سفينة المجتمع

الحمد لله الذي يأمر عباده بالعدل والإحسان، وينهاهم عن الظلم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم الخبير العليم القدير، الذي لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهو بكل شيء محيط، نحمده ونشكره على نعمه التي لا تحصى، فله الحمد في الآخرة والأولى.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فما ترك من خير إلا وأرشد الأمة إليه وهداها إلى الأخذ به، ولا شرًّا إلا وحذر الأمة منه وأمرها باجتنابه، صلى الله وسلم عليه وعلى صحابته ومن سار على طريقتهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين.
فاتقوا الله ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن جعلنا مسلمين، ومن أمة سيد المرسلين، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة، لا نحصي عددها، ولا نبلغ شكرها، ومن الواجب علينا تجاه هذه النعم الاجتهاد في شكرها ( وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) وما شُكِرَت نعمة الإسلام بمثل الحفاظ عليها، بالعمل بشرائعها، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالشكر جلَّاب النعم ومديمها وكفر النعم يسحقها ويزيلها
ولو تأمَّلنا في هذا الزمان حال المسلمين وحال البلاد الإسلامية، لوجدنا ما يندى له الجبين، وتدمع له العين، من ضعف الدين، وعجز المسلمين، فأصبحت أمتنا في هذا الزمان أمة مستضعفة مستهدفة، تداعى عليها الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها.
وإنما أُتي المسلمون من قِبَلِ أنفسهم ( وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ ) نعم .. بما كسبت أيدينا من معصية الله في التقصير في الواجبات، والوقوع في المعاصي والمحرمات.
ومن أعظم ما قصَّر فيه المسلمون في هذا الزمان: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي أدى إلى التقصير في أمور كثيرة من الدين، فبتقصير المسلمين في جانب الأمر بالمعروف، بدأ كثير من الناس مع الزمان يتهاونون بالمعروف شيئاً فشيئأ، وبالمنكر شيئًا فشيئًا.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات، كما قال صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) قالوا: يا رسول الله! عرفنا كيف ننصره إذا ظُلم، فكيف ننصره إذا كان هو الظالم؟ فقال ( تردعونه عن ظلمه ) فالأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر هو القطبُ الأعظم في الدين، وهو المهمة الأساسية التي بعث الله بها النبيين والمرسلين.
قال الله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فالمفلحون هم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن قول الحق غضب فلان أو فلان، قال صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم عذابًا من فوقكم، لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو دين الرسل وأتباعهم، ومن لم يحب ما أحبه الله وهو المعروف، ويبغض ما أبغضه الله وهو المنكر لم يكن مؤمنًا، فالذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا هو ميت الأحيا.
قال صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )
والواجبُ إذا أهمله الإنسانُ أو تركه آخذَه الله سبحانه على ذلك، وقد استحق بنو إسرائيل اللعنةَ من الله سبحانه على لسان أنبيائهم، وضرب الله قلوب بعضهم ببعض، وسلط عليهم من لا يرحمهم، لتركهم هذا الواجب، ولانتشار المنكرات بينهم، دون أن تجد من يُغيّرها أو ينهى عنها ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) وكان تركُهم لهذا الواجب سببًا لهلاكهم ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ).
عباد الله ... إن تغيير المنكر هو صمام الأمان للمجتمع، وقوام نجاته من الفتن والمنكرات وعوامل الهدم والتخريب، وقد بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في سفينة المجتمع ... إن التغافل عن المنكر في المجتمع الإسلامي، هو بمنزلة من يخرق السفينة لكي تغرق بجميع من فيها، ومن هنا وجب الأخذُ على يدي فاعل المنكر، ومنعه وتغيير منكره.
فالإسلام لا يقبل أبدًا موقف الانعزاليين، الذين يقدرون على تغيير المنكر ولا يسعون لتغييره ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
إذا لم تعلن كلمة حق، ولا تجهر بدعوة ولا نصيحة ولا أمر ولا نهي، وبذلك تنهدم منابرُ الإصلاح وتختفي معاني القوة وتذوي شجرة الخير ويجترئ الشر ودعاته على الظهور والانتشار، فيتفوق سوق الفساد، وترجح بضاعة إبليس وجنوده، من غير أن تجد مقاومة ولا مقاطعة، وحينئذ يستوجب المجتمع لعنة الله وعذابه، فيصب البلاء والنكبات على المقترفين للمنكر والساكتين عليه ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) وقال رسول الله صلى الله علية وسلم ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ).
فاتقوا الله عباد الله وامتثلوا أوامره إن كنتم مسلمين، واتبعوا ما أمركم به رسولكم إن كنتم مؤمنين، وقولوا الحق ولو على أنفسكم، ولا تأخذكم في الله لومة لائم. جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهدانا إلى الحق والطريق المستقيم.
أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يدلنا على الحق وأن يعيننا على أنفسنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... يقول الله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فالأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، ما دامت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وسوف تظل خير الأمم وأعلاها ما دام أبناؤها قائمين على هذا الواجب، أما إذا تخلت عنه، فسوف تسقط عنها هذه الخيرية، وتصبح أمة ضعيفة ذليلة لا قيمة لها ولا وزن، ومن هنا وجدنا التوجيهات القرآنية التي تحض الأمة الإسلامية على هذا الواجب ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ).
وقال تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وهذا شأن مجتمع المؤمنين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلاف مجتمع المنافقين الذين جعلهم القرآن الكريم في الدرك الأسفل من النار، فقد حددت معالمهم في قوله ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
عباد الله ... لقد تميزت بلادنا حماها الله بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقوف ولاة الأمر مع هذه الشعيرة منذ تأسيس الدولة وستبقى إن شاء الله .. فلا تقوم دولة إسلام إلا إذا كان شرط ثباتها بثبات ثلاثة ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ) فدين الله محفوظ لا يُبدَّل، ولكن الله يبتلي الدول بحفظه، فمن حفظ الدين حفظه الله. ومن أراد تضييعه استبدله الله بغيره.
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا ...
وصلى الله على نبينا محمد
المشاهدات 1483 | التعليقات 1

بورك فيك ونفع الله بك وبقلمك
خطبة جميلة مختصرة