابِ القبر، لكنَّ الأصلَ العظيمَ أنَّ منْ صَدَقَ مَعَ اللهِ صَدَقَ مَعَه، منْ طَابَتْ حياتُهُ باللهِ في الدنيا، طَابَتْ حياتُهُ في القبرِ والآخرةِ، فَظُنَّ بِربِكَ خيرًا، واللهِ إنَّ مَنْ كانَ مَعَ اللهِ في الدنيا كانَ مَعَه في القبرِ والآخرةِ، مَعَاذَ اللهِ أنْ يُعذبَ اللهُ عَبدًا صَدَقَ معَه، وتَحيَنَ طَاعَتَهُ، وتَجَنَبَ معصيتَهُ، وبِقدرِ تفريطِكَ تكونُ حياتُكَ في قبرِكَ، ولذا يتفاوتُ الخلقُ في النعيمِ والعذابِ في قبورِهِم، وفي المقابلِ لا تَظُنَّ ظَنًّ المنافقِ يعملُ سيئًا ويتمنى النجاةَ، تَتَحينُ المعصيةَ وتغضبُ اللهَ ليلَ نهارَ وترجو أنْ لا يعذبُكَ في قبرِك، قالَ اللهُ: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)( ) .
فالأصلُ أيها الكرامُ أنَّ صاحبَ المعصيةِ يُعذبُ بمعصيتِهِ إنْ لم يتبْ مِنها، أو يأتِ بمكفراتٍ تمحوهَا، وأقلُ الناسِ معصيةً أوفرُهُم حظًا في النجاةِ مِنْ عذابِ القبرِ، فعذابُ القبرِ ونعيمُهُ مُرتَهنٌ بِكسبِ العبد، فَمِنْ الناسِ مَنْ لا يُعذبُ في قبرِه جعلني اللهُ وإياكُم مِنهُم، ومِنهُم مَنْ يُعذبُ بِقَدرِ معصيتِهِ ثُمَّ يَنقطعُ عنهُ العذاب، ومِنهم مَنْ يستمرُ عليه عذابُ القبرِ حتى قيامُ الساعةِ والعياذُ بالله. وينبغي أنْ يُدركَ العبدُ الفرقَ بينَ عذابِ القبرِ الذي يصيبُ العصاةَ على ذنوبٍ اجترحوهَا، وبينَ ما يبتلى بِه المؤمنُ في قبرِه مِنَ الضغطةِ وفتنةِ الملكَين، فإنَّ هذا ليسَ بعذاب، فهولُ القبرِ وروعتُهُ وضمتُهُ عامٌ لكلِ أحد، حتى الصالحينَ مِنْ المؤمنين يَنالُهُم مِن ذلك ما يَنالُهُم. أخرجَ الإمامُ أحمدُ في مسندِهِ عَنْ عائشةَ  قالَتْ: قَالَ النَّبِيِّ: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ). صححَهُ الألباني.
أيها الأحبةُ الكرام:
مِنْ أسبابِ عذابِ القبرِ التي نصَّ عليها الكتابُ والسنةُ، ومحذرًا من التساهلِ فيها، وكثرةِ وقوعِ الناسِ فيها، لا أقولُ الشركَ بالله والنفاقَ الاعتقادي، فهذا مما لا يختلفُ فيه اثنان، لكنْ ذنوبٌ ومعاصي يقترفُهَا المؤمنون، ويقعون فيها غافلين، مِنْ أشهرِهَا: عدمُ الاستتارِ عندَ البول، وعدمُ الاستنزاهِ منه ومِن بابِ أولى الغائط، والاستتارُ من الستر والبعدِ عن الناسِ وعدمِ التساهلِ في كشفِ العورة، والاستنزاهُ التحرزُ من النجاسةِ وتَجنبُهَا في البدنِ واللبسِ والمكان. وهذا تنبيهُ بالأدنى فإذا كان هذا يعذب في قبره فكيف بمن لا يستر عورته، ويتعمد كشفها، وكيف بمن يقارف النجاسات ويلامسها لا شك أن هذا من باب أولى. ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وفي رواية "لايستنزه"، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". وفي بعض روايات البخاري:"يمشي بالغيبة".وهو الثاني من أسباب عذاب القبر الغيبة والنميمة، والاستطالة في أعراض الأبرياء، وزرع العداوة والبغضاء بين الناس، وهذه قل أن يسلم منها مؤمن، حتى العلماء وطلبة العلم، وبعضهم يخرجها في قوالب نصح أو دعوة أو شهامة، وهو يفري في أعراض الغافلين، واسمع أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ". رواه أبو داود.
