سلسلة أركان الإيمان ثانياً: الإيمان بالملائكة (1)
عبد الله بن علي الطريف
سلسلة أركان الإيمان ثانياً: الإيمان بالملائكة (1) 1445/7/14/هـ
أيها الإخوة: في حديث سؤال جبريل عليه السلام لِلرَسُولِ ﷺ عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ له: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ.. رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان وأصل من أصوله، لا يتم الإيمان إلا به.. ويتضمن الإيمان بالملائكة أربعة أمور هي: الإيمان بوجودهم، والإيمان باسم من علمنا اسمه منهم مثل جبريل وإسرافيل وميكائيل ومالك عليهم السلام، ومن لم نعلم أسماءهم نؤمن بهم إجمالاً، والإيمان بما علمنا من صفاتهم، والإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى.
والملائكة عالم غيبي وخلق من مخلوقات الله، لهم أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل والتمثل والتصور بالصور الكريمة، ولهم قوى عظيمة، وقدرة كبيرة على التنقل.
ولا يقدر البشر على رؤيتهم على صورتهم الحقيقية لأن الله لم يعط أبصارنا القدرة على هذه الرؤية.
ولم ير الملائكة في صُورِهم الحقيقية من هذه الأمة إلا الرسول ﷺ، فإنه رأى جبريلَ مرتين في صورتِه التي خَلقَه اللهُ عليها..
وهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، قد اختارهم الله واصطفاهم لعبادته والقيام بأمره، والقوةِ على تنفيذه، فلا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.. قال الله تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبـِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [سورة الأنبياء:19،20]
وقد خلق الله الملائكة من "نور" فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ أي [الجن] مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وهو [اللهب المختلط بسواد النار] وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» رواه مسلم.
أيها الإخوة: ولقد وصفهم اللهُ ورسولُه ﷺ بصفات كثير:
منها أنهم لا يوصفون بأنهم ذكورٌ أو إناث قال الله تعالى منكراً على المشركين قولهم فقال: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف:19]..
ولقد خلقهم الله تعالى على صُور جميلة كريمة قال تعالى في جبريل: (ذو مرةٍ فاستوى) [النجم:6] أي ذو قوة ومنظر حسن.
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملَك، انظر إلى ما قالته النسوة في يوسف الصديق عليه السلام عندما رأينه: (فلما رأينه أكبرنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ) [يوسف:31].
ووصفهم الله بالقوة والشدة. فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) [التحريم:6] وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] وقال في وصفه أيضا (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) [التكوير:20]
ومن صفاتهم عظم الأجسام والخلق. فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ مَعنى قَوْلِهِ تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) [التكوير:23]، وقوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) [النجم:13].؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ». رواه مسلم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسعُوْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ فِى صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ". رواه أحمد وحسنه ابن كثير وصححه شاكر وغيره. التهاويل الألوان المختلفة.
وهذا دليل على عظمته، ومع ذلك فإنه من الممكن أن يأتي على غير هذه الصفة، كما أتى على صورة رَجُلٍ شَدِيدِ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدِ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.. كما في حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفيه قَالَ عُمَرُ: ثم قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ..
وجاء مرة على صورة الصحابي دحية الكلبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولكن هذا التحول من الصورة التي هو عليها إلى صورة البشر إنما كان بأمر الله، وقد تمثل جبريل عليه السلام بشراً لمريم بنت عمران رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كما قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) [مريم:17] أي كاملًا من الرجال في صورة جميلة وهيئة حسنة لا عيب فيه ولا نقص لكونها لا تحتملُ رؤيتَه على ما هو عليه..
وَممن ورد في عظيم خلقهم ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ». رواه أبو داود. وصححه الألباني
أيها الأحبة: ومن صفاتهم أنهم لا يأكلون ولا يشربون فقد قال الله عنهم لما أتوا إبراهيم في قصة إهلاك قوم لوط: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) [هود:70] ونقل السيوطي عن الفخر الرازي: أن العلماء اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون..
ومن صفاتهم أنهم لا يملون ولا يتعبون ولا ينامون قال الله تعالى:(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) [فصلت:38]
ومن صفاتهم أن لهم أجنحة كما أخبرنا الله تعالى، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر:1] وَعَنْ أبي إسحاق الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَ: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم:9] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدَ اللهِ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» [النجم: 9]رواه البخاري ومسلم.
ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها أنهم كرام أبرار قال تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [عبس:15-16]. وقال عَزَّ وَجَلَ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ) [الانفطار:10-11].
ومن صفاتهم الحياء فَعَنْ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ! فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» رواه مسلم.
ومن صفاتهم أيضا العلم. قال تعالى في خطابه للملائكة (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30] فأثبت الله عز وجل للملائكة علمًا وأثبت لنفسه علمًا لا يعلمونه، وقال تعالى في حق جبريل عليه السلام (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] أي علَّم جبريل عليه السلام محمدًا ﷺ هذا القرآن، وهذا متضمن وصف جبريل بالعلم والتعليم..
ومنازل الملائكة ومساكنها السماء، كما قال تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى:5]. وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات أنيطت بهم، ووكلت إليهم: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم: 64]. ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر:3-4].
اللهم اجعلنا من المؤمنين ومن ورثة جنة النعيم ووالدينا ومن له حق علينا وجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: والملائكة خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم: (وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو) [المدثر:31].
وإذا أردت أن تعلم كثرتهم، فاسمع ما قاله جبريل عليه السلام عن البيت المعمور في حديث ليلة الإسراء، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ أَتَيَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، وَرُفِعَ لَهُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ عنه فَقَالَ «هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ». رواه البخاري ومسلم عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». رواه مسلم. فعلى ذلك فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة أربع مليارات وتسعمائة مليون ملك..
أيها الأخ المبارك: إذا تأملت النصوص الواردة في الملائكة التي تقوم على الإنسان علمت كثرتهم، فهناك ملك موكل بالنطفة قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.» رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِحِفْظِ الْعَبْدِ فِي حِلِّهِ وَارْتِحَالِهِ وَفِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَفِي كُلِّ حَالَاتِهِ، وَهُمُ الْمُعَقِّبَاتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد:11] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "وَالْمُعَقِّبَاتُ مِنَ اللَّهِ هُمْ الملائِكَة يحفظونه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى خَلَّوْا عَنْهُ" وَقَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) [الْأَنْعَامِ:18] وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُ بِحِفْظِ عَمَلِ الْعَبْدِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَهُمُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَهَؤُلَاءِ يَشْمَلُهُمْ مَعَ مَا قَبْلَهُمْ قَوْلُهُ عز وجل: (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) [الْأَنْعَامِ:61] وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزُّخْرُفِ:80] وَقَالَ تَعَالَى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18،17] فَالَّذِي عَنِ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الِانْفِطَارِ:10]
أحبتي: وللحديث عن الملائكة بقية بحول الله تعالى..