سفرُ القلبِ والفكرِ في ملكوتِ السماوات

ابراهيم الغضيه
1440/11/22 - 2019/07/25 19:58PM

الخطبة الأولى

سفرُ القلبِ والفكرِ في ملكوتِ السماوات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه .... فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي خير زاد ليوم المعاد ...

أيها المؤمن لماذا لا تسافر ؟!! ألا تريدُ أن تسافرَ من أجلِ سعادةِ قلبِك وانشراح صدركْ بلى كلّنا نريدُ ذلك .

إنهُ سفرٌ لا يحتاجُ إلى مالٍ أو راحلة . سفرٌ ليس كأسفارِ الدّنيا الذي هو قِطعَةٌ من العذاب . إنّه سفرُ القلبِ والفِكرِ في ملكوت السماوات . كان النّبي صلى الله عليه وسلم يديمُ النّظر إلى السماء وقبل بعثته عليه الصلاة والسلام كان يتحنّث في غار ثور الليال الطوال ذوات العدد يتفكر في هذا الملكوت العظيم .

وفي كل شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنه الواحدُ

قبل ليالٍ حدث خسوفٌ للقمر وبعض الناس يتصوّرُ أنه أمرٌ طبيعي . كلا إنه آيةٌ من آيات الله يخوف الله بها عباده ليرجعوا إلى ربهم فالكسوف والخسوف له أثرٌ وخطرٌ كبير على اضطراب الكرة الأرضية ودمارها فاللهم رحماك رحماك يا الله . الله سبحانه وتعالى حث عبادهُ على التفكرِ في آياته ليروا مدى عظيمِ صنعِ ربهم ومدى ضعفهم وعجزهم .يا ترى هل يستطيعُ الخلقُ كلهم أن يتصرفوا في ملكوتِ السماوات والأرضِ ؟! كلا بل أقل من ذلك ( وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) فالله وحده له ملك السماوات والأرض وما فيهما خلقاً وتدبيراً والله على كل شيءٍ قدير .

 

قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) الآيات ... لما أنزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم قال ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر بها .

أيها المؤمن : إذا أردت أن تتفكر في عظمةِ وملكوتِ السماوات والأرض فتدبر قراءتك للقرآن ثم أخرج عن ضوضاءِ المدينةِ وصخبِها وأنوارِها فارجعِ البصرَ إلى السماء . أدمِ النظر فيها . انظر في السماءِ طويلاً .

ثم تأمل في صنع الله لملكوتِ السماوات وعلوِها وسعتِها واستِدارتها وعِظمِ خلقِها وحسنِ بنائها وعجائبِ شمسِها وقمِرها وكواكِبها ومقاديرِها وأشكالِها وتفاوتِ مشارِقِها ومغاربِها فلا ذرّةَ فيها تنفكُّ إلا عن حِكمة .خلق السماوات أعظمُ وأشدُّ خلقاً من بدنِ الإنسان ومن خلق الأرض جميعاً (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا *مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ( .

أيها الأحبة في الله : الله سبحانه وتعالى يقسمُ بما شاءَ من خلقهِ ولا يقسمُ إلا بعظيم فأكثرُ القسمِ في القرآن الكريم هو متعلقٌ بالسماوات (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) هذا قسمٌ من الله بالسماء المشتملة على منازل الشمسِ والقمر وغيرها (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ*النَّجْمُ الثَّاقِبُ )  أقسمَ الله بالسماء وأقسم بالنجم الذي يَطْرقُ ليلاً (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا *وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا *وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَاوَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا *وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ) أقسم الله بالنجم إذا سقط ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) أقسم الله بالنجوم الخفية قبل بزوغِها في الليل . الله سبحانه وتعالى يقسِمُ ثم يعظّمُ هذا القسم (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) .

جعلني الله وإياكم من المتأملينَ والمتفكرينَ في ملكوتِ السماوات والأرض .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله ....

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .

أيها الأحبة في الله : السماوات من أعظم الآيات في علوّها وارتفاعها . وفي سعتها وقرارها بحيث لا تصعد علواً كالنار ولا تهبط نازلةً كالأجسام الثقيلةِ . ولا عمد تحتها ولا علّاقة فوقها (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ... ) وهو سبحانه الرؤوف الرحيم الذي أمسكَ بقدرتِهِ السماءَ أن تقعَ على الأرض بعد أن خلقها . ولولا إمساكهُ لها لوقعت السماء على الأرض قال سبحانه (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) وهو سبحانه الحي القيوم القويُ القدير الذي يمسكُ السماوات والأرض أن تزولا ليحصلَ للخلق القرار والنفع والإعتبار وليعلموا من عظيم سلطانه وكمال قدرته ما تمتلئ به قلوبهم إجلالاً له وتعظيماً ومحبةً وذلاً (إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِۦٓ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) .

تبارك الله أحسن الخالقين خلقها سبعاً في غاية الحسنِ والإتقانِ والقوةِ والعظمة كل واحدة فوق الأخرى لا خلل فيها ولا نقص في لونها وهيئتها وارتفاعها (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) فجعلَ النجومَ زينةً وجمالاً للسماء ونوراً وهدايةً يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ورجوماً للشياطين الذين يسترقون السمع ويظلون العباد ولولا هذه النجوم لكانت السماءُ سقفاً مظلماً لا حسن فيه ولا جمال (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) . وقال سبحانه (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) .

وقفة : أيها المهموم والمكروب يا من ضاقت به الأرض بما رحبت إذا تفكرت في ملكوت السماوات هانت عليك متاعب الدنيا وصغرت في عينك كنوز الأرض وقوى البشر فلنتأمل في كوكبٍ واحدٍ من كواكب السماء ألا وهو الشمس فحجمهُ بالنسبةِ لحجم الأرض فيقدّر بمليون وثلاثمائة ألف مرة بالنسبةِ لحجم الأرض فلا إله إلا الله ...ألا فصلوا وسلموا ...

المشاهدات 1235 | التعليقات 0