فهذا عذابهم في حياة البرزخ، فاتق أعراض الناس، وتجنب لحومهم وعوراتهم،
إذا شئت أن تحيى ودينك سالم
وحظك موفور وعرضك صــــين
لسانك لا تذكر به عورة امرء
فعندك عورات ولـلناس ألـســـــــن
وعينك إن أهدت إليك مساوياً
فدعها وقل : يا عين للناس أعين
من أسباب عذاب القبر من حفظ القران ثم رفضه ونام عن الصلاة المكتوبة، لأن من حفظ القران لا يشبع من ترديده وتلاوته، ومن استقر القران في صدره لا ينبغي أن ينام عن الصلاة المكتوبة، فمن رفض كلام الله بعد أن حفظه ، ونام عن الصلاة، لم يرد الله به خيرًا والعياذ بالله، هذا من حفظ القران ورفضه، فكيف بمن هجره، ولا يعرفه إلا يوم الجمعة، هذا فيمن ينام عن الصلاة فكيف بمن يفرط فيها بغير عذر، بل والعياذ بالله كيف بمن يتركها ولا يصليها مع الناس، اسمع لعذاب من حفظ القران ورفضه ونام عن الصلاة المكتوبة أما من هجر القران وترك الصلاة فعذبه أنكى وأشد. ففي حديث سمرة بن جندب  في رؤيا النبي  حينما عرج به قال  وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى» قال: " قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ فقال: "أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ".
ومن أسباب عذاب القبر: الكذب، وهو مطية النفاق، وباب كل سيئة، ومع تطور التقنية ووسائل الاتصال، أصبح الكذب يبلغ الآفاق في ثوان معدودة، هذا كذب الأخبار فكيف بمن يرمي برئيًا، ويبهت مؤمنًا، ناهيك عن الكذب على الله ورسوله، ونقل الأحاديث الموضوعة دون بيان درجتها وحكمها، ولا يتكلف عناء السؤال عنها ، ولا يتثبت من صحتها، ويحسبه هينا وهو عند الله عظيم ، قد يعتذر بعض الفضلاء بأنها وصلته فأرسلها، ينبغي أن يدرك المؤمن أن جرم الناقل للكذب من غير تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول  يقول النبي  (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى – أي : يظن - أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَيْنَ) رواه مسلم
واسمع لعذاب الكاذب أيضًا في حديث الرؤيا: قال  فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: «ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى» قال: " قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق".
ومن أسباب عذاب القبر: الربا، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم، ففي حديث الرؤيا: قال  فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا» قال: " قلت لهما: ما هذان؟ قال: "فإنه آكل الربا".
ومن أسباب عذاب القبر: الزنا والعياذ بالله، فمن دعته نفسه لشهوة أو مقارفة حرام فليتذكر قول النبي  في حديث الرؤيا: "فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات " قال: «فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا» قال: " قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال فإنهم الزناة والزواني".
أيها الكرام هذه جملة من أسباب عذاب القبر، تنبه على ما هو أجل وأشد منها، ومن تأمل هذه الأسباب التي ذكرت علم كثرة الواقعين فيها، وأن أَكثر أَصْحَاب الْقُبُور معذبين، والفائز مِنْهُم قَلِيل، فظواهر الْقُبُور تُرَاب وبواطنها حسرات وَعَذَاب، تغلي بالحسرات كَمَا تغلي الْقُدُور، وتتمنى لو تعود فتعمل صالحًا، ولكن هيهات أن تعود، اللهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللهُمَّ إِنا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ".
