سلسلة أركان الإيمان ثانياً: الإيمان بالملائكة (2)

عبد الله بن علي الطريف
1436/06/14 - 2015/04/03 08:47AM
سلسلة أركان الإيمان ثانياً: الإيمان بالملائكة (2) 14/6/1436هـ
أيها الإخوة: إتماماً لحديثنا عن الإيمان بالملائكة الذي جعله الله أحد أركان الإيمان فقال (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) [البقرة: 177].. الملائكة الذين وصفهم الله تعالى بأنهم كرام بررة، فقال: بأيدي (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [عبس:15،16] السَفَرَةٍ: هم الملائكة الذين هم السفراء بين الله وبين عباده، (كِرَامٍ) أي: كثيري الخير والبركة، (بَرَرَةٍ) قلوبهم وأعمالهم.. أي خلقهم كريم حسن شريف وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة.
ومن صفاتهم أنهم منظمون في عبادتهم وشؤونهم كلها فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» رواه مسلم ويأتون يوم القيامة صفوفًا منتظمة قال سبحانه: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر:22]. ويقفون بين يدي الله تعالى كذلك: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النبأ:38].
ومن صفاتهم عليهم السلام السرعة العظيمة فإذا كانت أعظم سرعة يعرفها البشر هي سرعة الضوء، حيث ينطلق بسرعة (186) ألف ميل في الثانية الواحدة.! أمّا سرعة الملائكة فهي فوق ذلك، وهي سرعة لا تقاس بمقاييس البشر، فقد كان السائل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يفرغ من سؤاله حتى يأتيه جبريل بالجواب من ربّ العزة سبحانه وتعالى، واليوم لو وُجدت المراكب التي تسير بسرعة الضوء، فإنها تحتاج إلى (مليار) سنة ضوئية حتى تبلغ بعض الكواكب الموجودة في آفاق هذا الكون الواسع الشاسع..!
ومن صفاتهم التسبيح: فالملائكة يذكرون الله تعالى، وأعظمُ ذكره التسبيح.. يسبحه تعالى حملة عرشه: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [غافر:7]..
كما يسبحه عموم ملائكته: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) [الشورى:5].. وتسبيحهم لله دائم لا ينقطع، لا في الليل، ولا في النهار: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:20].
ولكثرة تسبيحهم فإنهم هم المسبحون في الحقيقة، وحق لهم أن يفخروا بذلك: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات: 165، 166].
وما كثرة تسبيحهم إلا لأن التسبيح أفضلُ الذكر، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الهن عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. رواه مسلم
ومن صفاتهم أنهم عباد لله لا يقولون قولًا لم يأذن به الله.. ولا يعملون عملًا إلا بأمر الله، ولا يدعون إلا لمن كان مرضيًا عند الله تبارك وتعالى قال عز من قائل: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:27،29] يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا قبحهم الله أن الله اتخذ ولدا فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وأخبر عن وصف الملائكة، بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد أكرمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره.. فهم (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة، حتى يقول الله، لكمال أدبهم، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه.. (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) أي: مهما أمرهم، امتثلوا لأمره، ومهما دبرهم عليه، فعلوه، فلا يعصونه طرفة عين، ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله، ومع هذا، فالله قد أحاط بهم علمه، فعلم (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) أي: أمورهم الماضية والمستقبلة، فلا خروج لهم عن علمه، كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره.
أيها الإخوة: ومن أقولهم أنهم يصلون (يدعون) لأناس من السعداء من بني آدم، ويلعنون أوناس من الأشقياء يدعون عليهم باللعن.
فمن السعداد الذين تستغفر لهم الملائكة من بات طاهرًا فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس من عبد يبيت طاهرًا إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرًا" رواه الطبري وهو حديث حسن.
وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله: من بات طاهرًا بات في شعاره ملك فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهرًا. رواه ابن حبان وهو حديث صحيح
ما أيسره من عمل وما أجله من جزاء تبيت على طهارة فيبيت معك ملك أنعم به من صاحب وأكرم به من ضجيع، وفوق ذلك يستغفر لك.
وهناك فضل آخر لمن بات طاهرًا فعن معاذ بن جبل عن النبي أنه قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ [أي يستيقظ من النوم] فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه أبو داوود وغيره وهو حديث صحيح فمن بات طاهرًا استجاب الله دعوته إن استيقظ ودعا.
ومن السعداء الذين تستغفر لهم الملائكة وتدعو لهم بالرحمة من جلس في مسجد ينتظر الصلاة وهو على وضوء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. البخاري ومسلم
ومن السعداء الذين يصلي الله عليهم وملائكته أصجاب الصف الأول في الصلاة، فعن البراء بن عازب عن رسول الله أنه قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول رواه ابن حبان وإسناد صحيح. والصلاة من الله: ثناؤه تعالى على العبد في الملاء الأعلى يعني الملائكة، ومن الملائكة: الدعاء والاستغفار، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن الله وملائكته يصلون على الصنف الأول. قالوا يا رسول الله وعلى الصنف الثاني؟ فقال: إن الله وملائكته يصلون على الصنف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني. قال وعلى الثاني: رواه أحمد وحسنه الألباني.
وهذا يدل على مزيد فضل للصف الأول، وأن فضله مضاعف بالنسبة للثاني.. وروى البخاري عن أبي هريرة عند رسول الله أنه قال: لو يعلم الناس ما في النداء [أي الأذان] والصف الأول. ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا. أي اقترعوا.
ومن السعداء من الذين يصلي عليهم الملائكة من يصل الصف فلا يدع فيه فرجة. فعن عائشة قالت: قال رسول الله: إن الله عز وجل وملائكته عليهم السلام يصلون على الذين يصلون الصفوف. رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح
أسأل الله تعالى بمنه وكرمة أن يوفقنا للعمل الصالح وأن يجعلنا من المتسابقين فيه إنه جواد كريم. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعنا بما فيها من الآيات والحكمة أقول قولي هذا.
الثانية:
ومن الأشقياء الذين تلعنهم الملائكة الذين يسبون أصحاب رسول الله فعن ابن عباس عن رسول الله أنه قال: من سب آصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه الطبراني وصححه الألباني.. واللعن الطرد والابعاد عن رحمة الله. اللهم ارض عمن ترض عنهم والعن من لعنهم…
وممن تلعنه الملائكة من أشار إلى أخيه بحديدة فعَنِ أَبَي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» رواه مسلم قال الإمام النووي: في هذا الحديث تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وفي قوله [وان كان أخاه لأبيه وأمه] مبالغة في ايضاح عموم النهي في كل احد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم وسواء كان هذا هزلاً ولعباً أم جداً ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام ـ ا.هـ
وقد بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب النهي فيما رواه مسلم عن ابي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يشيرُ أحدُكم إلى اخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدُكم لعل الشيطانَ ينزَعُ في يده [أي يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته] فيقع في حفرة من النار.
وهذا التحريم من باب سد الذرائع المفضية للفساد والقتل واذا كانت الاشارة إلى المسلم بالسلاح حراماً وإن كان من باب المزاح وموجب للعن فكيف يكون عقاب من اذى مسلماً او ضربه او جرحه وقتله.
وممن تلعنه الملائكة الذي ينقض أمانة مسلم. فعن علي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ذِمَّةُ الْمُسْلِمينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً،. رواه البخاري ومسلم.
اللهم عليك بمن يعلنون أصحابك ويؤذون أولياءك..
المشاهدات 1918 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا