سَـــكِــيْــــــــــنَـــــــــــــةٌ واسْـــتِـــــــــكَانَـــــــــــــةٌ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1441/10/19 - 2020/06/11 08:04AM

الحمدُ للهِ

لك الحمدُ بالمزيدِ على المُنى



 

كفيلاً لنا أشهى من المَنِّ والسلوى



ونشكرُك اللهم شكرَ موفَّقٍ


 

نُبَرُّ به مِن دونِ جَحْدٍ ولا شَكوى


وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللُه وحَده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فلنتقِ اللهَ؛ فهي العُدّةُ وعليها العِدَة.

لماذا نَقْلَقُ كثيرًا من كورونا؟ أتريدُ حلاً لهذا القلقِ، وطريقةً تُطمئنُك؟

إذًا استمِعْ لهذهِ القصةِ العجيبةِ التي نحتاجُها هذهِ الأيامَ بالذاتِ:

كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ e فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالقُرْآنِ([1]).

قال النوويُّ وابنُ بازٍ -رحمَهُما اللهُ-: المرادُ بالسكينةِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ –تعالى-، أو نوعٌ من الملائكة([2]).

ما الذي جَلَبَ السكينةَ في هذهِ القصةِ؟

إنما جَلَبَها قراءةُ القرآنِ، (فكأنه يقولُ: استمرَ على قراءتِك؛ لتستمرَ لكَ البركةُ، بنزولِ الملائكةِ، واستماعِها لقراءتِك)([3]). ولذا قالَ البخاريُّ: بابُ نزولِ السكينةِ والملائكةِ عندَ قراءةِ القرآنِ.

فكلَّما هَجمَ على قلبِكَ خوفٌ، أو زادَ فصارَ هلعًا فالقرآنَ القرآنَ، لا سيَما سورةَ البقرةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ([4]). أي أصحابُ البطالةِ؛ لطُولِها، والكُسالى المفرِّطونَ بالحِزبِ اليوميِ([5]).

وفي القصةِ فضيلةُ قراءةِ سورةِ الكهفِ، لا سيَما يومَ الجمعةِ، فاقرأْها بترسُّلٍ، لا بسرْدٍ، حتى تنزلَ عليكَ السكينةُ.

إنها السَّكِينَةُ التي ذَكَرَها اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ. في البقرِة مرةً، وفي التوبةِ مرتينِ، وفي الفتحِ ثلاثَ مراتٍ: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ}{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ}{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ}{فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ}.

(وَكَانَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ: قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ. وجَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَاقِعَةٌ عَظِيمَةٌ، تَعْجَزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا - مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ - قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ: اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ.

قالَ ابنُ القيمِ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ.. فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ)([6]).

والصحابةُ -رضوانُ اللهِ عليهِم- على كمالِ إيمانِهم في يومِ بدرٍ، ويومِ الحديبيةِ، ويومِ حنينٍ: (اضطربتْ قلوبُهم وقلِقتْ، ولم تُطقِ الصبرَ، فعلِمَ –تعالى- ما فيها، فثبَّتَها بالسكينةِ؛ رحمةً منه، ورأفةً، ولُطفًا)([7]).

أيُّها المُواكِبونَ لهذهِ الأيامِ الكُورونيةِ: دعُوا القيلَ والقالَ، والمبالغةَ في رصدِ أرقامِ الحالاتِ، واحتسِبُوا على اللهِ أنكمْ مأجورونَ على صبرِكم على بلائِكم، أمَّا إنْ رضِينا واطمأننَّا فالرِّضا أعظمُ أجرًا، وأشرحُ صدرًا.

وأبشِروا ثم أبشِروا، فالوباءُ زائلٌ -بإذنِ اللهِ- مع الاستكانةِ والتضرعِ، والأخذِ بالأسبابِ الحسيةِ، كالتباعُدِ والتغسيلِ والكمَّامةِ والسجادةِ، والذي أنزلهُ بقدرتِهِ، سيَرفعُه برحمتهِ.

أتريدونَ الشفاءَ من كورونا؟!

الجوابُ: لنرجِعْ للقرآنِ؛ ففيهِ الشفاءُ لكلِّ داءٍ ووباءٍ.

فلما رَجعنا وَجدْنا أن القرآنَ يدعُونا لأربعةِ أمورٍ:

  • أولهُا: الإقبالُ على تلاوةِ القرآنِ، وتركُ التحزُّنِ؛ لتتنزلَ السكينةُ.
  • وثانيها: التسلحُ بالصبرِ: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة177] و{الْبَأْسَاءُ} تعْنِي: البُؤْسَ الْفَقْرَ وَالضِّيقَ فِي الْعَيْشِ {وَالضَّرَّاءُ} هِيَ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ([8]).
  • وثالثُها التضرُّع، بكثرةِ الدعاءِ والصلاةِ؛ لئلا تقسوَ القلوبُ: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام44]{أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف94]

أما الصلاةُ، ألم يكنِ النَّبِيُّ e إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى([9])

أما الدعاءُ؛ أفلم يكنْ e إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ([10]).

قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: (وَمَا اُبْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ أَوْ دَاءٍ أَوْ مِحْنَةٍ أَوْ بَلِيّةٍ إلّا كَانَ حَظّ الْمُصَلّي مِنْهُمَا أَقَلَّ، وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ) أ.هـ ([11]).

  • ورابعُها: الاستكانةُ للهِ، والتواضعُ لخلقِ اللهِ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]

(اللهم إنا نعوذُ بكَ مِن بأسِكَ، ونقمتِكَ، وسلطانِكَ)([12]) (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ)([13]).

(اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ الْجِدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتِكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ.

اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ)([14]).

اللهم سدِّدْ ووفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى.  

اللهم ثبِّتْ ووفقْ المرابطينَ على الحدودِ والمرابطينَ بالمستشفياتِ والمرابطينَ على التفتيشاتِ، وأيِّدْهُم بتأييدِكَ.

اللهم احفظْ أمنَنا واقتصادَنا، وأعِذْنا من الغلاءِ والوباءِ. اللهم أعِذْنا من سيءِ الأسقامِ، اللهم ارفعْ ما نزلَ بنا من وباءٍ وبلاءٍ، وأنزِلْ على قلوبنا سكينةً، وارزُقنا استكانةً، وإليك تضرعًا.

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ. وأقمِ الصلاةَ؛ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ، ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

([1])صحيح البخاري (5011) صحيح مسلم (795)

([2])شرح النووي على مسلم (6/ 82) وانظر: الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري عبد الله بن مانع (4/ 14) وعظمة القرآن وتعظيمه وأثره في النفوس في ضوء الكتاب والسنة سعيد علي وهف القحطاني (ص: 54)

([3])فتح الباري لابن حجر (9/ 63)

([4])صحيح مسلم (804)

([5])المفاتيح في شرح المصابيح للمظهري (3/ 72) ومرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعبيد الله المباركفوري (7/ 189)

([6])مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 471).

([7])إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (6/ 108)

([8])قاله قتادة وابن جريج. انظر: تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/ 350)تفسير ابن كثير ت. سلامة (3/ 256)

([9])حسنه أبو داود (1319) وابن حجر في الفتح (3/ 172).

([10])صحيح مسلم (83)

([11])زاد المعاد (4 / 301) 

([12])مصنف ابن أبي شيبة (3/ 236)

([13])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/ 954)

([14])مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص321) ومصنف عبد الرزاق (3/ 111) والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 298)

المرفقات

سكينة-واستكانة

سكينة-واستكانة

سكينة-واستكانة-2

سكينة-واستكانة-2

المشاهدات 1628 | التعليقات 0