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وديان يوم الدين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قائد الغر المحجلين، وصفوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين.وبعد:
إذا أدركت أن أكثر الخلق واقع في موجبات عذاب القبر فتدارك نفسك، وتفقد أمرك، وأعلم بأن أعظم سبيل للنجاة من عذاب القبر أن تستقيم على دين الله، ليس فقط أن تعود إلى الله، بل عد، واستقم كما أمرت، وأكثر من التوبة، ولا تنم إلا وقد تبت إلى الله، وتبرأت من كل مظلمة، وأصدق مع الله حتى الممات، هناك تدرك حقيقة تلك الآية التي طالما طرقت سمعك، ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ )( ). ومن أعظم المنجيات من عذاب القبر الشهادة في سبيل الله فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول : " للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه". رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.
ومن المنجيات من عذاب القبر: قراءة سورة الملك وحفظها، وتدبر معانيها، روى أبو داود والترمذي وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) وحسنه الألباني. عن عبدالله بن مسعود قال:"مات رجل فجاءته ملائكة العذاب ، فجلسوا عند رأسه، فقال:لا سبيل لكم إليه قد كان يقرأ سورة الملك، فجلسوا عند رجليه، فقال: لا سبيل لكم إليه قد كان يقوم علينا بسورة الملك، فجلسوا عند بطنه، فقال: لا سبيل لكم إنّه قد وعى في سورة الملك، فسُمّيت المانعة". أخرجه عبدالرزاق في المصنف وإسناده جيد. وأما قراءتها كل ليلة ففيه نظر، ولم يثبت فيها حديث صحيح.
أيها الكرام:
هذه المنزلة الأولى من منازل الآخرة، فهنيئًا لمن استعد لها، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: مَرَّ بِالْحَسَنِ شَابٌّ عَلَيْهِ بَزَّةٌ لَهُ حَسَنَةٌ فَدَعَاهُ فَقَالَ: "ابْنُ آدَمَ مُعْجَبٌ بِشَبَابِهِ، مُعْجَبٌ بِجَمَالِهِ، كَأَنَّ الْقَبْرَ قَدْ وَارَى بَدَنَكَ، وَكَأَنَّكَ قَدْ لاقَيْتَ عَمَلَكَ، يَا وَيْحَكَ دَاوِ قَلْبَكَ، فَإِنَّ حَاجَةَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى الْعِبَادِ صَلاحُ قُلُوبِهِمْ".
عباد الله صلوا وسلموا...

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/2/3/3/5/سلسلة%20الإيمان%20باليوم%20الآخر-%20عذاب%20القبر%20ونعيمه(3).doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/2/3/3/5/سلسلة%20الإيمان%20باليوم%20الآخر-%20عذاب%20القبر%20ونعيمه(3).doc


جزاك الله خيرا
لا بأس أنزلها هكذا في المنتدى


الخطبة الثالثة من سلسلة الإيمان باليوم الآخر
النفخ والصور والبعث والنشور


الخطبة الأولى
الحمد لله العلي المقتدر، القائل اقتربت الساعة وانشق القمر، وباعث الخلق كأنهم جراد منتشر، فالمتقون في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والكافرون والمنافقون موعدهم الساعة والساعة أدهى وأمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا مهرب منه ولا مفر، إلى ربك يومئذ المستقر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ ونشر، ودعا واصطبر، وطاعته ترضي من أنزل الزبر، فصلوات ربي وسلامه عليه ما توالت الآيات والنذر، وما تدفق غيث وانهمر، وعلى آله وأصحابه الدرر، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الحشر.
أما بعد: عباد الله! اتقوا الله جل في علاه، وأعلموا أنكم راحلون، وأن غيركم وافدون، وإلى الله سائرون، لن تتأثر الحياة برحيلك، ولن يتوقف الاقتصاد بفقدك، ولن تتعطل أشغال الخلق لموتك، سيحزن عليك قريب، وتقسم أموالك لكل حبيب، وتنتهي قصة حياتك، ويحذف اسمك، ويعفى رسمك، وتحاسب على همسك، وتلقى ربك، فاعمل لنفسك.
أيها الأحبة الكرام: عنوان خطبتنا لهذا اليوم" النفخ في الصور، والبعث والنشور" سبق الكلام عن القبر وعذابه ونعيمه وأسبابهما، واليوم حديثنا عن قيام الساعة وبعث الناس وقدومهم إلى ربهم، قال الله: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)( ) ، بعد توالي أشراط الساعة الكبرى، يبقى من البشر بقية فتقوم عليهم الساعة، ولا تقوم إلا على شرار الخلق، وحتى لا يقال في الأرض الله الله، إذًا أين المؤمنون؟ أين المتقون فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم كما أورد مسلم في صحيحه قال: فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ –أي يطلب الدجال- فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ " قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، قَالَ: وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ، قَالَ: فَيَصْعَقُ، وَيَصْعَقُ النَّاسُ".
نعم أيها الكرام لقد أوكل الله عز وجل أمر النفخ في الصور لإسرافيل عليه السلام ، ملك عظيم منذ أن أوكل بذلك وهو متهيئ للنفخ فيه ، وكلما اقترب الزمان ازداد تهيؤه ، قال صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله: قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا) رواه الترمذي وحسنه.
ينفخ في الصور النفخة الأولى، نفخة الصعق، فيفزع كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله من الشهداء والملائكة ويصعق كل حي إلا من شاء الله، على حين غرة وغفلة من الناس قال الله: (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون)، لاوصية تنفذ، ولا رجعة لأهل، ويمكث الناس بعد النفخة الأولى أربعين، امتنع أبو هريرة عن تحديدها لكونه صلى الله عليه وسلم أطلق لفظ أربعين ولم يحدد . والله أعلم في الصحيحن عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما، قال: أبيت، قال: أربعون سنة، قال: أبيت، قال: أربعون شهرا، قال: أبيت. "ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون، كما ينبت البقل". قال: "وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة" وصدق الله "كما بدأنا أول خلق نعيده وعد علينا إنا كنا فاعلين". ثم تكون النفخة الثانية نفخة البعث، والخروج من القبور، ويقال يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ، فأول من يبعث النبي  ففي البخاري عن أبي هريرة: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تفضلوا بين أولياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات، ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري: أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي؟". وعند ذلك يحشر الناس إلى أرض المحشر وهي بلاد الشام كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة: فقد روى الإمام أحمد عن حكيم بن معاوية البهزي عن أبيه قال: قال  "هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون- ثلاثاً - ركباناً, ومشاة, وعلى وجوهكم)) قال ابن أبي بكير: فأشار بيده إلى الشام. يحشر الناس إلى ربهم، حفاة عراة غرلا، فتتسآل عائشة رضي الله عنها لشدة حياءها يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: "الأمر أشد من أن يهمهم ذاك". نعم أشد فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتسآلون، يفر المرء من أخيه، وصاحبته وبنيه، لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه، قدم على ربه وعاين قوته وجبروته، ووقع عيانًا ما كان يقرأه أو يحدث به، فلا مفر ولا وزر، يتذكر وعاصيه، وذنوب الخلوات، وسيئات لا يعلمها إلا رب البريات، يخاف أن يناقش، ويفضح على رؤوس الأشهاد. منهم من يمشي ومنهم من يتعاقبون على جمال، ومنهم والعياذ بالله من يجر على وجهه، أمور لا يدركه العقل، ولا يستوعب حقيقتها، ولذا في صحيح البخاري، رجل استنكر ذلك وتعجب منه فقال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» قال قتادة: بلى وعزة ربنا. فلا مجال للتفكير، لا يعجزه شيٌ في الأرض ولا في السماء.
وعند ذلك تبدأ مشاهد عظمة الله، وأهوال يوم القيامة، فيطوي الجبار جل في علاه السماوات والأرض بيمينه ثم يقال أنا الملك أنا الديان أين ملوك الأرض، ثم تشقق السماء بالغمام وتتنزل الملائكة، وتكون السماء وردة كالدهان، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وتجمع الشمس والقمر وتكوران في النار، وينطمس ضوء النجوم وتنتثر وينفرط عقدها، ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتى، والبحار تفجر وتسجر نارًا، حين ذلك تدرك قول الله: (ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، وتدرك فرار المرء من أحب الناس إليه، وتدرك يومًا يجعل الولدان شيبا، يوم مهول يوم عظيم من شهدته وضعت الحامل حملها، وذهلت المرضع عن رضيعها، وشاب الولدان. نسأل الله النجاة.
قد يتسأل إنسان أين الناس وهذه الأهوال تحدث، جاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أينفعك شيء إن حدثتك؟» قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال: «سل» فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم في الظلمة دون الجسر». قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به» أخرجه مسلم.
وبعد ذلك يجمع الناس على أرض المحشر، وهي أرض الشام، لكنها ليست الأرض الحالية بل تبدل وتغير، فتكون أرض حساب وعدل وإنصاف، طاهرة من كل معصية، نقية من كل شائبة، ليس فيه معلم بل مستوية، لا ترى فيها عوجً ولا أمتى، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد».
"يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور"


الخطبة الثانية
الحمد لله ديان يوم الدين، ومالك يوم الدين، وواضع الميوازين، وقاضي الخصومة بين المتخاصمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، النبي الأمين، وقدوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا إلى يوم الدين. أما بعد أيها الكرام:
في ذلك المشهد يصف الله الإنسان وصفًا دقيقا، فأما الأجساد فعارية، وأما الأبصار فخاشعة، وأما القلوب فوجلة، والأصوات لا تسمع إلا همسا، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما، وبين يدي الله تجتمع الخصوم، كم والله من مظلوم ما زال قلبه يتقطع حسرة وألما من الظالم،
أمـا والله إن الظلـم شــــــؤم...ومــا زال المســـئ هو الملـــوم
إلى ديــان يـوم الديـن نمضــي..وعنــد الله تجتمـع الخصــوم
ستعلـم في المعـاد إذا التقينـا..غــدا عنـد المليـك من الظلـوم.
والكل في عرصات القيامة ينتظر، والحر شديد وتدنو الشمس من الخلائق قبل أن تكور، ففي صحيح مسلم عن الْمِقْدَاد بْن الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ، أَمَسَافَةَ الأَرْضِ أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ. قَالَ: فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ". إلا سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله،إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". ويحشر المتكبرون يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، ويحشر الكفار عميًا على وجوههم كما قال الله وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى". قال الإشبيلي رحمه الله: فتفكر في بهتك وحيرتك وانكسارك، وذُلِّك، وافتقارك وقلتك يوم لا تجد إلا عملك وسعيك الذي سعيت.
أيها الكريم: تذكر هول ذلك اليوم، وتحلل من ذنوب وحقوق ستنهك كاهلك أمام الله، إن كان الأنبياء يخشون ذاك اليوم وهم أنقى الناس عملًا فكيف بمن انغمس في الذنوب، واستطال في الخطايا والآثم، وتذكر قول الله:" ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون".
عباد الله صلوا وسلموا...

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/2/3/3/5/سلسلة%20الإيمان%20باليوم%20الآخر-%20النفخ%20في%20الصور%20وحتى%20ما%20قبل%20الحساب.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/2/3/3/5/سلسلة%20الإيمان%20باليوم%20الآخر-%20النفخ%20في%20الصور%20وحتى%20ما%20قبل%20الحساب.doc